أداء ملتبس وعودة مصرية على صهوة الدم .. بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

أداء ملتبس وعودة مصرية على صهوة الدم .. بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ أغسطس ٢٠١٤

بطيئاً مرت حقبة حسني مبارك وفي زوايا المشهد طاولة يترأسها عمر سليمان رئيس الاستخبارات المصرية وهو يملي الأوامر والشروط على الوفد الفلسطيني ويتوعدهم بالويل والثبور إن هم خالفوا السياسة العامة لمصر في التوسط مع الكيان الصهيوني لحل أو لتصفية القضية الفلسطينية، أولئك الذين كانوا ينصتون ولا يملكون سوى التململ الحائر بين تنازلات لا تلقى استجابة إسرائيلية, وإنما مزيد من المطالب كانت مصر تفرمل بمواجهتها الاندفاعة الفلسطينية, وتستخدم المعابر ورقة قاتلة في الضغط، وسرعان ما بدأت حقبة مرسي الذي أخذ الفلسطينيين إلى بيت الطاعة الإسلامي, ومن خلاله احتوى الموقف بتطمينات إخوانية لإسرائيل بالحفاظ على كامب ديفيد وعلى حسن سلوك حماس, وقدّم نفسه وسيطاً قادراً على إكمال الدور الإقليمي لمصر من بوابة غزة, فاستقبل في أقل من عشرة أيام على ولايته فقط وفدين كبيرين من حركة حماس التي تسيطر على القطاع، أحدهما بقيادة خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي، والآخر بقيادة إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في غزة، الأمر الذي عزز من تكهنات بعض المراقبين بشأن وجود تيارين أو زعيمين يرغبان في استثمار وجود مرسي على كرسي الرئاسة في مصر لرفع الحصار كليّاً عن القطاع وإعلانه محرراً، وهنا دخلت مصر في ورطة شديدة بين الحفاظ على التطمينات التي أعطتها لإسرائيل وبين طموح قادة حماس في إعلان القطاع محرراً بمعزل عن المفاوضات وعن المصالحة الفلسطينية, لهذا دخلت القضية الفلسطينية في حالة سبات في إطار التمهيد للتصفية, وقدمت حماس لمرسي في العام 2011 بطاقة العودة من خلال إبرام صفقة تبادل للأسرى بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي مقابل إفراج الحركة عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط, ومن ثم دخلت مصر على خط التهدئة في العام 2012 بعيد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة, وكان الأمر أشبه بعملية تصعيد معقدة الأسباب أعطيت مفاتيح حلحلتها لمرسي، لكن سياساته المتخبطة جعلت الدور الإقليمي لمصر ينكفئ، ومع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي كان هناك تصميم على إعادة الروح لهذا الدور بأسلوب براغماتي يتناسب من جهة مع تعهدات باحترام اتفاقيات مصر السابقة والموازنة بين هذا الدور وبين واقع جديد يفرضه الصدام مع حركة حماس ودورها السلبي في مصر. وبناء على هذا الواقع لم يكن من السهل التكهن بأن مصر ستطرح مبادرة لوقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، فالتصريحات المصرية كانت أقرب إلى معاقبة حماس في غزة عما فعلته في مصر, وذهب البعض إلى أبعد من ذلك على مبدأ "عدو عدوي صديقي" لتبرير العدوان الإسرائيلي على غزة والدعوى لعدم مساعدة حماس، أي اختزال الفلسطينيين في القطاع بخالد مشعل وإسماعيل هنية وحماس. لكن مصر التي تحسب اليوم خطواتها بالنسبة للملف السوري وترى تعقيدات المشهد العراقي ترى أنّ العودة إلى مربع القرار الإقليمي وإعادة تشبيك المصالح تقتضي استغلال اللحظة وإعادة السيطرة على ملف الوساطة والمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، بداية كان الأمر مشابهاً لحقبة مبارك، إغلاق للمعابر وتضييق على حركة الدخول والخروج في وقت لاحق، ثم شروط جاءت بعدها المبادرة المصرية التي سرعان ما لقيت قبولاً واسعاً من إسرائيل والولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، المبادرة تنص على أن تقوم إسرائيل بوقف جميع الأعمال العدائية على قطاع غزة براً وبحراً وجواً، مع التأكيد على عدم تنفيذ أي عمليات اجتياح بري لقطاع غزة أو استهداف المدنيين. وأن تقوم جميع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بإيقاف جميع الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل جواً وبحراً وبراً وتحت الأرض, مع التأكيد على إيقاف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها والهجمات على الحدود أو استهداف المدنيين, وعلى فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض. على أن يتم بحث باقي القضايا بما في ذلك موضوع الأمن مع الطرفين، معلنة بأنه سيتم استقبال وفود من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في مصر لتنفيذ المبادرة وبناء الثقة وتثبيت وقف إطلاق النار طبقاً لتفاهمات التهدئة في القاهرة عام 2012, في حين سارعت حماس إلى رفضها لأنّها تساوي العدوان الإسرائيلي مع صواريخ المقاومة.وأعلن الجهاد الإسلامي رفضه أيضاً, لكنه بعد ذلك قال بأنّه بدأ بدراسة المبادرة.
