التجربة السورية.. بقلم: سامر يحيى

التجربة السورية.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٢١ أغسطس ٢٠١٤

لا تكاد تجد ما يسمّى "الفريق الاقتصادي" في أي من حكومات الجمهورية العربية السورية قادراً على أن يتفّق بكامل أعضائه على رأي أو تفسيرٍ أو مصطلحٍ واضح، بل لتبريرٍ منطقي لخطأ حصل، أو توضيح نجاحٍ تحقّق، إنّما عادةً تكون تبريراتٍ لا منطقية، أو شخصانية بحتة، بالرغم من وجود خطّ نظري اقتصادي واضح، منذ سبعينيات القرن الماضي، سواء عبر سياسة الاعتماد على الذات والسوق الاشتراكية، أو اقتصاد السوق الاجتماعي..... إلى ما هنالك من تسمياتٍ يتحدّث عنها كل فريق، بغضّ النظر عن نجاحها أو فشلها.
 إن هذا الخلاف هو الذي سهّل للأعداء التسلّل من خلاله لتنفيذ المؤامرة التي لم ولن تتوقّف ضد سوريتنا، ما يتطلّب منّا التخلّص من هذا الموضوع عبر الدراسة الجدية المنطقية المعتمدة على أسسٍ سليمة تناسب الوضع والإمكانات الاقتصادية الحقيقية، بعيدةٍ عن الشخصانية، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن التفكير الوطني سيصب بمصلحة الجميع دون استثناء، أما التفكير بمصلحة شخصية سيضر الوطن والشخص نفسه وإن حقق ربحاً لفترةٍ زمنية معيّنة.
 لا أريد الخوض في التنظير والكلام المجاني الخطابي البعيد عن الواقع، والكلّ يعرف أن المسؤول وخاصّة في الفريق الاقتصادي، يتحدّث بلغةٍ قبل تسلّمه المنصب مختلفة عن حديثه أثناء تسلّمه المنصب، وتكاد تكون متناقضة بعدما يترك المنصب، وبالتأكيد هذا ليس خطأً، فالإنسان يتطوّر والفكرة تتطوّر، إنّما الخطأ واللامنطقي هو عدم الاستفادة من هذه الأفكار، لا من خلال التجربة العملية، ولا بعدها ولا قبلها، ولا حتى زملائه، فمن الخطأ التسليم بالواقع دون الاستفادة منه وتحدّي المعوقات، ولا أقصد هنا الصدام مع من يحاربك أو يخالفك الفكرة، بل من خلال المنطق والبحث عن السبيل الأمثل بالحوار والنقاش، "فلا يمكن لنا أن نمنع الريح العاتية، إنّما بإمكاننا إيجاد أفضل السبل لتفاديها ومجابهتها بالطرق المناسبة وضمن الإمكانات المتوفّرة"، وعندما نقود السيارة بفنٍ وحكمة وذوق، نصل للهدف المنشود بالطريقة الأفضل، رغم الرياح التي تواجهنا، والمعوقات بوجود شخص أو حيوانٍ أو سائق مخمور، بينما انعدام التفكير بالتسرّع الزائد، يؤدي لحادث مروري يودي بحياتك وحياة من معك عدا عن الأضرار المادية، وبنفس الوقت فإنّ البطء الزائد قد يؤدي للتأخير عن العمل، وإضاعة الوقت، عدا عن حوادث قد يسببّها هذا البطء، فالسير الطبيعي في الخط القويم، ضمن حسابات منطقية ومدروسة مستندة إلى أرض الواقع هو الحل الأمثل لتحقيق الطموحات الوطنية.
 ما نحتاجه في سوريتنا ليست تجربة دولٍ أخرى، ولا تجارب فردية أو شخصية تحوي السمّ بالدسم، عن سوء أو حسن نيّة، بل التجربة السورية الوطنية الحقيقة المستندة إلى أرض الواقع والمستفيدة من كل التجارب السابقة، بهدف استكمال بناء الوطن وتحقيق مصلحة أبنائه..
