المقاومة تراكم خبرات وإنجازات وتنتصر!!

المقاومة تراكم خبرات وإنجازات وتنتصر!!

تحليل وآراء

السبت، ١٦ أغسطس ٢٠١٤

 عندما أجبرت المقاومة "إسرائيل" على الإنسحاب من لبنان تحت النار في العام 2000، شكّل ذلك حالة تأسيسية دافعة لانطلاق انتفاضة الأقصى في فلسطين، وعندما انتصر حزب الله في العام 2006  كسر القاعدة الذهبية لـ"إسرائيل" بأن تكون المعركة على أرض العدو وبقاء المدن والمستوطنات آمنة، كسرت هذه القاعدة لأول مرة، وقصفت المدن والمستوطنات الصهيونية، واختبأ اكثر من مليون ونصف مليون صهيوني في الملاجىء، شكّل ذلك الضوء الكاشف على نقطة الضعف الصهيونية، فبدأت غزة تنتج صواريخها بدعم ومساندة كل من المقاومة اللبنانية وسوريا وإيران استعدادًا لتكرار التجربة اللبنانية.
حاولت "إسرائيل" في العام 2008 ـ 2009 استباق هذا التطور الفلسطيني باستنساخ التجربة اللبنانية، لكنه كان قد سبق السيف العزل، كانت المقاومة الفلسطينية قد قرأت التجربة اللبنانية جيدًا واستلهمتها، فشل العدوان على غزة كما فشل في لبنان في إنجاز أهداف العدوان بسحق المقاومة ونزع سلاحها، إنجازٌ جديدٌ راكمته المقاومة واستلهمته، فحوّلت غزة الى مصنع للصواريخ، مستفيدةً من تراكم الخبرات من جهة، ومن مستوى الدعم المكثف الذي لاقته من الحلفاء من جهةٍ أخرى.
أعادت "إسرائيل" الكرّة عام 2012، هذه المرة بمشاركة وتآمر عربي واضح وصريح، خشيت الرجعية العربية من تطور حالة المقاومة، التي إذا ما أتيح لها أن تعبّر عن نفسها بجدلية التطور فإنها ستهدد ليس الكيان الصهيوني فحسب، وإنما تيجان المنطقة بأكملها، لذلك سعت "إسرائيل" بالتعاون مع عملائها من النظام الرسمي العربي لتكريس قاعدة القدرة على الردع السياسي، وترميم سمعتها العسكرية التي مرغت بالتراب في تجربتين متتاليتين في العام 2006 في لبنان، وفي العام 2008/2009 في غزة، وجاءت تجربة العام 2012 لتؤكد المؤكد، الزمن لا يعود الى الوراء، فالأيام التي كانت فيها "إسرائيل" تدخل المدن والقرى العربية وتتوغّل دون رادع انقضت، وضمان أمن مدنها ومستوطناتها قد انتهى الى غير رجعة، فكما نألم يجب أن تألم هي أيضًا، بالقدر المتاح من تراكم الخبرات والكفاءات والإمكانات.
وقع نتنياهو في سوء التقدير والغرور، وأساء هو ومؤسسته العسكرية تقدير قدرات المقاومة، ومستوى العمى الإستخباري لأجهزته الإستخبارية، وسقط ضحية تضخّم الأنا لدى هذا الكيان ونخبه السياسية والعسكرية، الأمر الذي زين لهم القدرة على الحسم العسكري، لا سيما بعد سلسلة المناورات التي أقنعتهم بالقدرة ليس على الردع فحسب، وإنما على الحسم أيضًا، لكن عمق المواجهة والتكتيكات الميدانية المتطورة التي لجأت اليها المقاومة أوقع نتنياهو وجيشه في أزمةٍ كبرى، تحوّلت الى أزمة أمن الكيان الصهيوني ومستوطناته ومواطنيه، وضعت نتنياهو وجيشه على المحك، وبدت هيبة الجيش الإسرائيلي وقدراته على حسم المعركة أمام علامة استفهام كبرى، لا سيما عندما اكتشف أنّ السلسلة الطويلة من المناورات التي أجراها جيشه بهدف تعويض الهيبة، وترميم قدرة الردع اللتين تضررتا كثيرًا جراء معارك تموز 2006 ومعارك غزة عام 2008 و2012 كانت عملة قديمة وغير صالحة للصرف، فالمقابل راكم ما راكم من خبرات، واستعدّ أيما استعداد.
