السياسة الضريبية والتنمية الاقتصادية.. بقلم: د. عماد الدركزنلي

السياسة الضريبية والتنمية الاقتصادية.. بقلم: د. عماد الدركزنلي

تحليل وآراء

الأحد، ٢٤ أغسطس ٢٠١٤

إن التنمية الاقتصادية تفرض سياسة ضريبية معينة تخلق لها عوامل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن في ظل انعدام الثقة بين وزارة المالية من جهة ودافعي الضرائب من جهة أخرى تأخذ السياسة الضريبية اتجاهاً مغايراً لأهدافها، فالتشريع الضريبي كان هدفه الأساسي هو مطرح الضريبة ومقدارها وزمن تسديدها وأغفل آثارها الاقتصادية والاجتماعية، فلجأ دافعو الضرائب  إلى اتباع شتى الطرق للتهرب الضريبي.
في عام 1688م استخدم الكاتب الإسباني دون جوزيه دي لا فيجا مصطلح الثيران والدببة Bulls & Bears  ليصف به (المشترين والبائعين) المتناحرين في سوق الأوراق المالية, اللذان لا يكفان عن التناطح لفرض إرادتيهما على السوق وتحديد اتجاه الأسعار فيه، وتدريجياً استقر الاصطلاح في لغة البورصة حتى صار من الكلمات الدارجة في حوارات المضاربين والمستثمرين، واليوم يمكن أن نطلق مصطلح القط والفأر على العلاقة بين وزارة المالية ودافعي الضرائب، ونتيجة هذه العلاقة التي باتت تفتقر إلى الحد الأدنى من الثقة نجد أنّ خزينة الدولة هي الخاسر من هذه العلاقة, وبالتالي عدم تحقيق الضريبة لأهدافها الاجتماعية والاقتصادية.
يعتبر قانون الدخل رقم 24 لعام 2003 هو الناظم للعلاقة بين الدوائر المالية ودافعي الضرائب، ولكن عدم انسجام التشريعات الضريبية اللاحقة للقانون المذكور المعدلة له مع الواقع الاقتصادي  وافتقار الدوائر المالية إلى الكوادر المؤهلة يجعلها تتجه نحو التقدير العشوائي للمطرح الضريبي, متجاوزة في ذلك قانون الدخل المذكور ومتذرعة بالاستثناءات المنصوص عليها بقوانين لاحقة، وبنظرة سريعة على التكاليف الضريبية لزمرة الأرباح الحقيقية نجد أنّ غالبيتها إذا لم تكن جميعها تعتمد على التقدير العشوائي للدخل وفرض نسب ربح تقديرية للوصول إلى المطرح الضريبي، الأمر الذي يزيد من فجوة انعدام الثقة، ومع أخذ عدم التوازن في الضرائب المفروضة بين مباشرة وغير مباشرة (الضرائب غير المباشرة تشكل نسبة 70% من إيرادات الضرائب) وتعدد المطارح الضريبية نصل إلى انعدام الثقة نهائياً بين وزارة المالية ودافعي الضرائب.
وما يزيد الأمر سوءاً هو انعدام الثقافة الضريبية والوعي الضريبي بين أفراد المجتمع, حيث لا يجدون آثارها الاقتصادية والاجتماعية ويشعرون أنّها فروضات مالية لا تعود عليهم بأدنى نفع.
وإن إعادة بناء الثقة تبدأ من وزارة المالية من خلال الإجراءات التالية:
1-    نشر الوعي الضريبي ومفهوم الضريبة بين أفراد المجتمع من خلال برامج توعية ضريبية تبين أهداف الضريبة الاجتماعية والاقتصادية.
2-    تعديل التشريعات الضريبية بما يحقق الوضوح في الضرائب المفروضة من حيث تحديد الوعاء الضريبي ومقدار الضريبة ومواعيد تقديم البيانات الضريبة وسداد الضرائب المتحققة, على أن لا يترك أي مجال للقائمين على فرض الضرائب بالتأول والتفسير أو التعسف في فرض الضريبة.
3-    تنمية القطاع المصرفي كي تكون غالبية المعاملات المالية إن لم تكن جميعها محصورة بالمصارف بما يحقق ضبط جميع العمليات المالية من نفقات وإيرادات.
4-    وضع نظام فواتير لجميع  المشتريات والمدفوعات بحيث يتم تحقيق دورة مستندية تؤيد جميع العمليات المالية.
5-    الانتقال التدريجي من تعدد المطارح الضريبية إلى الضريبة الواحدة.
6-    تأهيل وتدريب الكوادر الإدارية لمواكبة التغيرات السريعة للنظم المالية والتجارية التي تنظم عمل الشركات, من حيث انتقالها من الشركات المحلية الفردية إلى الشركات الدولية أو الشركات العابرة التي تمارس نشاطها في أكثر من دولة.
وما يزيد في اتساع هوة عدم الثقة الإجراءات الإدارية المعقدة, فتقديم البيان الضريبي يحتاج إلى يوم كامل والحصول على براءة ذمة يحتاج إلى أسبوع وهناك إجراءات تتجاوز الشهر، الأمر الذي يدفع المكلفين بالضرائب على أنواعها إلى اختراع الطرق والأساليب التي تجنبهم هدر وقتهم ويدفعون مقابل ذلك الأموال التي كانت يجب أن تدفع إلى خزينة الدولة، ولو أحصينا العقارات غير المكلفة والتي تتمتع بكامل الخدمات التي تقدمها الدولة لاتضح لنا مقدار هوة التهرب الضريبي بسبب تعقد إجراءات تقدير وفرز العقارات.
وإنّ اعتماد البريد الالكتروني للمكلفين كوسيلة للتبليغ, واعتماد الموقع الالكتروني لوزارة المالية لاستقبال البيانات الضريبية وطلبات المكلفين يخفف جهد ووقت المكلف, ويسهل على وزارة المالية حفظ البيانات المالية والرجوع إليها الكترونياً دون هدر الورق وضياع أماكن التخزين، وهذا يجعلنا نتجه إلى الأرشفة الالكترونية للملفات والورقيات، أي أتمتة كامل العمل، كما أنّه يمكن تضمين الموقع الالكتروني للوزارة  تفصيل الخطوات الواجب اتباعها من قبل المكلف لكل حالة وإمكانية حل بعض الصعوبات في الإجراءات الكترونياً.
كما أنّ ربط المعاملات المالية بالرقم الضريبي يسهل اكتمال الدورة المستندية وربط أي عمل مالي بالملف الضريبي للمكلف, وكذلك تحميل الذمم الضريبية أو أي ذمم مالية تنشأ لصالح الدولة على الملف الضريبي من خلال الرقم الضريبي للمكلف.
إنّ النظام الضريبي يعكس المرحلة التي وصلت إليها التنمية في الدولة، والإجراءات الإدارية تساعد في نجاح النظام الضريبي وبالتالية التنمية الاقتصادية.