ماذا بعد المليحة؟

ماذا بعد المليحة؟

تحليل وآراء

الجمعة، ١٥ أغسطس ٢٠١٤

 كما شكّل سقوط بلدة القصير بداية مرحلة الهجوم المضاد لوحدات الجيش العربي السوري، وكما شكّلت يبرود الضربة القاصمة للجماعات المسلحة في منطقة القلمون وإغلاق خط الإمداد عبر لبنان، سيشكّل تحربر المليحة بداية مرحلة التهاوي لهذه الجماعات في الغوطة الشرقية كلّها. إشارةً الى أنّ ما يجري في الجرود هو عبارة عن عمليات شبه انتحارية صار كلّ همها كيف تؤمّن موارد بقاء المسلحين.
المليحة التي تشاركت مع جوبر مهمة رأس السهم في العبور الى العاصمة دمشق بهدف إسقاطها انتهت مهمتها، وبانتظار سقوط جوبر الوشيك فالمليحة باتت الآن نقطة ارتكاز وانطلاق لوحدات الجيش العربي السوري لتحرير باقي قرى وبلدات الغوطة الشرقية.
أربعة اشهر هي الفترة التي استغرقها تحرير المليحة، إلّا أنّ هذا التحرير تمّ على ثلاث مراحل، حيث لم تستغرق المرحلة الأولى أكثر من أسبوعين وتمّ خلالها تحرير أغلب مناطق البساتين المحيطة بالمليحة والسيطرة على أغلب ممرات التواصل بين المليحة ومحيطها، كما تمّ تحرير أجزاء هامّة من المناطق الجنوبية والوسطى للمليحة.
العمليات الأولى للجيش السوري تركّزت على تقطيع أوصال البلدة والقيام بعمليات عزل الجماعات عن بعضها، وهو ما يمكن أن نسميه بالمرحلة الثانية.
المرحلة الثالثة استغرقت حوالي الشهرين، حيث دارت الإشتباكات في الحي الشمالي والشمالي الشرقي والتي انتهت اليوم بانكفاء أكثر من 400 مقاتل باتجاه جسرين وكفربطنا، فيما قتل أكثر من 100 منهم.
ماذا جرى في المليحة، وما هي الإنجازات التي حقّقها الجيش السوري آنياً واستراتيجياً؟
في المليحة وبعد مرور أسبوعين على القتال، وجد الجيش السوري نفسه أمام شبكة من الأنفاق والخنادق المعقّدة التي أعدّت على مدار سنتين تقريباً لتتحول المليحة الى مدينتين إحداها تحت الأرض والثانية فوقها.
أمام هذا الوضع، اتخذ الجيش السوري قراره بأن يعكس الأدوار، فبدأ بتحويل المعركة الى معركة استنزاف للجماعات المسلحة في حين كانت خطّة المسلحين جرّ الجيش الى معركة شوارع واستنزاف قوته من خلال تنفيذ هجمات على وحدات الجيش السوري المندفعة في شوارع المدينة.
وحدات الجيش السوري اتّبعت أسلوب خطوط الدفاع المتحركة الى الأمام، بحيث كانت تعمد الى إشباع المنطقة المراد التقدم اليها بالنار والتقدم بخطوات بطيئة تتم خلالها عملية تثبيت الخطوط الجديدة ومعالجة الأنفاق والخنادق والدشم واستخدام بعضها ضد المسلحين أنفسهم، وهو تكتيك جديد لجأ اليه الجيش السوري عبر استخدام سلاح النفق بمواجهة النفق، والقيام أحياناً بعمليات جذب للجماعات المسلحة بعد أن يكون قد فخخ هذه الأنفاق ليفجرها لاحقاً بمن فيها.
في المليحة أيضاً قتل الجيش السوري العديد من قادة المسلحين عبر عمليات استهداف بالطيران أو بشكلٍ مباشرٍ للتأثير على فاعلية الجماعات المسلحة وتخفيض الروح المعنوية لعناصرها.
