“داعش”.. لماذا تدير ظهرها إلى إسرائيل‎؟

“داعش”.. لماذا تدير ظهرها إلى إسرائيل‎؟

تحليل وآراء

الجمعة، ١٥ أغسطس ٢٠١٤

لم تخف صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية سعادتها بموقف “تنظيم الدولةالإسلامية” داعش الذي برر عدم جهاده في قطاع غزة، بقوله “إن الله في القرآن الكريم لم يأمرنا بقتال إسرائيل أو اليهود حتى نقاتل المرتدينوالمنافقين”!وبعنوان “داعش غير معنية بقتال اليهود”، قالت الصحيفةإن هناك قائمة طويلة بالقادة العرب الذي وضعهم تنظيم “داعش” كأهدافله، أما اليهودوإسرائيل فليسوا على رأس هذه القائمة. هي تؤمن بأنها تقاتل الان المذاهب والاديان وبعد اجل غير مسمى تتوجه صوب القدس الشريف !
اثارت تصريحات تنظيم “الدولة الاسلامية” الكثير من التساءولات عن العرب والمسلمين والتي تزامنت في خضم احداث العدوان الاسرائيلي على غزة والذي اندلع مطلع شهر يوليو 2014. موقف البغدادي إتجاه غزة ربما يثير الشكوك حول خلفية هذا التنظيم الذي تفيد بأنه يمثل وينفذ سياسة الى اطراف اقليمية ودولية لأعادة رسم خارطة المنطقة والذي جاء تماما بعد موقف مشروع “ثورات الربيع العربي” ـ الاخوان المسلمين عند مصر وتراجع الاسلام السياسي الى الوراء. وبعيد عن نظرية المؤامرة واعتماد البحث فهنالك جملة عوامل تدعم وترجح هذا الراي وهو:
نشأة ابو بكر البغدادي
حصل ابو بكر البغدادي على مقعد للدراسة في جامعة صدام للعلوم الاسلامية في بغداد، وهذه الجامعة كانت تحت سيطرة حزب البعث والموالين الى النظام السابق ماقبل 2003. لقد كشفت المعلومات بأن النظام السابق كان يرسل بعض من مواليه، من داخل الحزب او المؤسسة الامنية من اجل الدراسة في الجامعات الاسلامية وحتى الحوزات العلمية، من اجل ان يكونوا مصادر للاجهزة الامنية، وهذا يعني ان البغدادي ربما كان احد مصادر اجهزة الاستخبارات ـ الامن العام سابقا.
خلال فترة سجن البغدادي في سجن بوكا، العراق 2004 ـ 2005 كان الجيش والاستخبارات الاميركية تشرف على هذا السجن، خلالها تم وضع البغدادي في الردهات العادية للسجناء وليس من الخط الاول، وهذا يعني انه لم يكن يمثل اي دورا قياديا في القاعدة او التنظيمات “الجهادية” الاخرى.
خرج البغدادي من السجن دون ان تثبت ضده اي تهمة، يشار ان البغدادي كان يدير جماعة مسلحة “جهادية” صغير عملت ضمن مظلة القاعدة والتوحيد والجهاد انذاك تحت زعامة ابو مصعب الزرقاوي حتى عام 2006، اي حتى مقتل الزرقاوي. والتحق بتنظيم “الدولة الاسلامية” في العراق الذي تاسس على انقاض التوحيد والجهاد عام 2006، ليعمل ساعي بريد في التنظيم.
قفز البغدادي على رأس التنظيم عام 2010 بعد مقتل سلفه ابو عمر البغدادي في العراق الى جانب زعيم القاعدة في العراق ابو ايوب المصري.
الصعود السريع الى ابو بكر البغدادي واستعانته بطاقم من العسكر والاجهزة الامنية التي خدمت خلال النظام السابق، ليفرض التنظيم هالة والكثير من الغموض، منها عدم ظهور البغدادي علانية.
