«مؤامرة عرسال» إلى متى ؟

«مؤامرة عرسال» إلى متى ؟

تحليل وآراء

السبت، ٣٠ أغسطس ٢٠١٤

 قد يستسيغ البعض وصف أحداث عرسال بالـ"مؤامرة"، بينما يرفضها البعض الآخر إعتراضاً على التوصيف، خشية الغوص فيما يسمى "نظرية المؤامرة" التي باتت مرضاً معدياً في هذه الأيام، ومسبباً للـ"نقزة". لكن حقيقة الأمور تشير فعلياً إلى أن ما جرى ويجري في عرسال ما زال يحمل أهم وأساس ما تقوم عليه أي "مؤامرة" وهو السرية والغموض، السائدين اليوم في الملف العرسالي، بين ما يحصل وبين طريقة التعاطي معه إضافة الى الأهداف المبيتة له. لذا فإنها "مؤامرة" وكل ما ندركه ونكشفه إنما هو "مخطط"، وحتى الآن لم ندرك أو نكشف، أي لغز من ألغاز "غزوة عرسال".
كيف بدأت ؟ يقول البعض أنها أتت كردة فعل على عمليات توقيف قام بها الجيش لقيادات في التنظيمات التي ينتمي اليها مسلحو عرسال. فيما تقول المعلومات الأمنية المبنية على ما يسرب من التحقيقات الجارية مع الموقوفين، أن الأمر محضر له بعناية ودقة وهي خطة لإحتلال كامل عرسال و الإنطلاق منها نحو الداخل اللبناني. حتى الآن لا رواية حقيقية ومقنعة لما جرى وما يتكشف فأين الحقيقة وما سبب التناقض والإختلاف في الروايات (الرسمية)؟
بعيداً عن إنطلاقها، ماذا عن مجرياتها ؟ تقول الأوساط الأمنية أن معلومات عديدة وصلت الى أكثر من جهاز أمني قبل وقوع المعركة وتوقيف جمعة، تفيد عن تحضيرات يقوم بها المسلحون من أجل الهجوم على البلدة وعلى أكثر من بلدة بقاعية في محيطها، فما السبب الذي منع أخذ الإحتياطات اللازمة حول مراكز الجيش للحؤول دون محاصرتها وتفادي سقوطها السريع وأسر عناصرها ؟ ما الذي منع تفعيل الدور الإستخباراتي في البلدة من أجل كشف "مسلحي المخيمات" ومن ساعدهم من داخل عرسال، ما سمح لهم فجأة بالإنتشار في البلدة والسيطرة عليها؟
بعد إندلاع المعركة إستعاد الجيش اللبناني زمام الأمور، وعاد ليدحر المسلحين نحو الجرود، كما أنه إستعاد معظم مراكزه. وفي آخر يوم من المعركة كان واضحاً حجم الخسائر التي مني بها المسلحون، و"الضعضعة" التي أصابتهم مع إستقدام الجيش تعزيزاته، فما الذي حصل حتى توقفت المعركة ؟ كيف تتوقف معركة مع الإرهاب والمتطرفين، في وقت يمسك فيه الجيش بزمام المبادرة ويوقع الخسائر في صفوفهم ويحاصرهم داخل البلدة وهم الخطر الدائم على الجيش والوطن ؟
كيف تتوقف معركة مع تنظيمات إرهابية في وقت تأسر فيه هذه التنظيمات أكثر من 22 جندياً لبنانياً ؟ على أي أساس توقفت والجنود ما زالوا في قبضة إرهاب لا يرحم أخيه في "الجهاد" فماذا عن جنود في جيش يعتبرونه "صليبياً"؟ كيف تعطى تلك التنظيمات الوسيلة الأمثل لإبتزاز الدولة اللبنانية وجيشها ؟ من سمح لهيئة العلماء المسلمين بالتدخل؟ وهي المعروفة بموقف أطرافها من الجيش اللبناني، ومعلومٌ أنها تنافس التنظيمات الإرهابية على المطالبة بإطلاق سراح السجناء الإسلاميين، من قال أنها طرف محايد لتكون "مرسال" عرسال ؟!
