التحالف الدولي ضد الإرهاب: أغمضوا أعينكم كي لا تروا الأسد...

التحالف الدولي ضد الإرهاب: أغمضوا أعينكم كي لا تروا الأسد...

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠١٤

 يُعلمنا التاريخ القريب أن القيادة السورية وبعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الراحل «رفيق الحريري» في العام 2005، عانت من عُزلةٍ شبه دولية كما سماها عُتاة الساسة الأوروبيون، تحديداً بعد إخفاق كل محاولات إلصاق التهمة بسورية. يومها تعهد الرئيس الفرنسي السابق «نيكولا ساركوزي»، تحديداً في العام 2008، بإحداث خرقٍ في العلاقات (الإيرانية- السورية)، لأن فكرة فك التحالف بين الدولتين اللتين تكرسان «محور الشر» بالمفهوم الغربي، شكلت هاجساً وهدفاً مباشراً للغرب، تحديداً بعد أن أقنعه حكام مشيخات النفط بأن تعميم الاعتدال العربي يصطدم بهذا التحالف الوثيق. كان وزير الخارجية الفرنسي يومها الصهيوني «بيرنارد كوشنير» غير راضٍ عن هذا الانفتاح، ويردد في مجالسه الخاصة:
إنّ التعامل مع «النظام السوري» يقتضي الحيطة والحذر، ثم المزيد من الحيطة والحذر.
زار ساركوزي دمشق، انضم لاجتماعٍ رباعي ضمه مع الرئيس الأسد إلى جانب كل من رئيس الوزراء التركي السابق «رجب طيب أردوغان» وأمير قطر المخلوع «حمد بن خليفة». فُتحت السفارات، عادوا كما كانوا، بل وأكثر، تحدث ساركوزي عن شراكة مع الأسد لإيجاد الحلول للمشاكل العالقة في المنطقة، بما فيها يومها انتخاب رئيس للبنان، وتحريك المفاوضات على المسار (السوري ـ «الإسرائيلي»). رد الأسد بمزيدٍ من الانفتاح على إيران، والأهم أنه كان قد أعلن يومها علانية دعمه للروس في حربهم ضد جورجيا ضارباً عُرض الحائط، بمبادرة الحل لتلك الأزمة التي كان ساركوزي نفسه قد اقترحها. الآن وبعد ثلاث سنوات من الحرب المفتوحة على سورية، هل عُدنا إلى المربع الأول الذي انتهجه ساركوزي مع القيادة السورية، بحيث أن «النظام السوري» بات قدراً لا مفر منه، مهما حاولوا المكابرة والتلاعب بالتصريحات؟!
بات واضحاً للجميع بأن المنطقة تشهَد حِراكاً يعجُّ بالتوقعاتِ والتكهنات، هدفه المُعلن القضاء على الإرهاب وغير المعلن فض الاشتباك، فيما يشبه الانعطاف نحو تكريس الحلول التي تريدها الولايات المتحدة، مستحوذة على الحد الأدنى من القبول لدى جميع الأطراف تحديداً خصومها اللدودين، فيما يراها حلفاؤها تكريساً للهزيمة.
ذكر السيد وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الكثير مما يلفت الانتباه. لا يبدو اللغز بالكلام الذي قاله السيد وزير الخارجية ولا حتى بالأسئلة التي وُجهت إليه والتي لم ترتقِ لحجم المؤتمر ودقة اللحظة لدرجةٍ سمعنا فيها مضمون السؤال يتكرر في أكثر من مرة، لكنّ اللغز الأهم هو بانعقاد المؤتمر الصحفي من أساسه، والذي ما كان لينعقد لو لم يكن لدى القيادة السورية ما لديها من معطيات.
في الولايات المتحدة، ارتفعت الأصوات المطالبة بتدخل عاجل لوقف تمدد «داعش»، كان آخرها حديث السيناتور الجمهوري «ليندسي غراهام»، عن افتراض الأسوأ في طريقة التعاطي مع داعش. قد لا نستطيع أن نفهم تصريح الرئيس الأميركي «باراك اوباما» عن عدم امتلاك إستراتيجية محددة للتدخل ضد داعش في سورية، إلا من خلال سعيه للهروب من السؤال الأهم: ماذا عن التعاون مع الأسد؟
الجواب ليس لدى ساركوزي هذه المرة، وليس عند الفرنسيين أساساً والذين باتوا هامشاً في لعبة السياسة الدولية. قررت ألمانيا هذه المرة لعب هذا الدور ولكن بسريةٍ تامة، «مهما حاولت إخفاء اتصالاتها مع القيادة السورية»، الهدف واضح وهو التنسيق لمنع الانزلاق نحو ما هو أصعب.
ترك الأسد باب العطاء مفتوحاً، حتى إن كان لجهةِ توسيع «نظام الحكم» ليشمل شرائح أوسع للمعارضة، فأبقى على معظم الوزارات الهامة كما كانت، في خطوة وإن كانت لم تستحوذ على الرضى الشعبي (مهما حاول الإعلام الرسمي بتقاريره البدائية أن يقنعنا بذلك)، لكنها تبدو في اللعبة الدولية حدثاً مرتبطاً بما يتم التحضير له في الأسابيع القادمة.
لم ينته الأمر هنا، فالحديث عن انتهاء العدوان على غزة وقبول فصائل المقاومة بوقف إطلاق النار، لا يبدو منفصلاً عن هذا الحراك الدولي. فشلت المفاوضات وتعثرت أكثر من مرة، وفي كل مرة كانوا يعودون لفكرة الهدنة لتجديد الأمل بوقف الحرب الذي بات حاجة «إسرائيلية». كانوا يُبدعون في اختلاق الأعذار لفشل المفاوضات، لأنهم ببساطة لا يريدون الاعتراف بأن الاتفاق النهائي بحاجة للمسات يفتقدونها أو لا يريدون التعاون معها، إذاً على من يمون الحلفاء؟
