ماذا سيحدث بعد تحشيد الجيوش لاجتثاث "داعش" وخطرها ..؟

ماذا سيحدث بعد تحشيد الجيوش لاجتثاث "داعش" وخطرها ..؟

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠١٤

إذا كان عقد النصف الأخير من التسعينات والنصف الأول من العقد الأول من القرن الواحد والعشرين يمكن وصفه بعقد تنظيم "القاعدة"، فإن العقد الحالي الذي جاء بعده يمكن وصفه بأنه عقد تنظيم "الدولة الاسلامية" مع فارق رئيسي أن العقد الأخير هذا مرشح للاستمرار لعقود أخرى قادمة.
العالم كله يتحشد لمواجهة هذا التنظيم والقضاء على أخطاره، وهو لا يملك رؤوس نووية، ولا صواريخ عابرة للقارات، ولا مخزون هائل من الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية، فالمستر جون كيري وزير الخارجية الأمريكي سيذهب وفي معيته زميله تشاك هاغل وزير الدفاع لحضور اجتماع حلف الناتو الذي سيعقد يوم الخميس المقبل من أجل تشكيل تحالف دولي لمواجهة هذه "الدولة" من الدول الأعضاء على هامش هذا الاجتماع، ويتوجه بعدها إلى الشرق الأوسط للحصول على دعم "الدول المهددة" بشكل مباشر من خطره، وضمها، وربما طلب تمويلها لنفقات هذا التحالف.
بريطانيا أعلنت حالة التأهب القصوى في صفوف أجهزتها الأمنية، ورفعت مستوى التهديد إلى المرحلة ما قبل الأحمر، خوفاً من تفجير إرهابي يمكن أن ينفذه مواطنوها العائدون من سورية والعراق بعد قتالهم في صفوف هذا التنظيم.
ولكن التحذير الأخطر جاء وللمرة الرابعة هذا الشهر، من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز يوم الجمعة، الذي تمثل في إعلان حالة "النفير" على المستوى العالمي، عندما طالب سفراء الدول الغربية الذين استقبلهم أثناء تقديم أوراق اعتمادهم، بضرب المتطرفين (المسلمين) بـ"القوة والعقل" وبسرعة، لأنهم سيصلون إلى أوروبا في غضون شهر، وإلى أمريكا في غضون شهرين.

***
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن طبيعة هذا الخطر الذي تشكله "الدولة الاسلامية" على دول وحكومات من المفترض أنها تملك جيوشاً جرى إنفاق مئات المليارات من الدولارات على تسليحها بأحدث الصواريخ والطائرات الحديثة، علاوة على أجهزة أمنية تعتبر من الأقوى عالمياً؟
نفهم أن تخشى دول العالم نظاماً "مارقاَ"، على حد وصفها، مثل نظام الرئيس العراقي صدام حسين، لأنه يملك ترسانه من لأسلحة الدمار الشامل، وجيشاَ قوياَ حارب ايران ثماني سنوات، ويشكل خطراَ على جيرانه بعد احتلاله الكويت، ولكن لا نفهم مطلقاَ تشكيل تحالف دولي أقوى من التحالف الذي قادته أمريكا لـ"تحرير" الكويت عام 1990، وضد من؟ ضد تنظيم صغير بالكاد يزيد عمره الزمني عن عامين على أكثر تقدير!
هل المشكلة تكمن في قوة "الدولة الاسلامية" أم في ضعف الدول الإقليمية، وحالة الرعب التي تسودها من جراء الانتصارات الكبيرة التي حققها في السيطرة على نصف العراق وثلث سورية في غضون أشهر معدودة؟ ثم من الذي وفر البيئة الحاضنة لهذا التنظيم وزوده بأسباب القوة؟ اليست تلك الدول التي "تولول" ذعراَ من خطره، وتخشى وصوله إلى عمقها؟
لا شك أن هذا التنظيم المتشدد في تطبيق عقيدته وممارساته في الترهيب والتوحش، مثل التغول في الذبح والقتل وتكفير كل من لا يتبنى أو يعتنق هذه العقيدة، لا شك أنه يثير القلق والرعب، ولكن هذا الرعب مقصود مثلما هو مصدر فخر لقادته، ولا يتبرؤون منه، بل يؤلفون الكتب، ويخطون المقالات والشروحات على مواقعهم على وسائل التواصل الاجتماعي للتنظير له، وشرح منطلقاته وأسبابه.
لا نعتقد أن هذا التنظيم ورجاله سيصل إلى أوروبا في غضون شهر، وأمريكا في غضون شهرين، ليس لأنه قادر أو غير قادر على ذلك، وإنما لأنه يركز حالياَ على "العدو القريب" وجوار دولته، أي دول مثل العراق وسورية ولبنان والأردن والمملكة العربية السعودية، حيث يصف حكام هذه الدول بغير المؤمنين، ولا يطبقون شرع الله مثلما هو مطلوب منهم.
ممارسات هذا التنظيم غير انسانية ومدانة بأقوى العبارات، ولكن هل هبطت علينا "الدولة الاسلامية" هذه من السماء أم من بيئتنا العربية والإسلامية، ولها جذور عميقة في تاريخنا، وحتى نفهمها علينا الرجوع إلى الوراء أربعة أو خمسة قرون، وإلى فكر الشيخ بن تيميه وتلميذه الإمام محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية "الإصلاحية"، وسنجد أن فكر "الدولة الاسلامية" هو حركة تصحيحية لهذا الإرث الفقهي، وليس غريباً أن يكون هذا الإرث الأعمدة الأساسية لهذه "الدولة الاسلامية"، وتدرسه حالياً في مناهجها الدراسية في العام الدراسي الجديد في المناطق التي باتت تحت سيطرتها.

