«إسرائيل» وتركيا تتقاسمان السيطرة على داعش والنصرة

«إسرائيل» وتركيا تتقاسمان السيطرة على داعش والنصرة

تحليل وآراء

الجمعة، ٥ سبتمبر ٢٠١٤

 منذ بداية الهجمة كان واضحاً الدوران "الإسرائيلي" والتركي في كل المجالات، وما زالت المشاركة "الإسرائيلية" - التركية قائمة حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، فالمصلحة المشتركة في إركاع سورية وإخضاعها لم تكن وليدة اللحظة، إنمّا نتيجة مخططٍ مستمر لم تنقطع حلقاته يوماً وكان يأخذ أشكالاً متعددة بحسب التطورات والظروف والمراحل.
بات واضحاً اليوم تقاسم الأدوار والسيطرة على الجماعتين الأكثر نفوذاً في سورية، وهما "داعش" و"جبهة النصرة"، ففيما تتبع داعش كلياً للسيطرة المباشرة للمخابرات التركية والقطرية، برز في الفترة الأخيرة مدى الحميمية التي تجمع بين "إسرائيل" و"النصرة"، ومن ورائهما بالطبع الدور الأردني والسعودي، وبالطبع الدور الكبير للمايسترو الأميركي الذي يدير حلقات الهجمة ويعمل على توزيع الأدوار على الجميع.
وبالرجوع الى بدايات الأزمة في سورية نتذكر تماماً كيف تطوّرت المواقف السياسية المعادية مباشرةً، من مجرد مواقف مضادّة للدولة السورية الى تدخلٍ مباشرٍ في الأزمة وانحيازٍ واضحٍ الى جانب الجماعات المسلّحة.
هذا الإنحياز لم يقف عند حدود معينة وشمل كل أشكال الدعم، من تسهيلٍ لدخول المقاتلين عبر الحدود الى الإمداد بالسلاح والذخائر الى التدخل المباشر عبر فرق خاصة من ضباط الإستخبارات والقوات المتخصصة في شتى المجالات، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر فرقة "بيتا اير" المتخصصة بالإغتيال وفرقة "ماغلان" المتخصصة بالسيطرة على المطارات، وهاتان الفرقتان تابعتان مباشرةً للموساد "الإسرائيلي".
شكّل سقوط يبرود ضربةً قاسية لـ"إسرائيل" ومن ورائها السعودية، اللتين تداعيتا بعد تحرير يبرود لتفعيل غرفة العمليات المشتركة في الأردن بالتعاون مع ضباط أميركيين وأردنيين لوضع مخططات جديدة متعلقة بجبهة جنوب دمشق وأعني درعا والقنيطرة، والتي يبدو في هذه الأيام أنها ذاهبة باتجاه تشكيل "جدارٍ طيب" فاصل على غرار الشريط العازل في جنوب لبنان."
غرفة عمليات مماثلة أنشأتها تركيا لإدارة العمليات في حلب وإدلب حتى هذه اللحظة، ورغم الدعم اللامتناهي للجماعات المسلّحة لم تحقق من خلالها أيّ تقدمٍ ملموس، بل على العكس تماماً فقد تمّ إلحاق الهزيمة بهذه الجماعات من خلال كسر كل هجماتها التي شنتها وخصوصاً على مدينة حلب في جبهتي المخابرات الجوية شمال حلب والراموسة جنوبها وأخيراً عبر جبهة الراشدين.
وبخلاف جبهة درعا – القنيطرة التي تشهد عمليات سيطرة متبادلة على بعض المواقع الاستراتيجية، وعمليات عزلٍ وكمائن يقوم بها الجيش السوري على كامل امتداد الجبهة الجنوبية وخصوصاً في ريف درعا وريف الكسوة، بهدف تعطيل تواصل الجماعات المسلّحة لفتح جبهات جديدة إضافةً الى تأمين خطوط الإمداد بين دمشق ودرعا والسويداء ودمشق وكذلك بين القنيطرة ودمشق، فإنّ الأمور على جبهة حلب مختلفة تماماً.
