لماذا تنهار الجمهوريات وحدها؟

لماذا تنهار الجمهوريات وحدها؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٧ أغسطس ٢٠١٤

 ـ 1 ـ

«صيد الاشباح»... هو اسم عملية تنسيق مخابراتية تجمع الجزائر والمغرب لمواجهة وتفكيك خلايا «داعش».... وهذا أول تعاون بين «الجارين العدوين» في إطار مجموعة تضم دولاً أخرى بينها تونس وأميركا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، ومهمتها تبادل المعلومات حول شبكات التجنيد، وتتبع مساراتها التي تبدو شبحية. الشعور بالخطر من «داعش» وصل «المغرب» بعد الصدمات الأولى في «المشرق» الذي تنسّق أميركا فيه مجموعة أخرى تضم مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن.

وبرغم اختلاف نوع الخطر بين دول المغرب والمشرق إلا أنهما يلتقيان في الإدارة الأميركية للحرب على «داعش» واستدعاء الدول المحورية صاحبة الأدوار القديمة للتصدي... حتى أن الوفد الليبي الذي يزور القاهرة بجناحيه المدني (رئيس مجلس النواب) والعسكري (رئيس أركان الجيش الليبي) كاد أن يطلب من السيسي «التدخل العسكري» وهو ما عثرت له على صياغات صحافية مثل «إعادة بناء الجيش الليبي». ولم يُعرف إلى أي مدى يمكن أن يتورّط الجيش المصري في المتاهة الليبية ولا بحدود المطلوب من مصر على أجندة شبكات «صيد الأشباح» الدولية والإقليمية. المعروف حتى الآن أن السيسي أعلن عن وجود تنظيم اسمه «دالم» (أي الدولة الإسلامية في ليبيا ومصر) باعتباره أحد تنظيمات «داعش» الممتدة بحضور فرانكشتايني مثير للرعب والغموض.

السيسي أعلن عن «دالم» في إطار لقاء إعلامي هدفه امتصاص الإحباط من تحوّل الكهرباء إلى «أزمة وجودية» للدولة كلها.

 

ـ 2 ـ

الأشباح.... تتسلل إذن بمصاحبة «أزمات الوجود» بما يعني أن «داعش وشقيقاتها» ضرورة «للدفاع عن الدولة» دفاعها ضد محاولات إصلاحها أو إعادة تأسيسها أو حتى إنقاذها من عفن الفساد والاستبداد.

كما أن «الدولة» أو «أطلالها» لا تملك سوى قوة متآكلة في مواجهة الأشباح الذين يعملون الآن بنسخة «داعش»... لكنهم لن ينتهوا معها، ولو تعدّدت التحالفات والتنسيقات بين المخابرات والحشد العسكري...

فالأممية الإسلامية لم تولد بعد الشقوق التي أحدثتها «الثورات» على الاستبداد الجمهوري، لكنها ولدت من أفكار تحوّلت إلى أساطير وعي النرجسية الجريحة الساعية إلى «مجد» ملقى في دروب الماضي وينتظر «إيقاظه» و«صحوة» أهله.. هذه الأساطير مغناطيس المحبطين من العالم الحديث، ودراويش الهويات القاتلة، وأصحاب الخيال الجامح في عنفه الوحشي... وأيضاً مرتزقة حروب الجهاد أو الطبعة الإسلامية من ميليشيات الخلاص...

هذه الخلطة استدعتها أطراف اللعب في المنطقة لتدمّر أو تخلخل العروش الجمهورية والجيوش التي تحوّلت إلى قبضات حديدية في يد مهاوييس الأحلام الإمبراطورية... وكما استدعيت الطبعات القديمة من «داعش» لإسقاط «ملوك» الجمهوريات حتى تجمّع «الصديد الجهادي» في كيان «داعش»، تستدعي اليوم «الجمهوريات الجريحة» للحرب على الأشباح.

 

ـ 3 ـ

لماذا تسقط الجمهوريات وحدها؟

بمعنى ما: لماذا ينال الهجوم فقط من دول النظام الجمهوري ولا يقترب غالباً من الممالك والإمارات وكافة الأنظمة الملكية؟

داعش لم تدخل عالمنا من الممالك التي كانت تعتبر موطن «الرجعية العربية»... بشقيها المحافظ والأكثر ميلاً للحداثة... لكنها دخلت من الجمهوريات التي سعت إلى بناء نظام «دولة حديثة» يتحرّر من سطوة حكم العائلة والقبيلة والدماء الزرقاء (الملكيات الدستورية) أو السوداء (الانتماء إلى ممالك البترول)...

وهذه علامات على ان استقرار «الرجعية» في مكامنها يستدعي «رجعية أكثر عنفاً»... ويكون الحل في النهاية تقوية الجانب «الرجعي» من الجمهوريات أو تحويله إلى «رأس الحربة» في تطهير المتاهات العربية من الأشباح.

هنا «المؤامرة» أكبر من مظهرها البسيط، ومن صنع «المنقذين» أو المواجهين لآثارها، قبل مدبّريها أو أشباحها... والنظر إلى صنّاع «داعش» الغامضين سيرى أنهم يقفون الآن خلف «طاردي الأشباح» الذي يعوّل عليهم في عملية صيد «داعش» نفسها.