لكن نتنياهو الذي رحب بالمبادرة قال إن الخطوة المقبلة ستكون تجنيد الدعم الدولي لنزع سلاح المقاومة, وأنّ حماس تلقت ضربات كبيرة خلال العدوان ولن تتمكن من استعادة مكانتها أو تجنيد التأييد لها في العالم العربي.وتكفي مطالعة البنود التي أعلنتها مصر، مع ما تتضمنه من مساواة بين المقاومة الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية، مع وجود شرط نشر قوات للسلطة الفلسطينية على امتداد معبر رفح، لتبيُن الألغام التي تحملها المبادرة المصرية، بدءاً من توقيتها وطريقة إعلانها, وكأنّها محاولة لإنقاذ إسرائيل من المأزق الكبير الذي وضعت نفسها فيه, الذي أدى إلى إقالة نائب وزير الدفاع أمام ضربات المقاومة النوعية والمدى غير المسبوق لصواريخها ومبدأ القيادة والسيطرة النارية الذي فاجأ العدو، إضافة إلى محاولة مصر سحب البساط من تحت قطر التي طرحت مبادرتها قبل أيام قليلة لوقف إطلاق النار، تعلم مصر أنّ إسرائيل ستقبل وأنّ حماس سترفض، ولكل حساباته، إسرائيل ستعتبر الموافقة على المبادرة نقطة في التأييد الدولي لصالحها وسبباً لتنصلها من المسؤولية عن العدوان, لكنها كانت متأكدة بأنّ حماس سترفض لأنّ المبادرة لم تشر إلى حماس بالاسم وذكرت الفصائل المسلحة بالقطاع في العموم محاولة للدفع بحركة فتح والرئيس عباس إلى الواجهة، دون استئثار حركة حماس بالمشهد وحدها، أو بصفتها القائمة لكونها تقود قاطرة المقاومة هناك. والنقطة الجوهرية في رفض الحركة للمبادرة هو اعتراضها على وقف إطلاق النار دون الوصول إلى اتفاق تشعر خلاله بأنّها نجحت في كسب عدة نقاط على حساب الجانب الإسرائيلي، فضلاً عن وصف مقاومتها في البيان بالأعمال العدائية، لكن الأهم بالنسبة لحماس هو ألا تعطي عبد الفتاح السيسي بطاقة العودة إلى دور إقليمي على حسابها بعد أن أصبحت في مصر منظمة إرهابية يقتضي التخلص منها، بينما تعتبر مصر المبادرة مسألة لا تحتمل النقاش وسيكون ثمنها استعمال ورقة المعابر الحدودية ومقدار الدعم الذي سيصل إلى القطاع. لاعبون إقليميون كثر يتنافسون اليوم لملء الفراغ، مصر وقطر وتركيا والسعودية التي أعلنت عن تخصيص مبالغ ضخمة للفلسطينيين، ولكن هل ستفي بهذه الوعود في ظل عدائها للإخوان المسلمين وحركة حماس, وهل سيحدث صدام جديد بين حماس من جهة والسلطة الفلسطينية وحركة الجهاد الإسلامي التي رأت في الدور المصري ضرورة ؟ الأقرب في التوقعات أن تنجح مصر في هذا الدور لامتلاكها ملفات قديمة تساعدها على استعادة الدور، والمنطقي القول بأنّ على مصر أن تطلع بدور مغاير لدور مبارك ومرسي وألا تبني دورها الحالي والمستقبلي على حساب الفلسطينيين ودمائهم ومعاناتهم.