حلب بوابة النصر

حلب بوابة النصر

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ أغسطس ٢٠١٤

 لم يكن التقدم الى مستشفى الكندي مجرد استعادة لموقع، ولم يكن التقدم باتجاه قرية الجبيلة القريبة من سجن حلب المركزي وتحريرها إضافةً الى كتيبة الأمن المركزي إلاّ في سياق التقدم باتجاه الإطباق على طريق الكاستيلو، وهو طريق الإمداد الوحيد للجماعات المسلّحة في أحياء حلب الشرقية.
هذان التقدمان وُجهتهما الرئيسية حندرات وهي العملية الضرورية، ولحندرات امتدادٌ هام يشمل المخيم والقرية، فلا يمكن لأية قوات أن تتقدّم من مشفى الكندي باتجاه رحبة الجندول ورحبة الشقيف الا إذا أمّنت طريق تقدمها من الجهة الشمالية لضمان عدم القيام بأيّ التفافٍ على القوات المتقدمة لقطع طريق الكاستيلو.
التقدم الثالث في حلب هو في حي الزهراء في محيط جامع الرسول الأعظم، وهي المنطقة التي يتواجد فيها مقرّ المخابرات الجوية الذي صمد بشكلٍ أسطوري أمام أشرس الهجمات.
إنجازاتٌ أخرى في الريف الغربي والجنوبي لحلب لم تمضِ عليها أيام بموازاة اختراقات جدية في جبهات المدينة الداخلية.
المعارك الدائرة بين داعش والجماعات المسلّحة الأخرى في الريف الشمالي ستؤدي الى إضعاف الطرفين، ممّا سيمكّن الجيش العربي السوري لاحقاً من إتمام عملياته بشكلٍ أسهل.
التقدم البطيء للجيش السوري على محور حندرات ليس سببه عدم قدرة الجيش على إتمام العملية وإكمال الطوق، إنما سبب ذلك يعود الى رغبة الجيش بإبقاء طريق الكاستيلو تحت مرمى نيرانه لفترةٍ قادمة، والسبب هو إتاحة الفرصة للجماعات المسلّحة للخروج من المدينة، ويؤكّد هذا المنحى أنّ سيارات المسلّحين غالباً ما تتعرّض للقصف وهي تدخل الى المدينة وليس أثناء خروجها منها.
العائق الوحيد أمام تقدّم الجيش السوري لقطع طريق الكاستيلو تقنياً هو قدرة الجماعات المسلّحة على استهداف تقدم الجيش نظراً لتمركزها في بنايات اليغانس وشركة الشقيف والعلبي، التي تشرف بالنظر والنار على خطوط التقدم المحتملة للجيش السوري باتجاه الكاستيلو، إلاّ أنّ تجارب الجيش السوري مع هذا النوع من القتال سيسهّل على وحداته تجاوز هذه العقدة بتعاونٍ وثيقٍ ما بين سلاحي الجو والمدرّعات وقوات النخبة.
ما يجري على جبهات حلب هو نفسه تقريباً ما جرى في المليحة وما يجري الآن في جوبر وأغلب الجبهات السورية، والسمة الأساسية لطبيعة الأعمال القتالية الدائرة هي العمل بوحدات صغيرة من قوات النخبة بعد سلسلة من الإنهاكات للجماعات المسلّحة تواكبها عمليات سيطرة بطيئة من خلال قضم المناطق بالتدريج بعد أن يتمّ عزلها وحصارها.
المراحل الأولى القادمة من معارك حلب ستشتدّ قريباً وربما ستحسم بسرعةٍ كبيرة، نظراً لما تعانيه الجماعات المسلّحة من إنهاك ونقص في الإمدادات لسببين هما:
1- سيطرة الجيش العربي السوري بالنار على طريق الكاستيلو وإعاقته عمليات التنقل والإمداد.
2- عدم انتظام المعونات عبر الحدود التركية والنقص الهائل في حجم المعلومات والتنسيق، وانشغال هذه الجماعات بالقتال ضد داعش.
