الحلم الصهيوني بشريطٍ حدودي في الجولان

الحلم الصهيوني بشريطٍ حدودي في الجولان

تحليل وآراء

الخميس، ٢٨ أغسطس ٢٠١٤

 قيادة الكيان الصهيوني أكثر من يدرك نهاية المعركة في سورية، لذلك تعمل هذه القيادة منذ أكثر من سنتين على ترتيب شريط حدودي فاصل على غرار ما فعلته في جنوب لبنان، ولم يعد سرّاً الدعم الناري واللوجستي الذي يقدّمه الجيش الصهيوني للجماعات المسلّحة في منطقتي درعا والقنيطرة في مجالات الدعم الناري المباشر أو التدريب أو تزويد الجماعات المسلّحة بالمعلومات الضرورية عن تواجد وتحركات وحدات الجيش السوري، أو من خلال تقديم خدمات العلاج لجرحى هذه الجماعات.
عين هذه الجماعات المسلّحة كانت على معبر القنيطرة، وهو المعبر الوحيد بين الأراضي السورية المحتلة، حيث هاجمت حامية المعبر وقامت باحتلاله بعد تمهيدٍ ناري صهيوني استهدف أكثر من موقع للجيش السوري في المنطقة المحيطة بالمعبر.
وفي معلوماتٍ أنّ الهجوم بدأ بعد استهداف موقعي تل جبا وتل الكروم من مرابض المدفعية الصهيونية الواقعين شرقي القنيطرة، بهدف خلق حالة إرباكٍ ومنع القوات المتواجدة في الموقعين من التحرك لتقديم الدعم والمؤازرة للقوات المدافعة عن المعبر.
ومن المفيد أن نذكر أنّ الوحدات السورية المتواجدة في المناطق الحدودية تتواجد بفاعلية على بعد 2 الى 4 كلم من خط التماس مع القوات الصهيونية، ويقتصر الوجود المباشر على خط التماس على مفارز مراقبة واستطلاع، ما يعطي الجماعات المسلّحة قدرة التفوق عدداً على النقاط التي تهاجمها.
الهجوم حصل من إتجاهين: من بلدة القحطانية التي سيطرت عليها الجماعات المسلّحة منذ حوالي الشهر، ومن داخل الأرض السورية المحتلة بتسهيلاتٍ صهيونية مباشرة.
في سياق المعركة الجارية في سورية استطاع الجيش السوري أن يحقّق إنجازاتٍ هامّة على المستوى الإستراتيجي، ما سيمكّنه من حسم كل المعارك الدائرة على الأرض السورية لمصلحته، ومن هنا بدأت القيادة الصهيونية منذ سنتين العمل على تحقيق بعض الغايات التي تحفظ لها أمنها مع الحدود السورية، وتمثّل الأمر في العمل على تكوين حزامٍ أمني من الجماعات المسلّحة المدعومة منها مباشرةً لوصول القيادة الصهيونية الى قناعةٍ تشكّلت لديها بعد معركة يبرود أنّ إسقاط دمشق بات حلماً بعيداً، وأنّ سيطرة الجماعات المسلّحة على الدولة السورية صار مستحيلاً، وما كانت تعوّل عليه قيادة الكيان الصهيوني في توقيع إتفاقية سلامٍ مع المعارضة "المنتصرة" تبخّر وصار هباءً.
الكثير من التحليلات والتوقعات ذهبت بعيداً في توقع نتائج المعركة الدائرة في الجولان ودرعا، ومنذ أكثر من سنتين يتمّ ترويج مناخٍ للقول إنّ السيطرة على دمشق سيتم من الجبهة الجنوبية ومن خلالها سيتم وضع حدّ للنظام السياسي الحاكم وقلب الأمور رأساً على عقب.
لا شكّ أنّ السيطرة على معبر القنيطرة سيشكل عائقاً أمام تنقل السوريين بين الأرض السورية المحتلة وأرض الوطن، ولكن هذه السيطرة لن تشكّل نصراً استراتيجياً للجماعات المسلّحة كما يشيع البعض، فكل ما في الأمر أنّ الجماعات المسلّحة تعمل على ربط أراضي الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلّة من درعا الى القنيطرة، وإنشاء منطقة نفوذٍ سيستفيد منها الصهاينة في حال تحقّقها.
خلال سنتين من المعارك وفي ظروف صعبة ومعقدة، استطاع الجيش العربي السوري الحفاظ على أغلب مواقعه الإستراتيجية والهامة في منطقتي درعا والقنيطرة، ورغم كل الدعم اللوجستي الصهيوني والأردني والأميركي المتمثل بغرفة العمليات المشتركة والتسليح والتدريب ما زالت وحدات الجيش السوري تسيطر على 17 كلم من أصل 43 هو امتداد الخط من درعا الى القنيطرة، وهي المسافة الأكبر في التماس مع الجيش الصهيوني، فيما تقع المسافة الباقية على الحدود الأردنية السورية.
في نظرةٍ الى الخارطة المرفقة نرى أنّ المسافة الفاصلة بين القنيطرة ودمشق هي 60 كلم، فيما يفصل درعا عن العاصمة حوالي 70 كلم، بينما تبلغ المسافة بين السويداء ودمشق 90 كلم.
في هذه المساحات الكبيرة بين درعا والسويداء والقنيطرة تتمركز وحدات كبيرة من الجيش العربي السوري تمّ إعداد انتشارها للدفاع عن العاصمة في وجه تقدمٍ محتملٍ للقوات الصهيونية، إضافةً الى أنّ القيادة السورية بدأت منذ فترةٍ بعمليات عزلٍ وإنهاء أغلب الجيوب الواقعة ضمن هذه المساحات وخصوصاً في محيط الكسوة ومناطق أخرى.
من المستحيل في ظلّ الواقع الميداني الحالي أن تشكّل الجماعات المسلّحة في درعا والجولان تهديداً على العاصمة، وحتى على محيطها البعيد، لانتفاء قدرة هذه الجماعات على خوض حربٍ شاملة ومتحركة على هذه المساحات من الأرض المحكومة بتواجد قوات كبيرة للجيش السوري وسلاح الجو.
في المنظور القريب كلّ ما يمكن أن تفعله هذه الجماعات هو القيام بعمليات صغيرة للتأثير في المعركة النفسية التي تُخاض ضد الدولة السورية وجيشها، وهو أسلوب يتم اعتماده كثيراً في الآونة الأخيرة للتأثير على معنويات الجيش والشعب، وهذا برأيي ما يجب التنبه له عبر إعداد خطةٍ إعلامية مضادة الى جانب تحسين شروط تواجد وحدات الجيش السوري في منطقتي درعا والجولان، من خلال إشراك أكبر عدد من الأهالي الموالين في تشكيلات الدفاع الوطني والبدء بهجوم مضاد يسبقه خطة تراعي الجغرافيا والإمكانيات المتوفرة، وقلب موازين المعركة نفسياً وميدانياً.
كما ذهب حلم الصهاينة عبر شريطهم الأمني في جنوب لبنان وذهب معه العملاء، لن يكون مصير أيّ شريط في الجولان أفضل من شريط الجنوب اللبناني.
ختاماً، أتوقّع أن تحلّ قريباً لعنة الجنوب السوري على الصهاينة وأذنابهم هناك، كما حلّت لعنة الجنوب اللبناني عليهم وعلى عملائهم، فلكلّ جنوبٍ على ما يبدو لعنته.