بعد تحرير الشريط الحدودي مع لبنان كاملاً من القصير الى يبرود ورنكوس وقريبًا الزبداني، فإنّ الحلم بإسقاط دمشق يبدو أنه ولّى الى غير رجعة، وينحصر الجهد "الإسرائيلي" والتركي في إقامة شريطٍ حدودي تركي سوري و"إسرائيلي" سوري.
استطاعت تركيا من خلال دعمها للجماعات المسلّحة في الشمال السوري أن تحقق خسائر كبيرة في البنية الإقتصادية السورية وخصوصاً قطاع الصناعة في مدينة حلب، عبر نهب المصانع ونقلها الى تركيا وبيعها بأبخس الأسعار، إضافةً الى توقّف هذه المعامل عن الإنتاج بشكلٍ كليّ.
ولا يغيب عن بالنا مدى ما تستفيد منه كل من تركيا و"إسرائيل" من البترول العراقي والسوري المنهوب، ومعهما أميركا أيضاً.
على مدى 35 عاماً، هي المرّة الأولى التي تبتعد وحدات الجيش العربي السوري عن خطوط التماس مع الجيش الصهيوني، بعد تمكّن جبهة النصرة من السيطرة على معبر القنيطرة وأماكن أخرى بدعمٍ صهيوني واضح ومعلن، من خلال تسهيل دخول الجماعات من الأراضي المحتلة وتقديم الدعم الناري والإستشفائي والتدريب والتسليح لهذه الجماعات، وآخرها اليوم من خلال القصف الصاروخي الذي استهدف بعض مواقع الجيش السوري.
عسكرياً، من الواضح أنّ تركيا وعلى امتداد سيطرة داعش على الحدود التركية السورية تقوم بتقديم الدعم المستمر وخصوصاً في المجال الإستخباراتي، وغضّ النظر عن عمليات التطوّع الجديدة التي بدأتها داعش مستهدفةً الطبقات المعدومة من شرائح الشعب التركي، والذين بدأت طلائعهم تصل الى سورية والعراق.
الأمر نفسه تقوم به "إسرائيل" مع جبهة النصرة وقبلها ما يسمى بالجيش الحر، وآخر التصريحات الصهيونية بهذا الشأن ذهب الى حد التمني لو أنّ العلاقة كانت أكثر فاعليةً مع الجيش الحر، ولكن النصرة بحسب التصريحات الصهيونية ليست سيئة وهي لم تبرز أيّ تصرفٍ عدائي تجاه "إسرائيل".
العلاقة بين "إسرائيل" والنصرة الى تطورٍ بما يخدم أهداف الطرفين، وكذلك الأمر فيما يخص داعش وتركيا، ما يعني أننا أمام مرحلة تثبيت قطاعاتٍ حدودية تؤمن استمرار استنزاف الجيش السوري من جهة ونهب خيرات سورية من جهةٍ أخرى.
هذه المعارك ليست مجرد معارك بسيطة، فبعد تحقيق الجيش السوري انتصاره الإستراتيجي تغيرت النظرة الى إدارة المعركة من قبل أطراف الهجمة، فمن إسقاط النظام الذي بات متعذراً وصعباً الى استنزاف سورية بكل قطاعاتها دولةً وجيشاً وشعباً.
هذه المعارك وخصوصاً على الحدود السورية مع الجيش الصهيوني قد تذهب باتّجاه تشكيل مقاومةٍ سوريةٍ تتولى القيام بعملياتٍ ضاربةٍ لـ"إسرائيل" والجماعات المدعومة منها، وبالتأكيد ستؤدي الى ما أدّت اليه نتائج المواجهة في جنوب لبنان مع نموذج الشريط العازل. وأما مع تركيا فالأمر مختلف، وستشهد المعارك القادمة تحوّلاتٍ نوعية في خرائط السيطرة سيكون لمعارك حماه الحالية دور كبير في صياغة المشهد الجديد.