ما الذي دفع سعد الحريري الى العودة في وقت لم تنتفِ فيه أسباب غيابه بل زادت الأوضاع خطورة ؟ ألم تتوفر أي وسيلة أخرى لإحضار المليار دولار؟ إن لم تكن لهذه الخطوة مآرب سياسية فما سبب إختيار زعيم تيار المستقبل لنقل المليار ؟ وإن كانت سياسية أليست إستغلالاً واضحاً لمعركة سقطت فيها دماء لأبرياء ولشرفاء، أليست رشوة واضحة للدولة ؟ ولماذا المليار دولار أصلاً فيما "المكرمة الملكية" ما تزال معلقة بين فرنسا والسعودية ؟ لأي شيء هو المليار دولار فيما 3 مليارات موجودة لدعم الجيش وتسليحه؟ أين ال3 مليارات ؟ أين المليار ؟ أين سعد الحريري ؟
ماذا عن عرسال بعد المعركة ؟ لم تخلو من المسلحين، وحدها الأسلحة إختفت وما زال المقاتلون يتجولون بملابسهم العسكرية في البلدة، بل إن عمليات مداهمة تمت لمواطنين من البلدة وتم إختطاف عدد منهم، على أي أساس عاد الجيش و دخل البلدة ؟ وهل دخلها فعلاً ؟ كيف عاد الى مراكزه بين البلدة والحدود السورية فيما المسلحون ما زالوا داخل البلدة وفي الجرود، أي أنهم يحاصرون الجيش ؟ أي نوع من الضمانات تلقاها الجيش بأن لا يتكرر ما حصل (وقد بدأ يتكرر يومياً)، من هو صاحب "المونة" على المسلحين الذي قدم ضمانات أوقفت المعركة ؟
ماذا عن المفاوضات ؟ مضى أسبوع على إنتهاء المعركة حتى أنهى الجيش إحصاء خسائره وعدد أسراه وجرحاه، ما السبب ؟ وما مدى صحة الأحاديث حول إنشقاقات فعلية (بعيداً عن مدى صحة الفيديوهات وظروف تصويرها)، حصلت وما كل العسكريين بأسرى ؟ وهل من المعيب لو صح ذلك أن يعلن عنها ؟!
بالأمس ظهرت صور ومقاطع تظهر عملية ذبح أحد جنود الجيش الأسرى، لم يصدر تعليق رسمي بل وطلب عدم تداول الصور والمقاطع تحت طائلة الملاحقة القانونية، هل كانت الدولة اللبنانية قد تلقت ضمانات حول عدم حدوث هكذا أمر (فيما لو صح ما نشر) ؟ إن كان كذلك فأين تلك الضمانات؟ وإن لم يكن ذلك صحيحاً على أي أساس قامت التهدئة ؟ هناك من يقول أن عملية الذبح وما سبقها من إشتباكات هو رسالة للمفاوضين من قطريين وأتراك ولبنانيين، بأن الأمور ليست تحت سيطرتهم وتدخلهم لا يعني إلغاء التهديدات، هل هي رسالة ؟ وهل باتت دولتنا تفاوض إرهابيين ؟
ماذا عن التهدئة ؟ معارك ليلية ومناوشات متفرقة يومية تشهدها عرسال، لم تتوقف العمليات العسكرية فعلياً، لا المسلحين أوقفوا تسللهم، ولا الجيش أوقف إستهدافاته المدفعية والصاروخية، فعلياً لم تهدأ المعركة بحسب ما تنقله مصادر عرسالية، وما جرى بالأمس هو الأعنف الا أنه ليس الوحيد، فهل توقفت المعركة فعلاً؟ وإن لم تتوقف لماذا يتأخر الحسم ؟ هل تم الإحتيال على الجيش؟ ماذا عن المساعدات والأمريكية آخرها ؟ أليست إهانة للجيش وعناصره؟ ما هي الخطوات المتخذة لحل أزمة عرسال نهائياً، وماذا عن معلومات تشير الى أن أطرافاً دولية لا تريد للورقة العرسالية أن تحترق في يدها الآن ؟