داعش وتقاطع المصالح الأميركية التركية السعودية

داعش وتقاطع المصالح الأميركية التركية السعودية

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ أغسطس ٢٠١٤

 فوجئت الناس بداعش وقد احتلّت الموصل بسهولةٍ مذهلة، والإنطلاق نحو محافظاتٍ أخرى بلغت حوالي ثلث مساحة العراق الشاسعة، قد يعجز جيشٌ جرّار عن الإستيلاء عليها، وهي ما زالت تتوسع في كل من سوريا والعراق وتتطلّع الى دولٍ أخرى كالأردن ولبنان، ترتكب المجازر الفظيعة في الموصل وفي سنجار وفي تلعفر ونواحي نينوى وصلاح الدين، وصولًا الى أطراف كركوك في العراق، والى دير الزور وريف حمص الشرقي والرقة وصولًا الى ضواحي دمشق في سوريا، بحق الجيش العراقي أولًا، وبحقّ المسيحيين والأزيديين والشبك والتركمان وبقية المكونات الإجتماعية العراقية الطائفية والمذهبية تاليًا، غولٌ انقضّ على المجتمع العراقي ـ السوري، ويهدد بقية المجتمعات العربية وشعوبها، معلنًا بالذبح جئناكم، يطرح ذلك الأسئلة الصعبة حول ماهية هذا التنظيم الإرهابي الذي قوي وتوسع فجأةً بشكلٍ بات يهدّد مصائر دول وشعوب المنطقة بأكملها، من أين جاء؟ كيف نما وتوسّع بهذا الشكل المخيف؟ ومن هي الجهات الداعمة والحاضنة له، وما هي الوظيفة السياسية التي أنشئ من أجلها؟
حكمًا، لا يخفى على أحد الجذور القاعدية لداعش، عندما بايع أبو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة أيمن الظواهري، وعندما بدأ تفجير المساجد والحسينيات ودور العبادة والأسواق العامة والشعبية في العراق لإثارة البلبلة والإنقسام، لكن ما كان يخفى على الجمهور الحاضنة السياسية والمالية لهذا التنظيم الإرهابي، رغم أنّ كلّ المؤشرات كانت تدل على الولايات المتحدة الأميركية كمستخدمٍ وكدورٍ وظيفي يهدف للتغطية على الإحتلال.
كانت داعش تنظيمًا صغيرًا عمل بالأجرة لمن يدفع، استخدمته الولايات المتحدة حين احتاجته، ولم تقطع صلتها به بعد الإنسحاب، فبقي كورقةٍ احتياطية يمكن أن تستخدم غبّ الطلب.
عندما انفجرت الأزمة السورية، وعندما تثبت عجز التحالف الذي أدارته الإدارة الأميركية مع حلفائها الخليجيين والأتراك عن إسقاط النظام في سوريا أو زحزحته، بدأت أنظار ذلك التحالف تتجه نحو داعش للعمل بالإكراء لديها لتنفيذ مشروع تفتيت المنطقة، فشل مشروع أردوغان في سوريا، كما فشل المشروع الأميركي ـ السعودي ـ القطري رغم اللجوء الى داعش بسبب صلابة المواجهة السورية، فانتقل المشروع الى العراق مستفيدًا من الإنقسامات المجتمعية التي تشكل عاملًا مساعدًا.
توحّدت الغرف السوداء الأميركية ـ التركية ـ السعودية ـ القطرية ـ الأردنية للقيام بالدور القذر في العراق، فجرى تجهيز السيارات الرباعية الدفع في الرقة وتمّ تسهيل مرورها عبر تركيا الى الموصل بالتعاون مع طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي السابق المحكوم بالإعدام والهارب الى تركيا، كان التمويل سعوديًا عن طريق وضع الأموال في حساب شركة تجارية باسم طارق الهاشمي، الذي يحوّلها بدوره الى حسابٍ لعزة الدوري في أحد بنوك كردستان ويقوم هذا الأخير بنقل الأموال لداعش.
عددٌ من مشايخ الوهابية السعودية كانوا قد اقترحوا على الملك السعودي تخصيص جزء من عائدات الحج لدعم داعش وعوائل قتلاهم، "لكي تحل البركة في أرض المملكة" كما جاء في اقتراحهم.
كذلك استفادت داعش من المساعدات الغربية التي تقدّم الى إقليم كردستان التي كان يحوّل البرزاني قسمًا منها الى داعش على قاعدة صراعه مع المالكي كعدوّ مشترك لهما وحلم الإستيلاء على كركوك، كانت قوات البشمركة الكردية تؤمّن المحروقات والمواد الغذائية لداعش وبعض المعدات والمستلزمات اللوجستية كما جاء في التقرير الروسي الذي قدّم مؤخرًا للحكومة العراقية.
تولّت تركيا تأمين المعدات وقطع الغيار والذخيرة ومعدات الإتصال، ولا زالت صيانة معدات وآليات داعش تجري في تركيا لغاية الآن، مقابل أن تقوم داعش بتوريد النفط الذي تحصل عليه من حقول العراق وسوريا عبر تركيا تعويضًا عن الخسائر الكبيرة التي منيت بها جرّاء صراعها مع سوريا والعراق ومصر والإمارات والتي بلغت 18 مليار دولار، فيتمّ تصدير النفط عبر تركيا الى شركات تركية وأميركية وصهيونية، وقامت الحكومة التركية بشراء 200 سيارة تويوتا يابانية وجهزتها بالمعدات وأجهزة الإتصال وقدمتها لداعش من حساب أموال النفط ومن بعض المساعدات الغربية.
وجاء في التقرير الروسي المشار اليه أنّ الحكومة الأردنية تولّت في المشروع المشترك المشار اليه عملية تدريب عناصر داعش وتزويدها بالمعلومات الإستخبارية حول تحرك الجيشين السوري والعراقي والبنية التحتية وتحديد نقاط الضعف والقوة للجيشين وقد سلّمت وثائق بذلك للحكومة العراقية.
يظهر ذلك عدم جدية وصدقية التحالف الدولي الذي أعلن عنه تحت عنوان محاربة الإرهاب، ولا سيما القرار الملتبس والضبابي الذي صدر عن مجلس الأمن والقابل للتفسير وفقًا للتوجهات والرغبات.
ثمة معطيات كثيرة وكبيرة وتفصيلات حول داعش ورعاتها والمشاريع المعدة للمنطقة والموكل لداعش تنفيذها بدءًا من العراق وسوريا ومرورًا بلبنان ودول أخرى سيكون لنا تفصيلات حولها في قادم الأيام.