داعش بين القرآن والسنة.. بقلم: هنادة الحصري

داعش بين القرآن والسنة.. بقلم: هنادة الحصري

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠١٤

لا شك أنّنا نعيش اليوم عصر خلط الرؤى، فالتركيبة الفكرية بشكل عام باتت لا تملك القدرة على التفكير الواقعي، بل وتتعدى إلى اللاتلاؤم مع الفطرة البشرية للإنسان.. إنّ هذا الذي يحصل تحت ستار الدين جعلني أعجز عن توصيفه، فالدين لا تبلّغ تعاليمه تحت مفهوم تغييب العقل والوعي لأنّ هذا يخضعه لمفاهيم فضفاضة بعيدة عن الواقع، فالادعاء بتحقيق الإسلام الحقيقي في عصر ظهوره يعني ضرباً من التسطح الفكري والديني.
وإذا حاولنا الوقوف على مفهوم الدين نجد أنّه الإيمان بوجود قوى خارقة فوق طبيعة البشر العقلية، ولهذه القوى تأثير في مجرى حياة الإنسان، هذا التأثير هو الذي يملي على الإنسان أداء الفرائض والشعائر والطقوس لتطبيق كنه الأديان السماوية، فالإيمان قبل العمل، وحتى نقوم بعمل ما تفرضه علينا الأديان لابد وأن نكون مؤمنين كل الإيمان بوجود إله تنصرف إليه ذاتنا.. فالدين إذاً علاقة بين الإنسان والله، وهو فعل عبادة ناتج عن إيمان بعد قناعة، أو إيمان مطلق فيه تسليم بما هو خارج عن نطاق العقل البشري وإدراكه.. الآن ما هذا الذي يحصل على أرض الواقع حين تهب فئة تحاول أن تتستر بالدين تحت شعاره متبنية الفكر السلفي الجهادي التكفيري، وفي هذا لعمري تشويه مقصود للدين وإفراغه من مضامينه لإعادة ما يسمى "الخلافة الإسلامية" وتطبيق الشريعة قاصدين تشويه صورة النبي محمد (ص)، وفي ذلك تحقيق لمخطط غربي أميركي صهيوني تم التحضير له منذ أعوام ..
وعلى الرغم من أنّ النبي محمد (ص) قد حظي بمكانة عالية في العالم الغربي، فإن الخوف من هذه المكانة المميزة هو الذي دفع الغرب للتصدي لهذا العبقري المسمى محمد (ص). رأى الأديب الروسي تولستوي "بأنّ شريعة محمد (ص) ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة ومما لاريب فيه أنّ النبي محمد كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنّه هدى أمة بأكملها إلى نور الحق وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية". كما فتح لها طريق الرقي والمدنية، وهذا عمل عظيم لا يقوم به إلا من أوتي قوة ورجل جدير بالاحترام والإجلال. وينفي إدوار مونتيه الفرنسي الأصل ومدير جامعة جنيف الذي ترجم معاني القرآن إلى اللغة الفرنسية صحة ما تردد حول انتشار الإسلام في عهد الرسول وخلفائه بحد السيف ويقول :"إنّ هذه الفكرة كذبتها الوقائع".
في كتابه حياة محمد يرى المستشرق المعروف إميل ديرما أنّ محمد (ص) قد أبدى طوال حياته اعتدالاً لافتاً للنظر، فقد أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء، وحذّر من هدم البيوت والسلب وقطع الأشجار المثمرة، وأمر ألا يجرّدوا السيوف إلا في حالة الضرورة القاهرة، فأين هذه الصفات مما يجري تحت شعار الدين وإقامة الخلافة الإسلامية للسير على هدى النبي (ص). هي داعش .. صاحبة التنظيم الإرهابي وقد أثارت جدلاً طويلاً منذ ظهورها في سورية حول نشأتها، ممارساتها أهدافها وارتباطاتها، الأمر الذي جعلها محور حديث الصحف والإعلام وما بين تحاليل وتقارير ضاعت هوية هذا التنظيم المتطرف، فئة تنظر إليه كأحد فروع القاعدة في سورية، وفئة أخرى تراه تنظيماً مستقلاً يسعى لإقامة دولة إسلامية، وفئة ثالثة تراه صنيعة النظام السوري للفتك بالمعارضة وبين هذا وذاك وجدتني أبحث عن هوية داعش.. الدولة الإسلامية في العراق والشام. " استغل أبو بكر البغدادي الأزمة التي اندلعت في سورية والفوضى التي حصلت هناك ليعلن دخوله على خط المواجهات في سورية، وكباقي التنظيمات التكفيرية المسلحة والمرتبطة بالقاعدة، وجد البغدادي وتنظيمه مساحة خصبة على الأراضي السورية لممارسة إجرامهم وتكفيرهم، ومن الحدود السورية الواسعة مع العراق دخل تنظيم الدولة إلى الأراضي السورية، شرق سورية بالتحديد تحت شعار "نصرة أهل السنة في سورية" وانضم إلى تنظيم جبهة النصرة ويحمل كلٌّ من النصرة وداعش فكراً متشدداً تكفيرياً واحداً، يعملون بنهج السلفية الجهادية، إلا أنّ الفرق بين التنظيمين يكمن في قربهم من الواقع السوري واكتسبت خبرة ودراية بواقع المجتمع السوري الذي يعيش في كنف دولة علمانية، ولكن داعش والتي هي حديثة الدخول على الأزمة السورية لم تنتهج مساراً لتكون مقبولة، بل فرضت بالقوة نفوذها.. وكانت علاقتها بالجيش الحر علاقة متوترة دموية مع تكفيرها لأفراده.
السؤال الآن هل إدراك الفرد السوري حقيقة هذا التنظيم يسير بمنطق شرعي، وكيف تتم إدارته تحت أي فكر، وكيف يعيش المواطن السوري بظل هذا التنظيم، وما طبيعة القوانين التي يحكم بموجبها، وكيف يتم التعامل مع الأقليات وأصحاب التوجهات المختلفة عنه؟!.. إعدامات ميدانية علاقات مع استخبارات عربية وأجنبية، أطفال يجندون بظل منظومة دينية مشوهة.
وعلى الرغم من أنّ الواقع العربي ممثلاً بحكامه يقف متفرجاً مندداً فإن الشعوب العربية تقف صامتة مذهولة، ولكنني أظن بأنّه صمت يخفي تحته البركان.