الفراغ وصناعة الإرهاب.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

الفراغ وصناعة الإرهاب.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢ سبتمبر ٢٠١٤

للفراغ تعريفات أولى وأخطر من توصيفاته الجوفاء كما يحدث اليوم ويراه كل مطّلع مهموم، فالكثرة ليست دلالة على القدرة والإنتاج فما أكثر الأعداد وهي كغثاء السيل، والعبرة ليست في تزاحم الأفعال ولكن في الفاعلية، فإنّ ذئباً واحداً متوحشاً يُرهب ويخيف قطعان الأغنام, ثم إنّ الضخامة في الأجسام وفي الأشياء بل العناوين والألقاب، بل.. الشهادات اليوم مهما كانت عالية أو كثيرة لا تدل على أنّ أصحابها علماء أجلاء ومفكرون محترفون جهابذة حتى نرى الأداء والعطاء والأقوال!، ومن ثم فإنّ الوطنية ومن قبلها التدينية والقرآنية والإسلاموية الحقيقية تأبى أن تكون أقوالاً وأضواء، وشعائريات شكلية لا تعمرها وتغنيها وتصدقها الأمانة والصدقية، وخلقيات المحبة والتراحم ومفاتيح الغيرية والخيرية، فليس التكحل في العينين كالكحل.. (..كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)! أجل إنّها فراغات تختفي عن أعين الرقباء غير الموفقين، وهي زيوف خداع يصل الأمر بصاحبها أو بغيره أن يراها حقيقة وغنى وقوة ووطنية وعلمية وتدينية وهو لا يدري أنّه قد جهل نفسه وانفصمت شخصيته- وما أكثرها اليوم- إلى قوالب يغتر بها ثم يعتز بها فيأبى أي نصح أو إرشاد مخلص يدله على الحقيقة، فإن فَعل من يفعَل.. كان في نظره حسوداً أو لنياته طمع ومآرب..، فما هو إذن إلا كقول الله تعالى: (أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً)، إنّه اليوم زمن العناوين والألقاب والمصطلحات الولودة في الفراغات والمتلونة التي تصنع أبطالاً وقوة وخلافة وجماعات وأعداء وأصدقاء وأشكالاً عنيفة للمصالح العامة والخاصة على هوى مرجعيات ولدت في الحجارة والأحقاد والعبودية للاستكبار الشخصي والدولي، وقد اخترعت إنشاء جديداً لمسمى القرآن والسنة وللإيمان والكفر، وما هي لعمر الحق إلا أخطر عدوان على الإسلام وعلى القرآن والسنة والإيمان الذي لا يكون إلا في الأمن والأمان، والتراحم والسلامة من أذيّات اليد واللسان، فأين دور المرجعيات البيضاء النقية الحقيقية اليوم؟ وأين أهلها ودعاتها؟! حتى احتل مقامها وأدوارها ما نراه ونشهده؟ بل أين الإنسان الذي قنع بما تقوم به حياته وأعماله ثم انصرف إلى خدمة البلاد والعباد حقاً دون أن يعمر لنفسه الثروات والجاهات على حساب مصلحة الوطن وحصانته فاكتفى بدنياه واستغنى عن آخرته؟! وفي الحديث: (ليس الغنى عن كثرة العَرض وكثرة الجاه، ولكن الغنى غنى النفس) وكذلك: (يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت؟!) ألا إنّ الفراغ عن غنىً إنما هو أشد بلاء وأذى من الفراغ عن فقر وحاجة وعطالة، وفي كل منهما خسران، ولا ينكشف هذان الوجهان أو يتقدمان إلا عندما تغيب التربية ويغيب التخطيط الجاد الصحيح بين فرص الإنتاج والعمل وبين الرقم البشري، وعليه يعلم كل عاقل أنّ المشكلة هنا ليست في مظان فرص العمل ولا في الكفاءات ولكنها في الحزم والعزائم والإدارات، وما أضر بهذا كلّه إلا ضعف الرقابة على المسؤوليات فتدخلت فيها المزاجيات والمنافع الخلفية لبعض الاعتبارات فإذا بنا نسمع جعجعة ولا نرى طحناً، وانعكس أخطر أدوار هذه العطالات المقنعة بالتوظيفات على فئات الشباب والبنات فكانوا من ثم وكنّ مع ضعف الوازع الداخلي والإيمانيات ومع التضاؤل أو الانحسار لأمثلة المربين أهل العهد والقدوة والتضحيات وقوداً للفتنة وللأزمات، ومنهم من انحرف هواه إلى العصابات، لأنّ أي إنسان إنّما يثق بهويته عندما يشهد من يعزز له هويته ويسعى جاداً لتوفير الأمان والإعداد الصحيح لمصالح في معاشه وأعماله ومستقبله، فيهوى عند ذلك أرضه ووطنه ولا يضعف أمام أي إغواء أو إغراء ينزلق من بواباته نحو الناعقين من حوله، ولذلك جاء: إنّ الفراغ والثراء والجِدة مفسدة للمرء أيّ مفسدة.
وجاء في الحديث: (كاد الفقر أن يكون كفرا..)
للحديث صلة