داعش والصقيع القادم

داعش والصقيع القادم

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٧ أغسطس ٢٠١٤

 لم يعد خافياً على أحد أنّ هدف داعش هو الوصول الى البحر، وأمام هذا التنظيم عدّة خيارات وهي لبنان وسورية والأردن والسعودية.
أما وقد جرّب التنظيم خيار لبنان عبر معركة عرسال ولم تعطِ نتائجها، وهو يعرف مدى قوّة الجيش السوري ومساحة الأرض التي عليه إجتيازها للوصول الى الساحل السوري، فيصير شبه مؤكّد أنّ وجهة التنظيم في المرحلة القادمة هي الأردن والسعودية.

ففي سورية يتواجد تنظيم داعش بشكلٍ قوي في محافظة الرقّة التي تخضع له بكاملها بعد انسحاب الجيش السوري من آخر مواقعه في مطار الطبقة، والتمدد الذي أحرزه التنظيم في ريف حلب الشمالي على حساب الجماعات المسلّحة الأخرى.
بمحاذاة الحدود اللبنانية يتواجد تنظيم داعش مع جماعاتٍ أخرى في جيبين منعزلين عن بعضهما في سلسلة جرود القلمون، حيث استطاع الجيش السوري وحزب الله فصل هذه التجمعات عن بعضها منذ أكثر من شهرٍ عند مشارف بلدة الطفيل اللبنانية، حيث يسيطر الجيش السوري وحزب الله على كامل المنطقة المحاذية للطفيل وكل المرتفعات الموجودة في المنطقة، وبذلك نكون أمام مجموعات الزبداني ومحيطها جنوباً ومجموعات جرود عرسال شمالاً، التي تتواجد بشكلٍ أساسي في أجزاء من جرود بلدة قارّة وتمتد الى أجزاء كبيرة من جرود عرسال داخل الأراضي اللبنانية.

إنّ كلا المجموعتين في الزبداني وجرود قارة وعرسال تفتقدان القدرة على الثبات طويلاً لعدم وجود خطوط إمداد حيوية وثابتة، وهذا ما سيتضاعف بشكلٍ كبيرٍ مع حلول فصل الشتاء، فالجيش السوري وحزب الله يملكان إمكانيات لوجستية صلبة وكبيرة وآليات قادرة على التحرك على الثلوج وفي الظروف الصعبة إضافةً الى قدرة طوافات الجيش السوري على إيصال كلّ ما تحتاجه القوات السورية وقوات حزب الله.

في الزبداني وبعض امتدادها كمضايا وسرغايا، لم يشهد هذا المحور أكثر من عمليات تبادلٍ للنيران منذ فترةٍ طويلة فيما تعمل لجان المصالحة على إتمام مصالحة نهائية تُخرج الزبداني ومحيطها من المعركة، بينما سيكون مسلحي جرود عرسال بين كماشتي الجيش السوري والصقيع، وفي اليومين الأخيرين تمّ تناقل معلومات تشير الى احتمال قيام الجيش السوري وحزب الله بعمليةٍ عسكريةٍ كبيرةٍ بهدف اجتثاث وجود الجماعات المسلّحة في هذه الجرود، وفي حال الذهاب الى هذا الخيار فاحتمال اشتعال الجبهة في عرسال سيكون وارداً بشكلٍ كبير.

عندما فتحت الجماعات المسلّحة معركة عرسال كانت تحت ذريعة اعتقال عماد جمعة، ولكنها بالحقيقة تندرج ضمن خطة تهدف الى السيطرة على قرى اللبوة والفاكهة ورأس بعلبك والقاع  والهرمل وجرودها للعبور الى عكار ووادي خالد، ومن ثمّ الى الساحل الشمالي للبنان.
ولهذا السبب عمد شبان من بلدتي رأس بعلبك والقاع الى إطلاق مجموعات حراسة للبلدتين وجرودهما المجاورة لجرود بلدة عرسال بالتنسيق مع الجيش اللبناني والمقاومة.

هذه الخطة التي لا يقدم على تنفيذها إلا قادرٌ أو أحمق كونها تضمّ قوات كبيرة لحزب الله تحتاج من داعش وغيرها عدداً كبيراً من المقاتلين لتنفيذها.
كما أنّ التوجّه من عرسال الى البقاع الأوسط سيضع أي قوات لداعش في فخ قوات كبيرة لحزب الله وخصوصاً في بعلبك وبريتال وعشرات القرى المحسوبة على حزب الله.

