الشعر القديم والنقد الجديد (3).. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

الشعر القديم والنقد الجديد (3).. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠١٤

لم ينكر الدكتور وهب رومية وجود رواسب أسطورية في الشعر الجاهلي، ولكنه أنكر أن تنحصر وظيفة الشاعر في صياغة أسطورة ما. ومن ملاحظات د.رومية على أولئك الدارسين هي أنّ بعضهم لا يحسن قراءة الشعر، فكيف يتصدى باحث ما إلى تفسير نص ما إذا لم يقوَ على قراءته قراءة مستقيمة؟. هذا بالإضافة إلى أنّهم يكررون ما قاله آخرون منهم.
ثم رأى رومية أنّ النقد ليس لعباً ولا عبثاً، وإنما هو نسقٌ من أنساق المعرفة، وأنّ النقد بناءٌ من أبنية الثقافة ولهذا يتوجب أن يحمل رؤيا، على أن تكون مركبة على رؤيا سابقة هي رؤية الشعراء. ولكن ينبغي أن تتسم بالدقة والوضوح، وأن تسري فيها روح الفن. ثم أشار إلى ضرورة التزام النقد بالثقافة القومية، وعلى الناقد أن يشتغل لصالح الأمة لا لحرفة النقد. فالنقد شأنه شأن أي نشاط معرفي آخر ينبغي أن يوظف.
 وإذا ما تلمسنا موضوع (وحدة القصيدة) عنده وأشرنا إلى أنّ المناهج المدرسية كافة، من التعليم الأساسي حتى التعليم الجامعي، قالت بوحدة البيت لا بوحدة القصيدة. اللهم إلا في دراسات جدّ محدودة صدرت في دمشق والقاهرة، والسبب الباطن منه والظاهر هو أننا لا نقرأ بجدية ولا نقرأ بما فيه الكفاية ولا نواكب الجهود العلمية التي قدمها أصحابها في هذا الباب.
رومية كان من القارئين ومن المتابعين الجادين ومن الساعين إلى تعميق مثل هذه المتابعة، ولعله من الذين يعرفون أنّ بعض النقاد الغربيين توصلوا إلى وحدة القصيدة الجاهلية وقد كان منهم أستاذ كرسي العربية في جامعة أكسفورد وفقاً لما أفادنا به د.عبد النبي اصطيف "فليس في العالم الآن من ينكر على القصيدة العربية وحدتها". ثم رأى أنّ وهب رومية جعل كتابه يخبرنا كيف نتعلم قراءة أدبنا. وقال: لو أنّ القرار بيدي لأدخلت هذا الكتاب مقرراً في جميع أقسام الأدب في الجامعات العربية بعنوان "كيف نقرأ القصيدة ".
وقال: الشعر العربي الآن يُدرّس في كل أنحاء العالم ولاسيما الشعر الجاهلي بوصفه تراثاً إنسانياً لا تستطيع الإنسانية أن تتخلى عنه. لكن نحن حتى الآن نكاد نخجل من انتمائنا للعروبة لأسباب لا أدري ما هي.
أما د. سعد الدين كليب فقد وصف كتاب د.رومية بأنّه من الكتب المهمة جداً التي راحت تدرس شعرنا العربي القديم. وهو على الرغم من كونه كتاباً في الشعر القديم، وعلى الرغم من كونه كتاباً لا يروق له النقد الجديد، فهو في حقيقة الأمر كتاب يشكل دعوة ثقافية ملحة لوعي الذات في القديم والحديث أيضاً. بمعنى إننا لا نستطيع التعامل مع هذا الكتاب على أنّه كتاب في النقد الأدبي الأكاديمي فقط، بل هو - إضافة إلى أكاديميته - كتاب ثقافي معرفي اجتماعي، ثم إنّ وهب رومية أراده أن يكون كذلك. فالمنهج الذي سار عليه في كتابه هو المنهج الاجتماعي المتطور، بل إنّه ليصفه بأنّه " يقع على ضفاف الواقعية المتطورة " وهذا يذكرنا بروجيه غارودي صاحب "واقعية بلا ضفاف ". على الرغم من ذلك لا يستطاع القول إلا أن نقول إنّ هذا الكتاب يقع في صلب المنهج الواقعي، إلا إذا أخذنا هذا المنهج عبر تحولاته العديدة وصولاً إلى البنيوية التكوينية، فالدكتور رومية يفكر تفكيراً جمالياً في الشعر، فقد حاول أن يعي الشعر العربي وحاول أن يناقش المنهج الأسطوري من منظور الوعي الجمالي لا من منظور علم الجمال. حاول أن يلتقط مقولات جمالية، ويحاكم من خلالها الشعر والنقد معاً. من هذا الباب رُئي الشعر لديه بأنه تعبير جمالي عن العالم، ورُئي النقد لديه بأنّه إنتاج معرفة فنية وجمالية وفكرية بالنص وبالعالم أيضاً. وهذا يشير إلى أنّه تقع على الناقد مهام كثيرة، منها وعي النص، ومنها وعي الذات الفردية التي أنتجت النص، والذات الاجتماعية التي أنتجت النص أيضاً ثم الذات التي تتلقى النص في كل حين.
(يتبع...)