ليس من باب المصادفة أن المفاوضات في مرحلتها الأخيرة عادت بقوة بعد إقرار القرار 2170، والأهم أن الاتفاق النهائي تم الإعلان عنه بعد ساعات من حديث اوباما العلني عن تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب. يستطيع «خالد مشعل» ومن يحمل مشعله أن يشكر من يشاء وليصفق له الحاضرون كيفما شاؤوا، لكنّ الحقائق وإن لم تظهر للإعلام، فهي تجسدت لجميع الأطراف الفاعلة بأن كلمة الفصل في مكان آخر، لذلك لم يجد «باراك اوباما» حرجاً من الحديث في مؤتمره الصحفي ـ بعد توقيع الاتفاق ـ عن تورط من أسماهم الحلفاء في دعم الإرهاب. أما وزير خارجيته جون كيري فوصف، في صحيفة «النيويورك تايمز» تنظيم «داعش» بـ«السرطان»، مؤكداً عزم الولايات المتحدة على «عدم السماح له بالتمدد إلى دول أخرى»، داعياً من جديد إلى تحالف دولي للتصدي له.
تَرى الولايات المتحدة نفسها اليوم مرتاحة، فهي إن حصلت على تعاون القيادة السورية فإنها ستستحوذ على المزيد من الأوراق والتمدد في المنطقة، تحديداً أن من يلعب السياسة بذكاء كالولايات المتحدة يدرك أن القيادة السورية بالقوة التي تتمتع بها، قد تبدو مفيدة لها أكثر بكثير من بعض الحلفاء، مع إقرارها بأن هذا التعاون سيعني حتماً نوعاً من التهدئة مع الروس، لأنه من الواضح وحسب كلام الوزير المعلم شخصياً بأن التنسيق مع الروس دائم.
أما إن لم تحصل الولايات المتحدة على تعاون القيادة السورية، مع العلم بأن هذا الأمر بات مستبعداً، فإن الولايات المتحدة ستبقى مرتاحة لحال المشاكل «المضبوطة» حسب ما ترى، والتي لا تكلفها في لغة المصالح أي خسائر. وعليه فإن مصطلح (التعاون مع الأسد) الذي جرى تعميمه هذه الأيام في الإعلامين الغربي والمتأمرك لم يأتِ من فراغ، بل سبقه الكثير من التهيئة للمواطن الغربي لما هو آت.
الحديث عن مصادرة «كمبيوتر محمول» لأحد عناصر داعش يحتوي على ملفات لتصنيع القنابل الكيميائية لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، تحديداً لأن هذا الإرهابي تونسي الجنسية، (هل يعرف لوران فابيوس كم المسافة النظرية بين السواحل التونسية والشواطئ الفرنسية؟). كذلك فإن الحديث البريطاني عن رفع نسبة التحذير من الهجمات الإرهابية ليس من باب المصادفة، تحديداً أن كاميرن قد استغنى منذ أسابيع عن وزير خارجيته السابق «وليم هيج» والذي فاق بتصريحاته ضد القيادة السورية تصريحات قادة ما يسمى «الجبهة الإسلامية» الإرهابية التي تتوعد المدنيين الآمنين بالقتل.
بشكلٍ شبه يومي تقوم الصحافة الفرنسية بتذكير حكومتها بأن ما يجري بات خطراً على الجميع، تتساءل هذه الصحف عن الفرنسيين العائدين من سورية، ففي سورية كانوا مجاهدين أو ثواراً، سموهم ما شئتم، لكن ماذا ستكون تسميتهم بعد أن يعودوا إلى أوروبا؟ مجلة «لاكروا» عنونت (هل يجب التحالف مع الأسد؟). أما «الليبراسيون» فتحدثت عن قلب الأسد للمعادلة في محاربة الإرهاب. لعل هذا السخاء في التذكير من قبل الصحافة الفرنسية هو بمثابة تمهيد لـ»تكويعة» قريبة للقيادة الفرنسية مهما حاول هولاند القول إنه لنْ يتعاون مع «نظام الأسد» في الحرب ضد داعش. وعليه نذكره أنه كان يقول خلال حملته الانتخابية بأنّه لن يتعاطى مع الديكتاتوريات، فاستقبل في الأشهر الأولى لرئاسته أمير قطر المخلوع، وملك البحرين الذي أدخل قوات أجنبية إلى بلاده لحماية عرشه، ثم ما لبث أن قام بنفسه بزيارة تاج الديمقراطية في العالم العربي المتمثل بمملكة «آل سعود». هنا لا نضرب المثال من الباب المقارنة بقدر ما نضربه من باب المقاربة لتناقضات هولاند، والذي شاء أم أبى فإنه سيضطر في النهاية للاستماع للقصة التي رويناها يوماً لكل الفاشلين في خيار إسقاط الأسد، لا وبل اضطرارهم للتعاون معه، وسخروا منها:
تاه رجل في غابة، وإذ به يلقَى أمامه أسداً مُرعباً، أدرك أنه لن يستطيع الهروب منه ولا قدرة له على مجابهته، فاغمض عينيه وقال في نفسه ليس هناك أسد... في النهاية الخيار بات واضحاً:
افتحوا العنان لإعلامكم ليؤمن لكم طريق العودة، وأغمضوا أعينكم كي لا تروا الأسد.