القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية

القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية

تحليل وآراء

الأحد، ٢٤ أغسطس ٢٠١٤

 أوّل نماذج الصواريخ التي أُطلقت من قطاع غزّة كانت أشبه بالأسهم النارية منها بالصواريخ، ولكنها رغم ذلك شكّلت بداية حلقات الرعب التي تصيب مجتمع الكيان الصهيوني هذه الأيام.
فصاروخ قسّام 1 كان بطول 70 سم وقطر 8 سم ويحتوي رأساً متفجراً بزنة 1 كلغ فقط، ولم يتجاوز مداه الـ5 كلم.
كان هذا الصاروخ يفتقد للكثير من الدقّة، واعتمد المقاومون في إطلاقه على قواعد إطلاق بدائية جدًا وكانت نسبة الخطأ في إصابة الهدف تتجاوز الـ400 متر، وهي نسبة خطأ عالية جداً، إضافةً الى أنّ الرأس المتفجر لم يكن مؤذياً ومؤثراً، وكانت نتائج استخدام هذا النوع من الصواريخ نفسية أكثر منها مادية.

استمرّت عمليات تطوير صواريخ قسّام الى أن وصلت الى مدىً يتراوح بين 8 و12 كلم، وأصبحت تحمل رؤوساً متفجرة تتراوح بين 5 و6 كلغ من المواد المتفجرة، إضافةً الى تحسين قدرات الإطلاق والتوجيه وتثبيت المسار الذي قلّل من نسبة الخطأ أثناء ارتطام الصاروخ بهدفه.
في النماذج الأولى كانت نسبة من الصواريخ تسقط دون أن تنفجر لعدم تفاعل الصاعق مع المادة المتفجرة، إلا أنّ هذه النتائج لم تثنِ مهندسي المقاومة عن متابعة جهودهم.

بانتهاء عدوان تموز 2006 على لبنان كانت المقاومة اللبنانية قد امتلكت تجربة كبيرة في استخدام وإدارة إطلاق ونقل الصواريخ، وكان لا بدّ من نقل هذه التجربة الى المقاومة الفلسطينية، ومن المفيد أن نذكر أنّ المقاومة اللبنانية لم تقم بعمليات تصنيع للصواريخ كونها تمتلك طرقات إمداد مفتوحة وطويلة، ولكن عمليات التصنيع والتطوير اقتصرت على منصات الإطلاق حيث تمّ تركيب منصات تتراوح بين 6 و12 أنبوب إطلاق على سيارات دفع رباعي صغيرة الحجم لتحقيق سرعة الانتقال والتذخير والإختفاء، إضافةً الى تركيب منصات مزدوجة لفئة صواريخ فجر لتحقيق نسبة إطلاق أعلى من نفس مربض الإطلاق.

في التجارب الأولى لصواريخ المقاومة الفلسطينية كانت هذه الصواريخ تفتقد لأجهزة تسديد دقيقة الى أن تمّ تجاوز هذا الأمر لاحقاً.
خلال العام 2007 شهد قطاع الصواريخ في غزّة تحولاً كبيراً، حيث وصلت الى القطاع المئات من صواريخ "غراد" الإيرانية والسورية والروسية الصنع، مع أنابيب إطلاق تمّ تجميعها على منصات مزدوجة أو رباعية ومزودة بأجهزة توجيه مع قواعد تحريك أفقي وعامودي ميكانيكية وتمتاز بالدقة لتحقيق أعلى مستوى من استقرار المسار.

خلال عدوان 2008-2009 على قطاع غزة وصل مدى صواريخ المقاومة الى 40 كلم، وهي من طراز غراد الآنفة الذكر، إضافةً الى صواريخ 107 ملم الكورية والتي يصل مداها الى 8 كلم وهي صواريخ يتمّ إطلاقها من منصات من 6 أو 12 أنبوب ويُعتقد أنّ المقاومة تمتلك من صواريخ 107 ملم وغراد 122 ملم ما يتجاوز الـ10 آلاف صاروخ، إضافةً الى أضعاف هذا العدد من صواريخ القسام والجهاد والناصر المحلية الصنع والتي تمّ تحسين مداها وتوجيهها وفعالية رأسها المتفجر.

