بركان سورية يفجر الحرب الدبلوماسية بين طهران وواشنطن

بركان سورية يفجر الحرب الدبلوماسية بين طهران وواشنطن

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٩ أغسطس ٢٠١٤

حسنة واحدة يمكن تسجيلها للتنظيم الإرهابي"داعش"، هو أنه جمع الخصوم تحت مبدأ وهدف محاربته، إذ إستطاع التنظيم أن يرمي بثقله على طاولة الدول الكبرى وخاصة أمريكا، ليصبح جزءاً من تسوية وتفاهمات لمواجهة ما صنعته يداها من وحش يمكن أن ينقض عليها في أي لحظة. واليوم تضافرت عناصر الدبلوماسية الأمريكية والإيرانية لتعزز الإتجاه إلى بلورة تحالف دولي ضد "داعش"، في الوقت الذي أطلق فيه السوريون رسالة دبلوماسية قوية من خلال إعلان موقف مؤيد وواضح لقرار مجلس الأمن الدولي الذي يستهدف تجفيف تمويل "جبهة النصرة" و"داعش" ويحث جيران سوريا على إغلاق معابر "الجهاد العالمي" في أراضيهم، ومن البديهي أن يفضل السوريون أن تقوم حليفتهم إيران بدور فعال في أي تحالف ضد الإرهاب وأن تؤدي دوراً موازناً للدور الأمريكي لكي لا تتحول الحرب ضد "داعش" إلى مناسبة لإبتزاز دمشق سياسياً في قضايا تتعلق بالتسوية أو مقايضة دورها وغاراتها بثمن سياسي في تركيبة النظام السوري على غرار ما جرى في بغداد. بالمقابل إن خطر "داعش" في العراق أجبر الأمريكي، على الإندفاع لحماية كردستان، التي يرى فيها ما يراه من مصالح، نفطية، إستراتيجية، وسياسية، كما يعتبرها قاعدة التجسس الأكبر أمريكياً في المنطقة، وفي الإتجاه الآخر كان هناك إندفاعاً إيرانياً عسكرياً الذي عُبّر عنه من خلال التمويل العسكري للفصائل المجاهدة لقتال "داعش" في العراق والتي كانت ورقة إيرانية رابحة ضمن طاولة توزيع القوة والمكاسب بين الدول المقاتلة لـ "داعش"، أما سياسياً يمكن أن نتلمسه من خلال صفقة الإطاحة بالمالكي سلمياً، وإيجاد بديل من نفس الفكر السياسي لجمع القوى السياسية حوله والإندفاع لمواجهة التنظيم من خلفية سياسية آمنة، كل هذه التسويات هي نتاج أمريكي – إيراني ليس مقتصراً على العراق فقط، بل ينسحب على المنطقة بأكملها، وخاصة فيما يتعلق بالملف السوري الشائك وذلك عبر تفويض الجيش السوري توسيع معاركه ضد "داعش" هذا ما تجلى عبر التعزيزات العسكرية لضربه في المنطقة الشرقية، من خلال عمليات القصف الجوي الكثيفة التي وجهها الجيش السوري ضد التنظيم، تزامناً مع الضربات الأمريكية لقواعد داعش في العراق، مما يدل هذا على نية شاملة كل من أمريكا وإيران لقتال هذا التنظيم وسط حلف غير معلن بينهما مبني على مصالح إستراتيجية وتفاهمات سياسية لحماية المكتسبات وإبعاد الخطر المشترك. ودون التقليل من أهمية الآلة العسكرية الأميركية، لا يحصر قرار مجلس الأمن رقم 2170 وظيفة إنشاء تحالف دولي ضد الإرهاب و"داعش" و"النصرة" في سوريا، بالولايات المتحدة وحدها، وعلى العكس من ذلك فإنه يتيح خيارات متفاوتة أمام السوريين، وهامشاً واسعاً للمناورة سياسياً وعسكرياً، كما يشكل هذا القرار إنتصارا سياسيا لسوريا والعراق وإيران وروسيا، ودون إنتظار ما سيقرره الأميركيون في النهاية، يفتح القرار الدولي هامشاً واسعاً أمام حلفاء دمشق من الإيرانيين والروس، لبناء تحالف واضح لمكافحة "داعش"، وتكمن أهميته بأنه يقع تحت سقف الشرعية الدولية ودعم منها، لمنع تمدد "الدولة الإسلامية"، ويشكل ذلك نقلة نوعية كبيرة في موقع إيران في الحرب السورية، وفي تصنيف دورها، وبالتالي فإن دخول الإيرانيين، لتوجيه ضربات لـ"داعش" و"النصرة" في سوريا، سيضعف من إحتمالات إجراء مقايضات سياسية، شبيهة بالتي شهدها العراق، أو ترجيح صفقة تدعو إلى حرب تقتل «داعش» وتزيح الرئيس بشار الأسد في آن واحد. وفي سياق متصل إن موضوع العلاقات الإيرانية الأمريكية الجديد حول الملف السوري هو تصعيد التفاهم إلى حد يقترب من أن يصبح تحالفاً وإن كان في قضية محددة، هي وقف تقدم داعش في العراق وسورية، لكن، إلى أي مدى الطرفان مستعدان للذهاب، وإلى أي عمق مستعدان للغوص، لم يكن غريباً على ما هي عليه أن نقرأ عن دور " يتعين " أن تقوم به إيران قريبا لتسوية "المسألة السورية" بعد أن ساهمت في جهود تسوية "المسألة العراقية"، وعن دور أساسي في فك الجمود في الساحة اللبنانية، وتحريك مختلف الأطراف اللبنانية نحو مصلحة مشتركة، مرة أخرى يستعد أهل الخارج لتسوية "مسائل عربية " في غياب العرب، فكان أن اجتمع عدد من وزراء الخارجية العرب قبل أيام، هذا ما يشير إلى أن " تسوية عربية" للمسألة السورية صارت جاهزة وعلى وشك أن تعلن قريباً. وأختم مقالتي بالقول إن ما يجري حالياً في كلاً من سورية والعراق هو إنعكاس لتفاهمات ذات بعد إستراتيجي – إقليمي ستنعكس على المنطقة في الحرب ضد تنظيم "داعش"، وهي تعتبر تفويضاً دولياً لجيوش المنطقة لمقاتلة التنظيم تحت دعم أمريكي مباشر، وعبر مجلس الأمن الذي مهد لهذا التدخل عبر إتخاذه قراراً تحت الفصل السابع ضد "داعش" و "النصرة"، أي إن المنطقة متجهة لحرب شاملة متعددة الأقطاب ضد هذا التنظيم، وفي إطار ذلك يمكنني القول أن التفاعلات السياسية الراهنة تبدو وكأنها تدفع باتجاه فك عزلة نظام الأسد إقليمياً، وكما يبدو أن سورية ستظل ساحة حرب ليس فقط لمكافحة الإرهاب، بل وتصفية حسابات دولية وإقليمية وداخلية في المنطقة.