زمرة الدم... توت شامي

زمرة الدم... توت شامي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٧ أغسطس ٢٠١٤

 ثلاث سنوات.. ثلاثة قرون.. حتى أصبحت أكره رقم ثلاثة وأرغب أن أمحوه من جدول الضرب الذي نسيته ولم أعد أتذكر غير الضرب..
الضرب على روحي التي جفّت وهي بعيدة عن شامي في منطقة ضمن سورية.. ساعة أو أقل بالطائرة ولكن كنت أشعر بأن هناك آلاف الأميال تبعدني عن حارتي وياسمينتي التي أقطفها كل صباح وأضع حفنة منها في صدري السليم، الذي لم يعد سليماً، لا هو ولا قلبي الذي غضبت شرايينه مني ومنه وكادت أن تتوقف عن ضخّ الحياة إلى جسدي فاستسلمت لمباضع الجراحين السورييّن الطيّبين.
ولأن الشام بقيت في عروقي دخلت غرفة العمليات وأنا مبتسمة واثقة أن اللـه والشام سينقذاني وسأعود إليها راكعة ساجدة أصلّي على ترابها..
ربما لا تصدقوني.. بعد ست ساعات انتهت العملية وابتدأ الإنعاش، لاحظ طبيب شاب أن أصابعي تتحرك وكأني أريد قلماً لأكتب، فامسكني قلماً ووضع ورقة بيده أمام يدي، كتبت بشكل غير منتظم من أعلى الورقة _ الشام.. مطر.. سورية.. اللـه - ومن السواد الشديد رأيت وجه الطبيب الشاب الذي لم أكن أعرفه وهو يبتسم لي والذي أحببته بعد ذلك كثيراً. عشرة أيام بالعناية المشددة وأيام عشرة بغرفة عادية مجهّزه بأدوات لم أعرف ما هي! وأنا أتمنى أن أعود إلى سريري الخشبي البسيط لأنه من خشب الشام، وصناعة الشام، عدت إلى البيت المؤقّت الذي اعتبرته سجناً أو إعارة من أحد يتصّدق به على من يهجر بيته الأصلي..
سبعة أشهر.. ولم أتماثل للشفاء.. مقيمة بشكل دائم بالسرير.. وساقي التي سرقوا منها الأوردة لم ترضَ عن عملية سلخ عروقها منها وراحت تبكي وتنزّ.. ذهبت للمشفى لإجراء عملية ثانية وخياطة الجروح كانت فوق العظمية، لكنها أصرت على النزّ ورفض القطب الطبيّة.
كل يوم يجتمع الأطباء- الذين أصبحوا أصدقائي- يسألون ويحتارون، يوماً بعد يوم لم يعد لي قابلية للأكل.. نزل وزني «كيلوات» لا يستهان بها، ومزاجي انقلب تماماً وصار ينعكس على كلّ من حولي، كرهت الناس وكرهت نفسي وانزويت وحيدة في غرفتي..
أصدقائي الأطباء مازالوا يأتون ويسألون ويضيفون أنواعاً من الدواء، وتصيبهم الحيرة، أحدهم قال لي: هذه كآبه شديدة، لن يبرأ جرحك وأنت على هذه الحال، ضحكت متألمة: أنا أعرف دوائي.. دوائي هو الشام.. (ريحة الشام) هي من كانت السبب وهي من تعيدني إلى نفسي.
قالوا ولكن هناك قذائف ترمى يومياً عليها.. ليكن.. لن أخاف إذا أصابتني إحداها.. سأكون بترابها المعبّق برائحة الياسمين ودماء الشهداء.. ومن أنا أمام هؤلاء الأبطال!!!
البارحة وصلتني رسالة من طبيب صديق.. كيفك؟.. طقس الشام ريّحك؟..
لم يرحني فقط.. ولدت من جديد.. تذكرت قلمي الأحمر الذي لا يكتب إلا عن الشام.
يا صديقي..
أنا بالشام.. وهذا يكفي للحياة...