تجديد الأوهام أم ثبات الحق؟.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تجديد الأوهام أم ثبات الحق؟.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الاثنين، ٨ سبتمبر ٢٠١٤

يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: نفسك إن لم تشغلها بالحق أشغلتك بالباطل..، وفي القرآن الكريم: (فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) تلك معالم الحقائق التي تدل عليها منتجات ثمراتها في الحياة وفي مصالح البشر، وهي بيّنات تصدق أصحابها: والدعاوى إن لم تقيموا عليها بيّنات أصحابها أدعياء وهذه الحقائق قد وقعت اليوم في مصيدة الخداع الذي طغى بمداهناته ونفاقياته حتى أصبح في مشاهد الأحداث والوقائع ظاهره الحق وباطنه من قبله العذاب، وتمثله شخصيات وفئات لها إيحاءات الهيبة ومظاهر الرهبة، ولكنها في واد، والمعاناة والهموم في واد آخر، فأين البرهان إن كنا صادقين؟! وهل هذا الزمن السوري الوطني المجتهد تصلحه العناوين والتصريحات والمقابلات أم هو مضطر في حاجاته إلى بعض التنفس المطمئن الذي تنتعش به أرزاقه وطاقاته وثروات شبابه وأرضه وسمائه أو بما هو أهم وذلك في التأكيد على إنهاض الثقة المهمة بين المواطن والمسؤول عن إحساس بما يُلم بهذا الوطن والمواطن من ملمات وآلام وهموم عندما يرى هذا المسؤول يعيش همّه فعلياً، فلا ينفصل عنه في مكتبه الفخم وسياراته الفارهة وكمالياته المسرفة ثم هو عند التصريحات والمناسبات يُنتج أبلغ فصاحة في لحن القول..، ألا إنّ أروع صفات العظماء مصداقياتُهم وتفاعلاتهم المحسوسة في أعمالهم واهتماماتهم، وهمومهم التي ينسون بها أنفسهم في سبيل الآخرين مع تواضعهم وأولوية وجودهم في ميدان الأعمال لا في ميدان الأقوال دون البحث عن التعظيمات وعن صدور المجالس:
إذا لم يكن صدر المجالس سيّداً        فلا خير فيمن تصدره المجالس
وقائلة مالي أراك راجلاً              فقلت لأجل أنك راكب
ألا إنّه التواضع الذي يميّز الصحيح من السقيم، والغني في ذاته من المتعطش الذي لا يملأ عينه إلا التراب، ولذلك كان من أجمل ما جاء في صفات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى له - وهذا حقيقة فيه ودعوة إلى التلاحم البشري المسؤول-: (قل إنما أنا بشرٌ مثلكم..) وعندئذ تُقنِع الإنجازات والمشاريع، ويحب الناس أئمتهم ومَن يرعونهم وهم يرون ويعلمون أنّ همومهم يحملها معهم من يؤتمنون على مصالحهم: وقائلةٍ لِم عَلَتك الهمومُ        وأمرُك ممتثلٌ في الأمم
فقلت ذريني لما أشتكي                      فإنّ الهموم بقدر الهمم
إنّ أخطر ما يميز هذه المرحلة العربية والإسلامية في تاريخها المعاصر أن تتغلب فيها قوى النفاق والألقاب والمصطلحات والمسميات التي تلوي بأعناق المقاصد والغايات لتصبح في كل الوسائل والآليات ثم تنتهي بما نراه اليوم من فتن ومفاسد ومذابح وشدائد مع خيانات وأزمات، أما الخطر الموازي من قبله فإنّه توزيع الدين والأخلاق والتربويات في محنطات ورقية ووعظيات شكلية وهيكليات شخصية تطوّقها مظاهر ذكريات وعبادات وحلقات يُفرّغ فيها الدين الحقّ ويولد في دوائرها التدين- مع أنّها شؤون يكفي أن تكون بين المؤمن الصادق وربه عز وجل- من غير أن تنهض لتعزيز الكرامات والخلُقيات ومصالح الناس وإصلاح المجتمعات وإزالة المفاسد، والمشاركة في إزالة آلام الناس وهموم الوطن، وحمل الأعباء عن إيثار وعطاءات تبرأ من الأثرة والأنانيات، فيحس كل مواطن كل مهموم كل متألم أنّه ليس وحده!.. أليس هذا هو المعنى الحرفي الحقّ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)؟! فإن لم نكن كذلك فلا يليق بنا الإيمان بل ولا الإسلام، وكل أولئك في (الإيمان وفي الإسلام) قد تحدد في الأمن والأمان للنفوس والأعراض والأموال، وفي السلامة من أذى اللسان واليد، وصدق من قال لي- وهو ولي صالح جليل- إنّ المؤمن الصالح أول أمره أن يكفّ الأذى عن الناس، وأعلى مراتبه أن يتحمل أذى الناس!!، ثم تاج المسك في ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام لمن عادوه وآذوه: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، هذه حقائق البناء الصادق المتين لضرورة حاجة الوطن والناس اليوم في الرعاة والمسؤولين عن كفاءة واقتدار: (..وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)!!