بعد انتهاء العدوان بدأت عملية معقدة وصعبة لنقل كميات من صواريخ فجر 3 وفجر 5، وبحسب المعلومات فإنّ هذه العملية كانت تصطدم بالكثير من العوائق كون هذه الصواريخ ذات حجم كبير وبالتالي فإنّ عملية نقلها الى القطاع المحاصر كانت عملية صعبة وبطيئة وطويلة لخضوع طرقات النقل البحرية والبرية لرقابة جوية وبحرية مشدّدة، ونظراً لهذه التعقيدات تمّ اتخاذ القرار بنقل تقنيات التصنيع بموازاة إخضاع عدد كبير من المهندسين والتقنيين لدورات في تصنيع هذه الصواريخ، وهو أمرٌ تمّ بشكلين إما سفر هؤلاء الى الخارج وتحديداً الى إيران وسورية أو قدوم خبراء الى القطاع سواء للإشراف على عمليات التهريب أو تدريب المهندسين على التصنيع وأطقم الإطلاق على عمليات توجيه الصواريخ وطرق تخزينها، وتضمنت هذه التدريبات فيما يخصّ أطقم الإطلاق عمليات المناورة والإختباء، فيما كانت تجري عملية إعداد غير مسبوقة لنقل كل أنواع الصواريخ الى باطن الأرض.
عمليات التصنيع لكافة أنواع الصواريخ تتمّ تحت الأرض، حيث يوجد شبكات من البنى المترابطة بشكلٍ كبيرٍ تحتوي على مشاغل التصنيع ضمن نظام السلسلة، والمشغل هو كناية عن العديد من الأقسام المنفصلة والتي تبدأ بصنع جسم الصاروخ وتمر بعملية الصقل والتأكد من صلاحية جسم الصاروخ، ثمّ تركيب المواد الدافعة والمحرك الصاروخي، وتنتهي بإضافة الرأس المتفجر، بعدها يتم تخزين الصواريخ بشكلٍ منفصلٍ هو كناية عن قطعتين، قطعة تحتوي الحسوة الدافعة والمحرك الصاروخي الذي يعمل على الكهرباء بنظام dc  والقطعة التي تحتوي على الرأس المتفجر.

إنّ عمليات التخزين تتمّ في ظروف مؤاتية تحفظ للصاروخ فعاليته وقدرته لسنوات طويلة، حيث تتم معالجة كل التأثيرات من خلال نظام حرارة ورطوبة معتدل يتناسب مع طبيعة المواد المستخدمة في صنع الصواريخ.
ومن المؤكد أنّ الغالبية الساحقة من صواريخ المقاومة الخفيفة والمتوسطة صارت تعمل من تحت الأرض عبر منصات هيدروليكية مع أعلى مستوى من التمويه، وهذا ما صعّب على العدو الصهيوني إمكانية استهداف هذه المنصات التي ما زالت تعمل بوتيرة عالية جداً لم تنخفض رغم مرور 48 يومًا على بدء العدوان على غزّة.

ومن المهم أن نذكر بعض أنواع الصواريخ التي تستخدمها فصائل المقاومة الفلسطينية، وسأركّز على فئتي غراد وفجر بمختلف مسمياتها.
الصواريخ فئة غراد وهي على نوعين:
1- صواريخ صناعة روسية وإيرانية وسورية تمّ نقلها الى قطاع غزة وهي بالآلاف ويتراوح مداها بين 11 كلم و40 كلم ويتراوح رأسها المتفجر بين 11 و14 كلغ من المواد المتفجرة.
2- الصواريخ محلية الصنع وهي باتت تقارب بجودتها الصواريخ المنقولة الى القطاع نظراً لتراكم خبرة التصنيع وتنامي قدرات أطقم الإطلاق واكتسابهم تجربة طويلة في التعامل مع تعقيدات الوضع الميداني، وهي صواريخ يتراوح مداها بين 8 و25 كلم وبعضها يصل الى 40 كلم ويتراوح وزن رأسها المتفجر بين 8 و12 كلغ، وتختلف تسميات هذه الفئة من قسام الى جهاد الى ناصر وغيرها من التسميات المرتبطة بقيادات أو مناسبات.
الصواريخ فئة فجر:
1- الأنواع المنقولة من هذه الصواريخ الى قطاع غزّة تشتمل على ثلاثة أنواع وهي فجر 3 وفجر 5 الإيرانية وm-302 السورية، حيث يصل مدى هذه الصواريخ الى 75 كلم لصاروخ فجر 3 و90 كلم لصاروخ فجر 8 و160 كلم لصاروخ m302 وهذه الفئة من الصواريخ ذات رأس متفجر يتراوح بين 70 و85 كلم.
2- الأنواع المصنعة في غزّة وهي تعتبر نسخة طبق الأصل عن الصواريخ الإيرانية والسورية في المدى والقوة التدميرية.
لم يثبت حتى الآن أنّ المقاومة تمتلك صواريخ من فئة زلزال، وهي صواريخ تصل الى مدى 300 كلم وتحمل رؤوساً متفجرة تتراوح بين 500 و800 كلغ من المواد المتفجرة، وأعتقد أنّ هذا النوع من الصواريخ غير صالحٍ للعمل من القطاع لأنه يحتاج الى مخابئ تتطلّب جهود وتقنيات مختلفة عن تقنيات المخابئ والأنفاق الحالية، ولعدم حاجة المقاومة لمدى هذا النوع من الصواريخ كونها تستطيع أن تطال غالبية أراضي فلسطين المحتلة.
وقد يتساءل البعض ماذا حقّقت هذه الصواريخ في الكيان الصهيوني في مواجهة البطش والتدمير الكبير الذي ألحقته آلة القتل الصهيونية بأهل غزة، وهو سؤالٌ مشروع ويجب الإجابة عليه.

