من دمشق .. "هرمجدون" الخلاص ضد الإرهاب ..غزة فرحة .. روسيا واثقة .. والعالم سينحني عند أعتاب الشام

من دمشق .. "هرمجدون" الخلاص ضد الإرهاب ..غزة فرحة .. روسيا واثقة .. والعالم سينحني عند أعتاب الشام

تحليل وآراء

السبت، ٣٠ أغسطس ٢٠١٤

علي مخلوف
دمشق محور القصة، منها تبدأ الـ "هرمجدون" ضد الإرهاب الداعشي ودونها لا يمكن لرمح الخلاص أن يخترق صدر تنين التطرف، سورية تعلن فتح باب التعاون مع الجميع لقتال "داعش" الروس يؤيدونها ويطلبون من واشنطن احترام دمشق والتعاون مع حكومتها الشرعية، إرهابيو داعش والنصرة على أبواب حماة في محردة والسلمية وتهديد واضح للأقليات، السعوديون والإيرانيون في وفاق على غير العادة، مصر من بوابة غزة فرحة بعودتها الإقليمية، فالرصاص قد سكت في القطاع المنتصر، ومحاولات لإحداث حراك شعبي في السعودية، تطورات سياسية مثيرة شهدتها الأيام القليلة الماضية، تسارع لوتيرة الحراك السياسي والدبلوماسي ومنطقة الشرق الأوسط تتربع على أولى أولويات الجميع.
أخبار الميدان
لطالما تذكرنا صورة الجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب والإجرام، بصورة مار جرجس الراكب على فرسه والطاعن برمحه لتنين الشر، إنجازات وتضحيات، فرح وحزن هكذا يعيش مقاتلو الجيش العربي السوري يومياً، ليس للانتصار معنى فقط بإنجاز عسكري، قد يكون بثبات جندي أمام عشرات المرتزقة قبل استشهاده، فالنصر له فلسفة عند أبطالنا.
الجزيرة السورية تتحول إلى ألهب المناطق في سورية، الرقة ودير الزور  تتحولان إلى حقل رماية للطيران السوري على تجمعات داعش، غارات بالجملة هناك، فيما داعش تحاول إعادة تنظيم صفوفها بعد تلقيها لتلك الضربات الجوية، في الريف الدمشقي تستمر العمليات، الرصاص لم يسكت في جوبر, وفي حرستا كر وفر ونكث بالعهود وحديث عن مصالحة، في دوما ينتظر المسلحون ومن فيها من بيئة حاضنة قدوم يوم الحسم كانتظار مريض بالعضال لمصيره المحتوم.
الحراك السياسي العالمي والإقليمي بهدف مكافحة الإرهاب، سيعطي الجيش العربي السوري دفعةً كبيرة وسيشكل مناخاً مناسباً لشن عمليات كبيرة تستهدف بلدات وقرى بعينها من أجل تطهيرها، أحاديث يتم تناقلها عن مصدر عسكري باقتراب الإعلان عن انتصارات كبرى، فيما تستمر نيران الجيش المقدسة باستهداف مجموعات الإرهاب في كل من زبدين وعين ترما ودوما.
الخوف من مجازر في حماة
النصرة تعلن الجهاد ضد أهالي محردة في ريف حماة وداعش تتهيأ للتوجه نحو السَلمية القريبة من الرقة، تهديد واضح لأطياف سورية بأكملها تذكرنا بالشعارات المذهبية التي رددها بالأمس "طالبو الحرية السلميين" والذين شكلوا فيما بعد نواة ميليشيا "الحر" و" الجبهة الإسلامية وأحرار الشام وجيش الإسلام والنصرة" فلان عالتابوت وآخر لبيروت شعار تطور ليصبح حز الرقاب واكتساب الغنائم والجواري من كل مختلف، تطهير كامل لمناطق ذات طبيعة ديموغرافية وسعي واضح لتحويل سورية إلى أفغانستان ثانيةً وفي أحسن أحوالها نسخة طبق الأصل عن مملكة الرمال في الحجاز.
في حلفايا يستنفر إرهابيو النصرة لشن هجوم على محردة المسالمة، والسبب أيديولوجي طائفي بحت وفي السلمية تتجه الأنظار صوب الرقة مترقبةً ظهور طلائع مقاتلي داعش عليها، التجهيزات التي يقوم بها الجيش العربي السوري باتت مكتملة والحصاد ينتظر مقاتلي الشيطان، مخاوف من حدوث مجازر إبادة طائفية ومذهبية في كل من السلمية ومحردة، وتأكيدات بأنّ كل منطقة تحتوي ديموغرافيةً ما ستكون هدفاً لكل مسلحي العقيدة الوهابية بكل مسمياتها بدءاً من "ميليشيا الحر مروراً بالجبهة الإسلامية وأحرار الشام وجيش الإسلام وصولاً إلى النصرة وداعش" كلها مسميات عدة لعقيدة واحدة لها أهداف مشتركة.
تغيرات سياسية هامة
من السذاجة القول بأنّ الحراك السياسي في المنطقة مازال سلبياً أو سوداوياً، فاليوم ليس كأمس، وكابوس الإرهاب الذي بات واقعاً يهدد الجميع تحول إلى سبب قوي كي يغير الكثيرون من سياساتهم ومواقفهم ويعيدوا ترتيب أولوياتهم، إسقاط النظام في سورية بات نسياً منسياً، وحل العديد من الملفات العالقة في الكثير من البلدان بات أيضاً هو الأهم.
في مراقبة سير الحركة الدبلوماسية والمتغيرات السياسية، كان لافتاً ما هو متعلق بالإرهاب والتنسيق بين الغرب ودمشق من أجل هذه الغاية، منذ فترة قامت صحيفة الاندبندنت البريطانية بتسريب خبر حول قيام واشنطن بإرسال معلومات أمنية هامة إلى دمشق عن توزع مقاتلي داعش ومقراتها عبر المخابرات الألمانية كوسيط بين الأميركيين والسوريين في هذا الشأن، ثم تم الحديث عن إمكانية مشاركة أميركا في عمليات جوية ضد داعش في سورية أيضاً وليس في العراق فقط، بعدها عُقد اجتماع للدول الخليجية بمشاركة مصر والأردن في جدة تحت عنوان عريض ألا وهو مكافحة الإرهاب وما يجري في سورية، ثم كان لقاء وكيل وزارة الخارجية الإيرانية أمير عبد اللهيان مع وزير الخارجية السعودي والذي بحسب الإيرانيين كان بناءً وإيجابياً، وبعد ذلك كان لافتاً عقد مؤتمرين صحفيين في ذات اليوم أحدهما لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والآخر لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، وفي كل المؤتمرين تم التأكيد على ضرورة احترام سيادة الدول والتعاون مع الحكومات الشرعية في محاربة ذلك الإرهاب.