 آمل أن تجد هذه الكلمات التي تحدّثت بها بعض الآذان لدراستها بشكلٍ جدّي، بما يساهم بفتح باب نقاشٍ، وخاصّة في ظل الحديث عن بطاقةٍ ذكية، وإعادة توزيع الدعم لمستحقّيه، وغيرها من الأفكار التي تطرح أو يتم الحديث عنها، أو تجربتها هنا أو هناك، فأقول نحن لسنا بحاجةٍ للتجارب، نحن بحاجة الدراسة الجدية الكافية والوافية لأي تجربةٍ قبيل تطبيقها، فقد مللنا بل تسبّبنا بخسائر كبيرة للوطن من وراء التجارب المختلفة التي لم تفضِ إلا للأسوأ، فعلى سبيل المثال، البطاقة الذكية قد لا تصل إلى كل نقاط القطر، وخاصّة الريف ومن لا يزال لا يتعامل مع التكنولوجيا الحديثة مثل كبار السن، مما يفتح باباً جديداً للمرتزقة وتحقيق فائدة لشخصيات معيّنة على حساب الوطن وأبنائه، فقد يكون مفيداً بالمرحلة المبدئية، دراسة إمكانية إيجاد بطاقة تستند للرقم الوطني، تكون بديلاً عن البطاقة التموينية، لتزويد المواطن بالمواد الأساسية بشكلٍ موسّع، عبر آليات عمل مدروسة تتناسب مع الإنتاج الحقيقي والضرائب المنطقية التي تساهم في دعم الخزينة العامة، وتصب بمصلحة المواطن وصاحب المنشأة أياً كانت، ويفتح الطريق لإنشاء "الصندوق الوطني للتنمية"، المموّل من الموازنة العامّة للدولة ومصادر مدروسة بحكمة ووطنية، لدعم كل مواطنٍ يحمل الرقم الوطني، أو حتى منشأة بمبلغٍ شهري مدروس، ولاسيّما أن وزارة الداخلية وبعض الجهات الأخرى، لديها معلومات شبه وافية عن غالبية المواطنين والمنشآت الصناعية والزراعية والتجارية، ومن ثمّ ـــ وأؤكّد ــ ومن ثم يتم إلغاء الدعم عن كامل المواد دون استثناء، وتعود الأموال المخصّصة للدعم لصالح الصندوق، إضافةً للضرائب الحقيقية المفروضة على المنشآت كافّة، والتي تتناسب مع حجم الإنتاج والدعم، ما يقفل ثغراتٍ كبيرة للفساد والتهرب الضريبي، وبذلك قد تكون عائدات "صندوق التنمية" أضعاف ما يدفعه الصندوق، وبنفس الوقت حصول الجميع على التعويض المناسب، ومن لا يستحق تلقائياً سيخرج من المعادلة، لأنّه سيدفع الضرائب وفقاً لدخله الحقيقي، سواءً كان تاجراً أو مجرّد عامل عادي أو لا يملك عملاً.. وكانت لدينا تجربة قانون الاستثمار رقم عشرة لجذب الاستثمارات..
 إن هذه الفكرة في حال دراستها بشكلٍ منطقي ستؤدي لتطويرها، والقضاء على الفساد والطوابير والتجمّعات للحصول على المواد الغذائية والقضاء على الهدر، ومنع الاحتكار والاستئثار والاستغلال، والقضاء قدر الإمكان على الثغرات، لأنّ من الصعوبة بمكان تقدير من يستحق أو لا يستحق، فكلٌّ منا يعتبر نفسه أنه يستحق، وقد يكون أغنى الأغنياء، وبنفس الوقت قد تجد فقيراً معدماً، وتحسبه غنياً من التعفّف.
 أؤكد دوماً على أننا بأمس الحاجة للتفكير الجدي المنطقي المدروس بناءً على تجاربٍ سابقة، لنخرج بتجربةٍ سوريةٍ خالصة غير قابلة للتجريب الجزئي بل للتطبيق الفوري والإنتاج الحقيقي، وعندها نصبح نحن من يلقّن الآخرين الدروس، ليس بالصبر والصمود فقط، بل أيضاً بالإبداع والإنتاج وتحقيق العدالة الاجتماعية دون استثناء أحد، وهذا لا يتطلّب سوى أن يضع كل شخصٍ نفسه مكان الآخر، للوصول إلى قرارٍ حقيقي صائب، فنحن "نحتاج كفاءات لا خطابات وتبريرات"، والكفاءة يثبتها العمل الجاد الذي يتجاوز غالبية المعوقات والتحدّيات، فلا يمكن لفاشل أو ناجح جزئياً في موضوعٍ ما أن ينجح في موضوعٍ آخر، فالفاشل فاشل أينما وجد، والناجح ناجح أينما وجد، إن لم يطوّر الاثنان نفسهما، ولكن هناك فرقٌ بين فاشل يدمر المؤسسة التي يعمل بها، وبين ناجح يسعى لتكون مؤسسته أكثر نجاحاً وتألقاً رغم المعوقات والظروف.
 إن سوريتنا تحتاج فكر كلٍ منا, وجهد كل منا, ومشاركات كلٍ منا, ولو كان في غير اختصاصه، فربّما رميةٌ من غير رامٍ تؤدي لتحقيق نجاحٍ, فكل منا يجب أن يبدأ بنفسه لاستكمال بناء الوطن وتطويره وتحقيق مصالح أبنائه ككل، ونرد جزءاً من الجميل لأرواح الشهداء الذين ضحّوا بدمائهم لينتصر الوطن..