الشعر القديم والنقد الجديد -2-.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

الشعر القديم والنقد الجديد -2-.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٧ أغسطس ٢٠١٤

يطالبنا د.رومية بأن نميز تمييزاً دقيقاً بين الشعر والمعلومات . / فالشعر شيء , والمعلومات شيء آخر ./ ص 45 ويقرر د.رومية أنّ الشعر تكرار معنوي, ففي كلّ نصّ مقولة مهيمنة يصدر عنها. /ص 172 ويقول: ظاهر الشعر رقراق متموج أنيق مخادع, ومن العبث وقلة الحيلة أن نوهم أنفسنا بأننا نفهم الشعر ونفسره بالنظر إلى هذا الظاهر وحده /ص175 ثم إنّ الشعر - حسب د.رومية أيضاً – تعبير عن تجارب البشر وتصوير لها وموقف منها . /ص 352
وسؤالنا هو:
1.    كيف نميز تمييزاً دقيقاً بين الشعر والمعلومات, وما قوانين هذا التمييز؟
2.    أليست المقولة المهيمنة في كل نص معلومة من المعلومات؟

     في العام 1981 صدر للباحث رومية كتاب من إحدى وتسعين وستمائة صفحة بالتمام والكمال من القطع الكبير, وحمل عنوان " قصيدة المدح حتى العصر الأموي".
لا تخافوا .. لن أضع هذا العدد الهائل من الصفحات على بساط البحث في هذه العجالة, بل سأتجاوز تسعين وستمائة صفحة من هذا الكتاب لأتوقف عند صفحة واحدة منه, وهي التي لما أزل مشغولاً بها منذ ربع قرن تقريباً, وحائراً في أمرها, وباحثاً عن تفسير لها. تقول تلك الصفحة, بعد كلمة الإهداء, تقول:
" إلى التي كانت... وكنت... وكنا.. وفي (كان) وأشباهها تنطمر أجمل لحظات العمر... إليك- وقد عز اللقاء والخبر-أهدي هذا الكتاب".          
التوقيع: وهب
 وأما أنا كاتب هذه السطور ومتابع أفكارها فأتساءل: هل هذا القول وقف على وهب و(التي كانت) أم انطلق من الخاص إلى العام ولاسيما في كان وأشباهها تنطمر أجمل لحظات العمر ؟!
    أشار الدكتور وهب رومية إلى أنّ كتابه "شعرنا القديم والنقد الجديد" يقوم على فرض علمي ككل الكتب التي يبتغي بها أصحابها وجه الجدة والأصالة، وهو أن شعرنا القديم غامض وبواح في وقت واحد، وغموضه ليس ناجماً عن غرابة مفرداته بل هو ناجم من رموز أغراضه. والأستاذ رومية ليس من الذين يدرسون الشعر دراسة غرضية. كأن يدرسوا الغزل وحده والرثاء وحده والمدح وحده إلى غير ذلك.. ثم تبنى رومية  مقولة "الحاتمي" في شعر المتنبي من حيث إنّ القصيدة مثلها مثل خلق الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض. وفسّر رومية موقف الحاتمي من القصيدة على أنّها كالجسد بنية حيّة وأنّ الأغراض المتباينة في القصيدة– وإن اختلفت في الطبيعة– فإنّها تشترك في الوظيفة. وبهذا المعنى يكون رومية مع وحدة القصيدة العربية لا مع تفككها حسب ابن قتيبة وابن رشيق. وأشار رومية أيضاً إلى أنّه طبّق هذا الضرب من القراءة من حيث إنّه الشعر المسمى بالجاهلي ورأى أنّ هذه القراءة ليست غريبة على الثقافة العالمية ولا على الثقافة العربية ولا على النقد العربي. وضرب أمثلة على ذلك في التأويلات الكثيرة التي تتلاءم في قراءة تراثها، وتساءل: لمَ لا نعمد إلى القراءة الجديدة للشعر القديم التي ينتجها لنا العصر؟ ثم أشار إلى أنّه حاول أن يدرس المنهج الأسطوري في تناول هذا الشعر سوى أنّه وجد من سبقه إليه, لذلك عمد إلى ترميمه ثم انطلق في تتبع ما نشره أبرز الأسطوريين العرب، فبيّن الملاحظات العامة التي تشملهم جميعاً وبيّن الملاحظات الأخرى التي تخص كل واحد منهم. وأبرز الملاحظات العامة هي أنّهم يتحدثون عن شعر مفارق لا علاقة له بالمجتمع ولا الشدائد التاريخية ولا الأحداث السياسية.. إنّه مرتبط بالسماء.. بالأساطير الأولى. ثم إنّهم ينظرون إلى الأساطير نظرة تقديس آلية (ميكانيكية).
(يتبع...)