جنة علماء الآثار.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

جنة علماء الآثار.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الأحد، ١٧ أغسطس ٢٠١٤

لم يكن عالم الآثار الألماني أوين هايم مغالياً عندما وصف سورية بقوله ذات مرة إنها " جنة علماء الآثار ". ذلك لأنّها ومنذ أن عرفها الإنسان كانت حقاً جنته على الأرض. وفي الوقت نفسه كانت وطنه أينما ولد وأينما كان يعيش. وهذا ما حمل مدير متحف اللوفر آندريه بارو ذات مرة على القول على كل إنسان متمدن في العالم أن يقول لي وطنان : وطني الذي أعيش فيه وسورية.
ولم يكن دافع بارو إلى قول هذا فقط لأن سورية البلد الذي وجد على طرق دولية تربط القارات الثلاث أوربوا وآسيا وإفريقيا بعضها ببعض، وليس فقط لأنها ممر تجاري بين الداخل والبحر من جهة، وبين الغرب والشرق من جهة أخرى، فضلاً عن مزايا اكتسبتها بحكم وجودها في المنطقة التي أعطت البشرية الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ولكن أيضاً لأنها كانت ولا تزال إلى يومنا هذا، في تقدير الإنسان المتمدن وطنه الثاني أينما وجد. وفي السياق ذاته جنة علماء الآثار.
إن ما يستوقف أحدنا وهو يقرأ قول عالم الآثار أوين هايم هو عبارة " المتمدن ". والمتمدن يفترض أن يكون من أصدقاء ومحبي الآثار، لا عدواً لها على غرار ما شاهدناه في سياق الحرب الهمجية التي شُنت ولا تزال تُشن على سورية منذ ثلاث سنوات وأربعة أشهر تقريباً, أن الإنسان المتمدن يرفع من شأن الأرض الطيبة التي تكتنز آثار حضارة الإنسانية عموماً حيث تبدو فيها خصائص البشريّة وقيمها على مدى الأيام. ومعروف لدى علماء الآثار أنّ ما هو غير متوافر في باقي الدول، بما في ذلك الدول التي غزت سورية في القرون الفائتة وله علاقة بتاريخها، معروف لديهم أنّ سورية تمتلكه، وفضلاً عن ذلك، تمتلك أربع قرى موجودة على أرضها حصراً ويتحدث أهلها بلغة السيد المسيح هي معلولا وجبعدين وبخعة وقلدون.
هذه القيمة تتميز بها سورية اليوم وفي كل يوم آت، وتؤكد في الوقت نفسه على تلاحم أبناء شعبها في أيامها الصعبة الراهنة وذلك رداً على محاولات البعض من دول الغرب، التي يحلم زعماؤنا بماضيهم كما لو كان حاضراً أمام أعينهم, وهو لا يتخطى وهماً يداعب صاحبه. وفي هذا السياق تبقى سورية دائمة الحضور في الذاكرة الجمعية للبشرية، وقد جاء في قول أحد علماء إيطاليا ما معناه أنّ بلاده تدين بحضارتها الأولية للذين جاؤوا إليها من سواحل سورية ولن تنسى ذلك أبداً. وليس في هذا القول من مبالغة فالتاريخ شاهد على ما منحه السوريون للغرب عموماً من أسباب الارتقاء والتقدم، سواء من بين شرائح رجال العلم أو الفن أو الأدب. ولهذا الاعتبار يزداد يوماً بعد يوم سخط الذين عرفوا سورية سائحين كانوا أم زواراً أم مقيمين إلى فترات معينة، يزداد سخطهم على الذين اعتدوا ويعتدون عليها وفي مقدمة ما اعتدوا عليه أوابدها التاريخية ومعالم حضارتها، هذا فضلاً عن إنسانها الذي أشادها حجراً حجراً وحافظ عليها إلى أن جاء زمن تسديد ما عليها من دين لأعدائها, لبقائها على العهد تحمل راية الدفاع عن حق الأمة في تقرير مصيرها, وهو ما لم يكن يوماً معترفاً به من قبل الدول التي لا تزال تحلم بعودة عقارب الساعة إلى الوراء.
iskandarlouka@yahoo.com