***
في غمرة حالة الهياج المصحوبة بالرعب والتحريض الاقليمي والدولي على مواجهة هذه الدولة، اسمحوا لنا أن نطرح العديد من الأسئلة ونأمل أن نتلقى إجابات واضحة وصريحة عنها:
*الاول: كيف سيحارب التحالف الجديد بقيادة أمريكا هذه الدولة، وهل سيرسل قوات أرضية أم سيكتفي بالهجمات الجوية، وفي حال إرسال هذه القوات من هي الدول التي سترسل جنوداً؟
*الثاني: هل ستنضم سورية إلى هذا التحالف بشكل مباشر أو غير مباشر، وإذا كان الجواب بالنفي، ماذا لو ربطت ايران انضمامها إلى هذا التحالف بهذه المشاركة السورية؟
*الثالث: ما هي خطط واستراتيجيات هذا التحالف في حال فشله في تحقيق أهدافه، أو نجاحه في تحقيقها؟ بمعنى آخر هل سنشهد حالة فوضة دموية أكبر على غرار ما يحدث في ليبيا واليمن وسورية والعراق نفسه حالياً في حال النجاح أو الفشل؟
تدخل الناتو نجح في تحقيق أهدافه في إسقاط النظام في ليبيا والعراق، ولكنه لم ينجح في تقديم النموذج الصالح في الحكم والاستقرار مثلما كان مأمولاً.
*الرابع: الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وعد بحل القضية الفلسطينية عندما كان يخطط لتشكيل التحالف الثلاثي لإخراج القوات العراقية من الكويت، وذهب ابنه جورج بوش الإبن إلى التعهد بإقامة دولة فلسطينية مستقلة بعد احتلال العراق في حربه التي كان يستعد لها عام 2003، ولم ينفذ الزعيمان أي من وعودهما، ندرك جيداً أن قضية فلسطين لم تعد الأولوية لدى الرئيس باراك أوباما أو دول حلف الناتو أو الأعضاء العرب في التحالف المقبل ضد "الدولة الاسلامية"، ولكن هل تتعهد دول هذا التحالف، وتضمن أمريكا زعيمة العالم الحر تعهداتها هذه، من حيث نشر قيم الديمقراطية وتطبيق العدالة الاجتماعية والمساواة والقضاء العادل المستقل في مرحلة ما بعد القضاء على "الدول الاسلامية" وهزيمتها؟ نطرح هذه الأسئلة مبكراً لتكون وثيقة سنعود إليها حتماً في المرحلة المقبلة بعد أن تبدأ عملية تجيش الجيوش، وانطلاق الطائرات الحربية لقصف أهدافها وقتل مئات الآلاف من المدنيين العراقين والسوريين، فيبدو أن قتل 200 ألف سوري حتى الآن، ومليون عراقي قبلها لا يشفي غليل البعض.
لا شك أن "الدولة الاسلامية" وممارساتها وتوسعها وتغولها في الدم يشكل خطراً كبيراً، لكننا لا نستبعد أن يأتي الدواء الذي تعمل أمريكا على تركيب عناصره حالياً بالتعاون مع دول إقليمية ودولية أكثر خطورة، بحيث لا يشفي المرض، ويخلق أعراض جانبية أقوى منه.