بالتالي المناخ الدولي بات جاهزاً والرأي العام العالمي بات مهيئاً لقيام الغرب والدول الإقليمية التعاون مع سورية من أجل محاربة ما تُسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام.
الرصاص يسكت في غزة
وأخيراً سكت الرصاص في غزة، هدنة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي بجهد مصري تكلل بالنجاح، أميركا مسرورة، وإسرائيل مضطرة، أما مصر فتعيش نشوة الحكمة واستعادة الرمق لدورها الإقليمي الغائب، فيما الفلسطينيون واثقون ومحتفلون.
كثر الحديث عن الهدنة بعضهم رآها نصراً لصمود كبير أظهره أهل قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية، وبعضهم الآخر رآه نصراً لمصر السيسي التي أشرفت على المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى وصلت لما تريد من الهدنة، أما من تبقى فيناقش أساساً لمن يعود الفضل في تلك الهدنة لمصر أم لقطر وأميركا أم فقط لسواعد المقاومين وصمودهم؟!
محمود عباس شكر كلاً من المصريين والقطريين والأميركيين، فيما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن أمله في أن يكون وقف إطلاق النار في غزة مقدمة لعملية تسوية سياسية.
المهم أنّ الرصاص قد توقف، وستدخل المساعدات الإنسانية والطبية لأهال القطاع المنتصرين، فيما انعكاسات ما جرى ستكون قاسية على حكومة نتنياهو جراء استياء الداخل الإسرائيلي من سياسته، أما مصر فقد أُريد لها العودة إلى دور إقليمي من خلال البوابة الغزاوية، هذه ببساطة نتائج ما حدث فيما مضى من العدوان.
الإيراني والسعودي يتفقان
قال حسين أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني إنّ المحادثات التي أجراها في الرياض مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل كانت "إيجابية وبناءة"، حيث تناول الجانبان العلاقات الثنائية والعدوان على غزة ومكافحة الإرهاب في المنطقة، لكن اللافت هو عدم قيام أي طرف بالكشف عما جرى في تلك المحادثات بالتحديد، ماذا عن الملف السوري؟ هل سيغير النظام السعودي سياسته تجاه دمشق؟ هل ستتعاون الرياض مع سورية كحليف للإيراني على محاربة الإرهاب؟ وهل طلب السعوديون من الإيرانيين أن يشكلوا قناة اتصال مع السوريين؟
ماذا عن شخصنة السعوديين للخصومة والحرب مع سورية، هل ستتراجع الرياض عن تلك الشخصنة شيئاً فشيئاً؟ ما موقف الرياض من حزب الله وقتاله في سورية؟ وهل طلبت طهران من الرياض وقف أي دعم للمسلحين الوهابيين المتطرفين في سورية مقابل انسحاب تدريجي لمقاتلي حزب الله من هناك؟ هل من الممكن أن ترى السعودية في حزب الله وسيلةً لقتال المتطرفين الذين تورطت بدعمهم وإرسالهم إلى سورية ثم وجدت نفسها تحت مرمى تهديداتهم لها؟ كل ذلك يبقى ضمن أسرار الأروقة الدبلوماسية، لكن الأكيد أنّ لقاءات مثل تلك يجب أن تعود بفائدة ما على إيران وحلفائها، ولا ضير من أن يكون هناك صلة وصل بين السوريين وحزب الله وبين الرياض، لعّل ذلك يأتي بمنفعة تُترجم جهداً في مكافحة الإرهاب.
السعودية هدف مقبل للربيع الحارق
لم يعد هناك أي حديث عن "ربيع" بعد الآن، أحداث العراق وما يجري في سورية ومؤخراً في ليبيا جعلت فكرة ذلك "الربيع" مزحة مقيتة لا تنطلي على أحد بعد الآن، الإرهاب في كل مكان والقتل والإبادة لكل الهويات الثقافية والدينية بات السائد على المشهد.
في خضم غياب الحديث عن ذلك "الربيع" فجّر نائب رئيس شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان تميم مفاجأة حول قيام النائب السابق بالكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة بالالتقاء مع شباب سعوديين في قطر ووجههم لإحداث «ثورة» بالسعودية التي حذر من مخططات لتقسيمها في المستقبل، وأكد خلفان أنّه إذا تم التهاون بما فعله بشارة فلا معنى للأمن القومي الخليجي.
هذه المفاجأة قد تُربط بالمشكلات الحاصلة بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين قطر، فهل لاتزال الأخيرة تحلم بقلب أنظمة مجاورة لها؟ وهل يعني الحديث عن "ثورة" سعودية بداية التمهيد وإعطاء الشرعية لنظام آل سعود من أجل ارتكاب مجازر بحق أبناء القطيف والعوامية على سبيل المثال؟ الأكيد أنّ مواطنين سعوديين من تلك المناطق لا يمكن أن يكونوا في قطر بتلك الأريحية إذ إنّ انتماءهم العقائدي يضع الكثير من القيود عليهم في الدول الخليجية المشهورة بقمع الحريات، بالتالي من الممكن أن يكون هؤلاء السعوديون من عشائر لها ثأر مع النظام في الرياض، هل سيترتب على ما كشفه خلفان أي ردود فعل سعودية تجاه قطر؟ هل ستتم المطالبة ببشارة للتحقيق معه من أجل التأكد من صحة تلك المعلومات؟ بلاد الحجاز اليوم بين نارين، الخوف من إرهاب داعش وزحفها للجزيرة العربية، وبين حراك شعبي يطيح بأنظمة بعينها.

