سياسة الأسد تعكس الانتصار.. وأمريكا تخسر حرب القرن

سياسة الأسد تعكس الانتصار.. وأمريكا تخسر حرب القرن

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ أغسطس ٢٠١٤

ما هو الفارق الذي خلقه تنظيم داعش في أزمات المنطقة، و ماهي نتائج إنشاء التنظيم الذي خلقته أمريكا من بقايا تنظيم القاعدة في العراق، و بعض الذين استقدمتهم قيادات التنظيم بتسهيل مخابراتي دولي من مناطق مختلفة من العالم.
حين ظهر التنظيم أول الأمر حاولت القوى المعادية للدولة السورية أن تروج لفكرة أن التنظيم من صنيعة المخابرات السورية، وذلك لأن التنظيم ذهب أول الأمر إلى توسيع نفوذه في المناطق التي انتشرت فيها بقية الميليشيات المسلحة، والهدف الإستراتيجي الأساس بالنسبة للتنظيم كان وقتها أن يسيطر على كل مصادر التمويل المحلية من منشآت نفطية، وطرق تنقل القوافل التجارية ليسرق الكثير منها، و يفرض الأتاوة على البقية منها.
وعلى قاعدة بسيطة كان موقف الحكومة السورية من أي صراع بين الميليشيات المسلحة، فلا حاجة لقتال مجموعتين عدوتين ما دامتا تقاتلان بعضهما، ففي النهاية ستفنى واحدة في حين ستخرج الثانية منهكة مما يسهل القضاء عليها، وما يؤكد ذلك أن الطيران الحربي السوري كان وما يزال يستهدف مقرات داعش في الرقة، وهنا يتوجب المقارنة بين نوعين من الأخبار، الأول كان يتحدث عن أن داعش توالي الحكومة السورية، و الثاني يقول أن الطيران السوري يستهدف الرقة، و بما إن الرقة هي مركز تواجد داعش الأساسي في سوريا، فأي الخبرين يستوجب التصديق، و أيهما كذب..؟
لاحقاً من الوقت برز نشاط داعش في الموصل بجملة من الجرائم ضد الإنسانية، هجر المسيحيين، وسبى وقتل بقية الطوائف، فيما فجر كنائس ومساجد وقبور أنبياء، وهي محاولة لمحو كل ما يدلل على هوية المنطقة، وهذا يخدم مشروع إنجاز الدولة الإسلامية وفق منظور الإدارة الأمريكية لدولة (سنة ستان) الممتدة في مناطق من سوريا و العراق، تمهيداً لـ إنشاء بقية الدول الطائفية التي يريدها الأمريكيون.
تركيز داعش الأكبر في الفترة الأخيرة تركز على إظهار سطوته وقوته في المنطقة، و بسط نفذه على المناطق العراقية التي خصصت له، و من ثم إظهار الكرد على أنهم فصيل مضطهد من قبل العرب، و على ما تقدم يقسم العراق، و إن أسس التنظيم دولته فذاك يعني اقتطاع مناطق من سوريا تبدأ من الريف الشرقي لدير الزور و الحسكة وتنتهي في مناطق الريف الشمال لحلب و إدلب..في امتداد يصلها بمنفذ على البحر المتوسط، ولهذا كان اقتحام مدينة كسب في ريف اللاذقية الشمالي أيضاً، في عملية شهدت مذبحة القرن الواحد و العشرين بحق الأرمن و التي نفذها التنظيم الإرهابي بتغطية نارية من المدفعية التركية.
هذه التوطأة تأخذ إلى سؤال يقول .. ثم ماذا بعد...؟
في جملة الجرائم التي نفذها التنظيم في العراق كان لابد من بروز الدور الأمريكي، فالإحراج الذي تسببت به وزيرة الخارجية السابقة يجب أن يستر بعمل إنساني من قبل الإدارة، وعليها أن تقوم بتحرك عاجل تحت المظلة الإنسانية، ثم يصدر قرار عن مجلس الأمن، بعد ذلك يحاول المجتمع الأوروبي أن يصل إلى دمشق عبر الطريق الوعرة، فالملف الأمني آخر ما يمكن أن تحتاج الحكومة السورية المعونة فيه، ذلك بكون قوات الجيش العربي السوري  أثبتت قدرة رفيعة المستوى من ناحية العمليات القتالية في حرب العصابات، وبمراجعة بسيطة لميدان القتال نشهد أن انتصارات الجيش السوري العريضة و المتتالية على الإرهاب الدولي في أوكاره التي عشش فيها ما يزيد عن الثلاث سنوات، تعني أن الغرب أدرك قوة هذا الجيش و مسألة استنزافه مع وجود حلفاء من قبيل روسيا و الصين و إيران، أمر مستحيل.