وقع نتنياهو وحلفاؤه من العرب ممّن شجعوه على تدمير غزة في خيبة الأمل، استسهلوا الأمر، وبعضهم أبدى استعدادًا لتغطية الكلفة المالية للعدوان تحت عنوان تدمير حماس، وقع نتنياهو في الفخ، وفي خطأ التقدير، كما وقع أولمرت من قبل عندما طلب منه بعض العرب والأميركي سحق حزب الله ففشل، أراد نتنياهو من الحرب تحقيق أهداف عدة:
1- إعادة ترميم صورته أمام الجمهور الإسرائيلي، لا سيما أمام اليمين الصهيوني المتطرف الذي زايد عليه بعد خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم.
2- إظهار القدرة على حسم عدد من مساحات الصراع الداخلية التي تهدد حكومته، لا سيما المستوطنين.
3- إفهام سلطة أبو مازن أنّ أقصى ما يمكن أن يطمح اليه هو الوضع القائم، وأنّ المصالحة الوطنية التي ارتكز عليها في تعزيز مواقعه إنما سيجري تدميرها عبر تدمير غزة ونزع سلاحها، وأنّ التوقيع على بعض البروتوكولات والإنضمام لبعض المنظمات الدولية لن تمكنه من تعزيز موقعه التفاوضي.
4- بدت الفرصة العربية والإقليمية مؤاتية لكسر شوكة المقاومة في غزة، وفي إلحاق الهزيمة بها باعتبارها محاصرة، والتقدير بأنّ حركة حماس تعاني من أزمات عميقة مع المحيط، وهي فرصة لاختبار عمق التحالف الإسرائيلي الخليجي السري ومدى صلابته وإمكانية أن يصبح تحالفًا علنيًا.
دخل نتنياهو المستنقع مستندًا الى ظهير عربي، ومقتنعًا بأنّ المقاومة لن تقوى على المواجهة، وأنّ ما لديها من مخزون صاورخي سينتهي بسرعة جراء الحصار، وأنّ بإمكانه إقفال الأنفاق التي كانت المصدر الرئيسي لتهريب الصواريخ وموادها الأولية، لكن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر لأنّ المقاومة راكمت الخبرات، فتجربة العام 2006 وما تلاها من تجارب كانت كافية لصدم نتنياهو وجيشه وحكومته بقدرة المقاومة على الرد، وبالتكتيكات العسكرية والميدانية التي اتبعتها، وبقدرتها على الرد والمناورة، وبضخامة المخزون الصاروخي ومستوياته المتطورة، وبالمقاومة تهاجم في البر والبحر والجو، ولا تكتفي بوسائل الدفاع بل تستخدم طرق ووسائل وأساليب قتال لم يكن يتوقعها العدو وجنرالاته.
"إسرائيل" أمام هزيمة تحاكي هزيمة العام 2006 وربما تتفوق عليها، لناحية البعد الإستراتيجي، نظرًا لصغر مساحة غزة، ونظرًا لكونها محاصرة برًا وبحرًا وجوًا.
ما يجري في القاهرة على طاولة المفاوضات هو بشكلٍ من الأشكال استئنافٌ للصراع بأقصى أشكاله، هو تجسيد لميزان القوى الذي سينشأ مستقبلًا في العلاقة مع العدو رغم الضغوطات التي تمارسها الرجعية العربية على الفريق الفلسطيني المفاوض لحساب المفاوض الصهيوني، ربما تشكل نتائج تلك المفاوضات اذا ما أحسنت إدارتها وجرى التشبّث بالثوابت الوطنية الفلسطينية فرصةً حقيقيةً لتحديد مستقبل المنطقة، وللآليات التي سيدار الصراع القادم من خلالها، وربما تشكل نقطة ارتكاز لصياغة المستقبل السياسي للمنطقة بأسرها.