الإنهاك كان أحد أهم أهداف الجيش، حيث جرى تقسيم وحدات الجيش الى قوى نهارية وأخرى ليلية بحيث يستمر القتال على مدار الساعة لتحقيق عوامل التعب والإرهاق والإنهيار في صفوف المسلحين، وهو تكتيك كان له الدور الكبير في تسريع عمليات القضم التي كان يقوم بها الجيش السوري.
وبسقوط المليحة فإنّ مرحلة جديدة من القتال سوف تبدأ بالتحديد بعد أن تمّ فصل الجماعات المسلّحة عن بعضها، فجسرين وزبدين وبلدات المرج والنشابية وغيرها صارت في مسرح عمليات بعيد عن مسرح عمليات دوما وحرستا، والخطر المباشر على جرمانا من خلال قذائف الهاون قد زال، كذلك الأمر في إبعاد أغلب الخطر عن مطار دمشق والطريق الواصل اليه.
وبتحرير المليحة فإنّ إمكانية اتّساع الخلاف بين الجماعات المسلحة هو أمرٌ قائمٌ، خصوصاً أنّ معارك نشأت بين هذه الجماعات بعد سقوط المليحة مباشرةً، على قاعدة التخوين المتبادل والاتهام بأنّ لكلّ فصيل من فصائل الجماعات أهدافه الخاصة بحيث كانت المليحة هي الثمن.
أما ماذا بعد المليحة؟ فالأمر ينقسم الى قسمين: عسكري وسياسي.
- عسكرياً: من اللحظة تغيّر دور المليحة بالنسبة للجماعات المسلحة بشكلٍ نهائي، ففي بداية سقوطها بيدهم كان دورها تشكيل نقطة العبور الى العاصمة لإحتلالها، وهذا الأمر تمّ منذ سنتين واصطدم بمواجهة عنيفة من الجيش السوري، لينتقل دور المليحة بعد بدء الهجوم المضادّ من الجيش السوري الى الدفاع كخط أول عن عمق الغوطة الشرقية وتحديداً دوما وحرستا، ليتحول الآن الى نقطة الارتكاز الأساسية للجيش السوري في تحرير كامل منطقة الغوطة الشرقية.
- شكل العمليات العسكرية وأولياتها سيحددها الجيش السوري بالطبع، ولكننا نرى جوبر أولوية في مشهد المعركة القادمة خصوصاً أنّ الجيش استطاع أن ينفّذ العديد من عمليات الإلتفاف عبر عين ترما وتحديداً من الجهتين الشمالية الشرقية والشمالية الغربية، بهدف تضييق الخناق على مسلحي جوبر الذين صار وضعهم سيئاً بعد تحرير المليحة.
- مستفيداً من تجارب القتال في المليحة، ستكون معارك الجيش القادمة أسهل وأسرع نظراً لتشابه التكتيكات التي تعتمدها الجماعات المسلحة.
- مع الاقتراب من دوما، فإنّ دوما ستقاتل وهي في حالة الدفاع على أكثر من جبهة، فقوات الجيش السوري ستتقدم اليها من كل الجهات لتشكيل ضغط كبير بهدف إنهائها بسرعة.
سياسياً:
- ربما سيعجّل سقوط المليحة في تعجيل إنجاز مصالحة حرستا، والتي إن تمّت فستكون نموذجاً للكثير من القرى والبلدات ومن بينها دوما على الأرجح.
- سيشكل سقوط المليحة عامل قوة للجيش السوري ويساعد في إشاعة أجواء الإنهيار في البيئة الحاضنة للجماعات المسلحة، والتي يمكن أن تبدأ بتحركات ضاغطة عليهم لإقتناع أغلبية السكان بعبثية الإستمرار في معركة صارت نتائجها واضحة ومحسومة.

ختاماً، سيكون لتحرير المليحة نتائج كبيرة إيجابية لمصلحة الدولة السورية وسلبية على الجماعات المسلحة، وستنعكس نتائج هذ المعركة على مسار الصراع القائم على أغلب الأرض السورية، خصوصاً أنّ العاصمة بسقوط المليحة وسقوط جوبر الوشيك ستشهد حراكاً شعبياً وسياسياً واقتصادياً سيساهم في إشاعة أجواء الأمان، ويتيح للجيش العربي السوري التفرغ لمعارك أخرى تتطلب الكثير من الجهد والوقت والتضحيات.