من المتوقع أن لا تطول المعارك بين الجيش العربي السوري والجماعات المسلّحة كثيرًا، وربما تعجل المصالحات مسارها خصوصاً أنّ الكثير من المبادرات والاتصالات أصبحت على نارٍ حامية وقد تشكّل هجمة داعش سببًا لتسريع هذه المصالحات.
على الجهتين، سواء السيطرة على أحياء مدينة حلب الشرقية بالقوة أو بنتيجة المصالحات، فإنّ الأمر سيُخرج المدينة كلياً من دائرة القتال بما فيها القتال على أبوابها، لأنّ أية عمليات قادمة للجيش العربي السوري لن تترك المدينة تحت رحمة نيران الجماعات المسلّحة أو داعش على بواباتها سواء الشمالية أو الغربية أو الغربية الجنوبية، وعليه فستكون كفرحمرة هدفاً طبيعياً وفي سياق أية عملية قادمة حتى لو نُفذت على مراحل، وهذا سيجعل حي الزهراء بالكامل في حالة من الأمان ويحرّره من ضغط المعارك الحالية.
غرباً وجنوباً، ساهمت العمليات الأخيرة التي سيطر خلالها الجيش على تل عزان وتل خان طومان في توسيع نطاق الحماية حول منطقة الراموسة التي يمر فيها الطريق الوحيد الى حلب عبر خناصر، كما أنّ العملية باتجاه خان طومان لن تتوقف وستكون حدود مراحلها الأولى تحرير الزربة والمحطة الحرارية فيها، إضافةً الى الاندفاع باتجاه الجنوب لإعادة فتح الطريق الأساسي بين دمشق وحلب، وهو أمرٌ مرتبط بمعارك أخرى في ريف حلب وريف حماه.
المعارك اللاحقة والتي لن تطول المدة الزمنية لحدوثها ستكون بين داعش والجيش السوري وستحصل على أطراف مدينة حلب البعيدة وليس القريبة، وهي معارك تحرص داعش قبل الدخول فيها أن تسيطر على المطارات العسكرية في كويرس الواقع في الريف الشرقي الجنوبي ومطار الطبقة الذي تدور حوله معارك عنيفة منذ أيام.
والسبب المباشر في حرص داعش للسيطرة على هذه المطارات هو إطالة الفترة الزمنية بين إقلاع الطائرات وتنفيذ مهماتها، لتمكين أرتال وقوات داعش من التحرك بحريةٍ أطول فترة ممكنة.
استباقياً، ورغم صمود هذين المطارين بدأ الجيش السوري باستخدام طائرات الاستطلاع بدون طيار على أجواء المعركة، وكذلك استخدام الطائرات الحديثة كالميغ -29 التي أدّت غاراتها في الطبقة الى إحداث ضررٍ بالغ في قوات داعش.
إنّ حسم معركة مدينة حلب قريباً سينهي مرحلة هامّة من المعارك ويعيد الى حضن الوطن بالكامل العاصمة الإقتصادية للبلاد.
ومن يراقب سير المعارك يعلم أننا على مشارف انتهاء سيطرة المسلّحين حول المدن الكبرى وانتقال المعارك الى الأرياف البعيدة.
هذه المرحلة هي مرحلة الانتقال الى نموذج جديد من القتال، سيكون فيه لنتائج المعارك الحالية الدور الأكبر في هزيمة أية مجموعة تضع نفسها بمواجهة وحدات الجيش العربي السوري.
ومن المتوقع أن يتمّ تحرير العديد من المناطق بعد إحداث هزائم متتالية بالجماعات المسلّحة، إما بالإنسحاب أو بعقد مصالحات.
وكما قلت سابقاً أكرر اليوم بأنّ قناعتي الراسخة هي أنّ انتصار حلب سيشكّل البوابة الواسعة الى نصرٍ تامٍ وناجزٍ على كامل الأرض السورية.