بالتالي على أي أساس تسرب الأخبار عن وجود تنسيق أمني بين دمشق و واشنطن، إن كانت سوريا لا تحتاجه، فالمنطق يقول ما  الذي يمكن أن تقدمه القوات الأمريكية لـ دمشق إن كانت موسكو حليفتها، فما الذي تمتلكه القوات الأمريكية من تقنيات لا تمتلكها القوات الروسية، و إن كانت دمشق بحاجة لـ معونة، فهل يعقل أن تترك السياسة الروسية المجال لـ أمريكا – مع التذكير بالخصومة التاريخية-  أن يتقدم في منطقة تعتبرها منطقة نفوذ طبيعي لها..؟
و على ذلك فإن التنسيق بين القوات السورية و الروسية في مجال المعلومات الإستخبارية أمر مجزوم النقاش فيه، مما يؤدي إلى أن التقنيات العسكرية الروسية وضعت في خدمة الجيش السوري، وهذا أمر طبيعي في أي حرب، وخصوصاً في الحروب التي تعتمد كسر العظم.
المحاولات الأمريكية اللاهثة لـ إعادة داعش إلى الطريق نحو دمشق، فشلت، و تخوف الحلفاء الأوروبين من انتهاء المعركة القريبة في سوريا، يفرض عليهم أن يضعوا احتمال امتداد العمليات السورية إلى ما بعد الحدود، بحيث ستقوم بملاحقة التنظيم في الأراضي العراقية المتاخمة لحدودها لتضمن عدم عودته إلى أراضيها، مما خلق حالة من الذعر لدى الأوروبين خوفاً من إرتداد الجهاديين إلى أوروبا و أمريكا، بكون معظم هؤلاء من حملة جنسياتها.
عمليات الجيش العربي السوري في محيط مطار الرقة والضربات الجوية المركزة على مقرات التنظيم في الفترة الأخيرة و التي تأتي في إطار وعد الأسد خلال "خطاب القسم" لأهالي المحافظة بأن تكون المنطقة آمنة خلال أقصر فترة زمنية ممكنة،
يضاف إلى ذلك استعادة المليحة بالقرب من العاصمة السورية، ومن قبلها سرعة استعادة حقل الشاعر من قبلها، و كذلك الفشل الكبير لداعش في دخول محافظة الحسكة، وانتفاضة العشائر العربية في شرق دير الزور ضد التنظيم، ومن قبل كل هذا حسم معركة القلمون وضرب الممرات غير الشرعية بين سوريا و لبنان، معطيات ميدانية لا يمكن أن تتجاهلها الدول الأوروبية، لتضع أمريكا في زاوية تجبرها على أمرين.. إما أن تذهب باتجاه تصعيد الأمر أكثر في سوريا بما يخدم بقا ءالجهاديين بعيداً عن دولهم، أو القضاء على هذا التنظيم في سوريا و العراق، دون أن تقوم له قائمة بعد ذلك.
على هذا فإن الأمريكيين و الأوروبيين أمام ضرورة انتهاج ازدواجية سياسية و أمنية، الأولى تقضي بأن تقوم أمريكا بالتوجه إلى العراق، لتضرب التنظيم فيه وتحافظ على أهدافها الإستراتيجية، بحيث تضمن انفصال كردستان عن العراق، الأمر الذي يوفر التمويل اللازم لحربها عن طريق نفط الإقليم الذي ستقدمه حكومة كردستان رخيصاً لـ أمريكا مقابل الدولة الحلم، مع التركيز على أن تكون الإستثمارات الأمريكية و الإسرائيلية التي أنشأت في الإقليم إبان احتلال العراق من قبل القوات الامريكية في العام 2003، كما تضمن أيضاً أمن مراكزها الاستخبارية التي يمكن أن لا تروق لحكومة عراقية قادمة ذات مدّ قومي.
وعلى ذلك فإن المهمة التي أنيطت بالتنظيم الإرهابي داعش من قبل المخابرات الأمريكية في الفترة الماضية كانت تتركز فيما ارتكبه من جرائم لتبرير هذا الدخول الأمريكي و الذي احتاج لـ تمثيلية ذبح الصحفي الأمريكي التي لم يظهر الفيلم أي نقطة دم تنزل من عنق "جيمس فولي" حينما بدأ الإرهابي المفترض بحز رأسه، وهنا ( يمكن مراجعة الفيلم و ملاحظة اللقطة التي تسبق قص الفيلم الأمريكي الصنعة، لتظهر الجثة و وفقها الرأس، حيث مرت السكين على عنق الصحفي أكثر من ثلاث مرات بحركة قاسية و لم يظهر الدم.. فهل قطع رأسه حقاً.. يضاف إلى ذلك رباطة الجأش التي قابل بها الصحفي الموت موجهاً رسالة لا تظهر أي خوف من الموت الذي سينتظره بعد إنهاء رسالته).