المجهر السياسي
تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بملاحقة مقاتلي تنظيم "داعش" معتبراً أنّ القضاء على "الجماعة المتشددة" في العراق وسورية لن يكون سهلاً، وأضاف أنّه سيفعل كل ما هو ضروري لملاحقة من يؤذي الأميركيين في إشارة منه لمقتل الصحفي الأميركي، مشدداً بالقول إنّ "استئصال سرطان مثل داعش... لن يكون سهلاً ولن يكون سريعاً.
حديث أوباما هذا يذكرنا بحديث جورج بوش الابن أيام كان يتحدث عن محاربته للإرهاب وحمايته للأميركيين، ذات اللكنة بين الرئيسين والرابط المشترك واحد ألا وهو الإرهاب، لكن أكثر ما لفت في حديث أوباما هو تطرقه لمحاربة الإرهاب ليس في العراق فقط بل في سورية عندما أتى على ذكرها، فهل يعني ذلك أنّ طائرات أوباما ستقصف داعش في سورية؟ وكيف سيتم ذلك بتعاون مع الحكومة السورية أم بتجاهلها؟ والأهم من ذلك إشارة أوباما إلى أنّ استئصال داعش لن يكون سريعاً، فهل عنى بذلك أنّ الوجود الأميركي العسكري سيكون لسنوات طويلة في المنطقة بحجة داعش كما دخلت واشنطن إلى بغداد بحجة كيماوي صدام ثم القاعدة؟
...
أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ موسكو تؤيد من حيث المبدأ فكرة أنّ محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" المتشدد يجب أن تشمل العراق وسورية على حد سواء، مشيراً إلى ضرورة أن تتم مكافحة الإرهاب على أساس القانون الدولي، مع احترام سيادة الدول المعنية وبالتنسيق مع الحكومات الشرعية.
يؤكد لافروف بكلامه أنّ الحكومة السورية هي حكومة شرعية، ويذهب إلى ما ذهبت إليه دمشق من أنّ مكافحة الإرهاب يجب أن تكون على أساس احترام سيادة الدول، الأمر الذي قد يُفهم منه تأكيد موسكو على ضرورة تعاون واشنطن مع الحكومة السورية وعدم تورطها بتنفيذ ضربات جوية على داعش في سورية تنتهك السيادة السورية، الروس لن يسمحوا لواشنطن بالاستفراد في سورية وسيعملون على جعل الأمر منوطاً بالاتصال مع الحكومة في دمشق، هذا الحدث سيكون بمثابة اعتراف دولي جديد بشرعية الحكومة السورية والحاجة الماسة لها في مكافحة الإرهاب.