أحد أخطر الإحتمالات التي ما زالت واردة هو أن تخترق الجماعات المسلّحة الجرود الفاصلة بين الزبداني وبلدة عنجر اللبنانية للسيطرة على طريق بيروت دمشق، خصوصاً أنّ على جانبي الطريق يتواجد قرى يمكن أن تشكّل بيئة حاضنة لهذه الجماعات أو على الأقل لا تمتلك قرار مواجهتها لأسباب متعددة، كما لا بدّ من الإشارة الى عشرات مخيمات النازحين السوريين التي تتواجد في هذا المحيط والتي يمكن أن يكون احتمى فيها مئات وربما آلاف المسلحين، ونموذج عرسال ما زال غير بعيد عنّا، بالإضافة الى أنّ وحدات الجيش اللبناني لا تنتشر بكثافة في هذه المناطق، وإن انتشرت فهي تنتشر بشكلٍ أمني وليس قتالي.

ويبدو أفضل الإجراءات هو المسارعة الى خوض معركة استباقية تجتثّ الجماعات المسلحة من أساسها، فخوض معركة مهما كانت مكلفة في أماكن انتشار هذه الجماعات حالياً سيكون خياراً جيداً يوفر الكثير من الجهد والدماء، ويلغي خطر هذه الجماعات على الداخلين السوري واللبناني بشكلٍ كبير.
بعد الذي حصل في المنطقة الشرقية من سورية وانسحاب الجيش السوري من مطار الطبقة صار واضحاً أنّ معركة الرقّة لا تحمل أولويات ميدانية حالياً لاحتياج هذه المعركة الى عملية حشد كبيرة وغير مسبوقة للجيش السوري، وربما شكّل الأمر رسالةً من سورية الى كل العالم أنّ معركة الرقّة هي معركة مواجهة للجميع وليس لسورية وحدها.
في هذا السياق يبدو واضحاً أنّ الجيش السوري يعمل ضمن خطة واضحة وهي تعزيز إنجازات المرحلة الأولى من معركة الهجوم المضاد التي بدأت في القصير الهادفة الى سيطرة الدولة على المناطق والمدن الكبرى للإنتقال فيما بعد الى معركة الأرياف البعيدة، وعليه فإنّ الأولوية في هذه المرحلة هي لتحرير الغوطة الشرقية إما بالحسم أو بالمصالحة وهو الأمر نفسه الذي يجري في حي الوعر في حمص وفي أحياء حلب الداخلية، فيما يتجه الأمر للحسم في محيط مدينة حماه.
وداعش التي اختبرت الصدام المباشر مع الجيش السوري في حقل الشاعر تدرك أنّ خوضها لمعركة زحف باتّجاه وسط سورية عبر السلمية هو أمرٌ معقد وصعب ومكلف وغير قابل للتحقيق في ظروف المعركة الحالية.

ولوجود تعقيدات من نوعٍ آخرٍ على الجبهة مع لبنان منعت وستمنع مستقبلاً من الوصول الى البحر عبر لبنان وسورية، فإنّ خيار التمدد في السعودية والأردن هو خيار مثالي لداعش في المرحلة القادمة، خصوصاً أنّ هذا التمدد يمكن أن يحصل من داخل الاردن والسعودية وليس بالضرورة عبر الحدود لوجود مئات الخلايا النائمة والتي تمتلك بالتأكيد خططاً جاهزة يمكن أن تُنفذ في اللحظة المؤاتية.
إنّ هذا الكلام لا يعني أنّ داعش ستنجح في مخططها، ولهذا السبب لا مفرّ أمام الجميع من الجلوس على طاولة واحدة والتفاهم على خطة مواجهة شاملة للخطر القادم.

ختاماً لا بدّ من القول إنّ داعش وقعت في فخ التوسع، فهي ستكون بحاجة لمئات آلاف المقاتلين للحفاظ على الأرض التي تستولي عليها، وهذا ما لن يكون متيسراً بسرعة حتى مع وجود القدرات المالية لأنّ الأمر يحتاج الى إعداد خطط استيعاب وتعبئة وتدريب ستحتاج الى أشهر طويلة خصوصاً في ظلّ الإستنفار العالمي والإقليمي الذي بدأ يستشعر خطر صنيعته داعش.