لكن الإدراة الأمريكية احتاجت هكذا تمثيلية كي تمارس تأثيرها على الرأي العام الأمريكي لكسبه في حربها ضد التنظيم، التي تهدف لـ إجباره على العودة إلى سوريا، و عليه فإن التنظيم سيحتاج لمزيد من العنف في الداخل السوري ليثبت وجوده في المنطقة فالجيش السوري سيكون من أمامه، ومهمته ليست سهلة، ولهذا الغرض كانت معركة مطار الطبقة التي فشل و سيظل في اقتحامه بهدف التمدد نحو المناطق الجنوبية من الصحراء السورية حيث الحقول النفطية، و من المهم هنا الالتفات إلى الأخبار التي تتوارد عن قيام التنظيم باستقدام بعثات تنقيب عن النفط، مما يشير إلى وجود تعاون كبير من قبل التنظيم مع حكومات قائمة بحد ذاتها، تعمل على أخذ النفط السوري و العراقي بطريقة صحيحة لا كما يقوم التنظيم بتهريبه الآن، وأول هذا الدول توقعاً تركيا.
لكن في الوقت ذاته كان على الأوروبيين أن يوفروا سياسية كفيلة بحفظ ماء الوجه، والعلاقة المستقبلية مع سوريا التي تفرض وجودها بواقع انتصارها، ولأن التاريخ يقول أن الغرب لا يفاوض إلا الأقوياء، فإن التوجه الأوروبي نحو البحث عن طريق توصل إلى دمشق، فطرحت التنسيق الأمني و للبحث عن السرّ في ذلك يمكن قراءة جملة المواقف التي يعكسها الرئيس السوري بشار الأسد ليثبت ارتياح سوريا.
ففي الحروب عادة ما يكون تركيز الحكومات على الخروج من المعركة محققة النصر، الحكومة السورية ممثلة بشخص الرئيس الأسد، تعمل بطريقة أخرى أعجزت أوروبا في بحثها عن سبب القوة السورية، فالرئيس الأسد يصدر مراسيم تشريعية لها علاقة بالحياة السورية الداخلية و كأن الحرب غير موجودة، و آخر هذه المراسيم كان المروسمين / 36 و  37 /، اللذين يتعلقان بقضية تنظيم آلية بيع وشراء السكن الشعبي في سوريا، ومن قبلها مرسوم بإحداث المدرسة الإلكترونية السورية، وهذا يترافق مع نشاط مجتمعي مكثف من قبل السيدة أسماء الأسد عقيلة الرئيس السوري، الأمر الذي لا يمكن تفسيره إلا على أنه الارتياح التام لـدمشق لمجريات الميدان.
 فـ الأسد صدق في وعده و القوات السورية تركز ضرباتها الجوية على مقرات داعش في الرقة تمهيداً لتحريرها، مما يعني أن الرئيس الأسد أعلن نصر بلاده برفض التنسيق الأمني مع أمريكا، الأمر الذي أحرج مسؤوليها الذي ترأس قائمة مغازلي سوريا فيها أوباما حينما قال" الشعب السوري يستحق حياة أفضل من الحياة مع الإرهابيين".
ازدواجية السياسة الأوروبية  و الأمريكية تجاه الملفين السوري و العراقي، ليس بالجديد، وقطعاً لن يكون الإنسان السوري أو العراقي محط أنظار هذه الدول التي تسعى جاهدة لتفتيت المنطقة و الهدف من وراء ذلك، إعادة توزيع القوى في العالم بالسيطرة على مصادر الطاقة فيه، محققين خريطة الشرق الأوسط الكبير التي لا تذكر بشيء إلا بـ سايكس بيكو جديدة بدءها أوباما بـ بلفور جديد لكل من داعش و كردستان.
في المحصلة إن خرج داعش عن أوامر المخابرات الأمريكية أو نفذها بدقة، أو إن صدقت أمريكا بنيتها في تدمير هذا التنظيم الإرهابي أو كذبت، لا فرق في الأمرين، فالمنطق يقول فتش عن المستفيد، و البوصلة تشير إلى أمريكا في كلا الحالتين تخدم مصالحها ومصالح الغرب و من قبله إسرائيل بمحاولة تفتيت كل من سوريا و العراق، لكن النتيجة لن تأتِ كما تشتهي الإدراة الأمريكية التي ترتطم أمواج غيها بصخرة إعلان الأسد غير المباشر للنصر.