في سياق الصراع المستمر بيننا وبين الكيان الصهيوني لا بدّ من الإقرار بأنّ أشكال وآليات الصراع قد اتخذّت مساراً مختلفاً، منذ اندحار القوات الصهيونية من جنوب لبنان العام 2000 والهزيمة الكبرى التي لحقت بجيش العدو بعد عدوان 2006 والهزيمة الموصوفة التي يعيشها هذا الجيش في المعركة المستمرة في غزة.

إن ما حقّقته المقاومة في لبنان وما تحققه المقاومة الفلسطينية قد مسّ بأهم مكونين من مكونات الكيان وضمان استمرار بقائه وهما:
1- ضرب قدرة الردع لدى الجيش الصهيوني وإلحاق الهزيمة بكامل منظومته البشرية والتقنية وكسر عقيدته القتالية القائمة على الحرب الخاطفة والإستخبارات التي باتت عاجزة عن تحديد بنك أهداف وإجراء عمليات التقييم وتزويد أسلحة الجيش بالمعلومات الدقيقة، وجرّه الى حرب الإستنزاف الطويلة التي لا طاقة للكيان الصهيوني على تحملها حيث تلحق به خسائر فادحة في بنيته البشرية والنفسية.
2- إحداث خلل فادح في استقرار المستوطنين الذين قدموا الى فلسطين تحت عنوان الرفاهية والأمان، فوضع 5 ملايين يهودي عبر استهدافهم بالصواريخ وعجز الجيش الصهيوني عن تأمين الحماية لهم سيعجّل في فقدان المستوطنين الثقة بجيشهم وقيادتهم ويذهب بهم الى التفكير الجدي في فترات لاحقة من المعركة الى الهجرة خارج فلسطين، والتجربة نفسها مرّ بها الصهاينة خلال عدوان تموز 2006 على لبنان، وبذلك يمكننا القول إنّ مفهوم أمن المجتمع وضمان الإستقرار لن يستمر الى الأبد.
انتقال المقاومة في فلسطين وخلال سنوات قليلة من الحجر الى الصاروخ هو خير دليل على أنّ قدرات المقاومة في السنوات القادمة ستصل الى مرحلة أكبر من التقدم والتطور.

الأمر الذي يجب أن يعلمه الجميع هو أنّ المقاومة في فلسطين لا تخوض المعركة الأخيرة ضد الكيان الصهيوني، تماماً كما لم تخض المقاومة اللبنانية معركتها الأخيرة سنة 2006.
المعركة الأخيرة ضد الكيان ستكون بالتنسيق والمشاركة بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وسورية وإيران، ولا نعرف الى أن يحين وقت هذه المعركة طبيعة التحولات التي يمكن أن تحصل في مصر والأردن.
لم تعد مسألة زوال الكيان الصهيوني خاضعة للجدل، أقّله عند العارفين بطبيعة تركيب المعادلات الجديدة ومستوى الإستعدادات الجارية لحسم هذه المعركة، وصار من المؤكد أنّ ما يفصلنا عن هذه اللحظة مجرد سنوات لا أكثر.