الشهادات اظهرت وجود اختراق مخابراتيللتنظيم وخلال تلك الفترة خرج من السجن العميد الركن محمدالندى الجبوري المعروف بالراعي والذي استلم قيادة أركان الدولة، والعميد الركن سمير عبد محمد المعروف بـ حجي بكر واللواء ابو مسلم التركماني.
إن التنظيم اعطى ظهره الى اسرائيل وبدء بمقاتلة المذاهب والقوميات والاقليات دون استثناء، وركب الخطاب الطائفي، من اجل اثارة الفتن.
إن التنظيم لم يتعرض الى ضربة من قبل الولايات المتحدة بعد اجتياحه الموصل في يونيو 2014 ولا في سوريا، الا عندما اصبح قريبا من اربيل كوردستان، وكانه تجاوز الحدود المسموحة له، وهذا ما اثار الكثير من التسائولات حتى داخل الكونغرس الاميركي.
إن هذه العوامل تقودنا الى الراي، بأن البغدادي اكتسب الخبرات الاستخبارية داخل المعتقل، اي حصل على التدريب والاختبار هناك، وتم اخراجه ليكون عميلا مزدوج، اي تغذيته بالمعلومات من قبل الاستخبارات الاميركية لكسب ثقة الجهاديين وربما هذه المعلومات كانت وراء صعوده السريع.
تداعيات سياسة ” الدولة الاسلامية في المنطقة:
إن سياسة “الدولة الاسلامية” قامت على دعائم ابرزها الملاذات والحواضن، اما بالترغيب او بالترهيب، ليفرض نفسه بديلا عن بعض المكونات، لذا هو يرسم خارطته داخل هذه الملاذات اشارة الى المكون المذهبي في سوريا والعراق والتي ينتج عنها :
إعادة هيكلة المنطقة : ديموغرافيا وجغرافيا، التنظيم يعمل على إستقطاب المقاتليين الاجانب اكثر من المقاتليين المحليين، وينطبق ذلك على سوريا اكثر من العراق. المقاتلون الاجانب من الشيشان والقوقاز وافغانستان ودول اخرى، يعني تغيير تركيبة المنطقة السكانية ، الديموغرافية.
التزاوج والمصاهرة: اتبع التنظيم سياسة المصاهرة وزواج الاجانب من نساء المناطق التي يسيطر عليها، هذه الزواجات تكون قسرية، ومن شأنها تخلق جيل هجين، يتيم النسب، ممكن ان نطلق عليه ايتام” الدولة الاسلامية”ـ داعش، ياتي بنتائج سلبية في المستقبل القريب على الطابع التاريخي والجغرافي للمنطقة والذي يهدف الى تهجين المنطقة.إعادة تقسيم المنطقة على اساس ديني ومذهبي، طائفي
إعادة رسم الحدود الجغرافية والسياسية، بعد تقسيمات “سايكس بيكو”.
العوامل التي تدعم الراي بأن “الدولة الاسلامية” تنفذ مشروع اقليمي دولي هي:
تبني سياسة العنف وقطع الرؤوس، من اجل اثارة الرعب والخوف في نفوس المجتمعات التي تسيطر عليها وتفرض تعاليمها.
مطاولة الفوضى: الفوضى عند التنظيم تأتي ماقبل اعلان الخلافة”ادارة التوحش”، القائمة على تدمير البنى التحتية، الاتصالات الجسور المباني المؤسسات، وكل ماهو حضاري واعادة المنطقة الى الوراء. الجماعة تراهن على مطاولة الفوضى من اجل اضعاف الانظمة السياسية وقوتها العسكرية.
وجود علاقات تنظيمية وتجارية مع اطراف اقليمية ابرزها تركيا، تقوم ببيع النفط ، بالاضافة الى ترك سيطرة التنظيم على المعابر الحدودية التي يحقق منها ارباح تجارية ويعزز قدرته التنظيمية ويخنق بقية التنظيمات المنافسة له ليكون هو الوحيد في المنطقة.
نشر تنظيم “الدولة الإسلامية” في شهر ابريل 2014 صوراً قال إنهالـ”مجاهدي غزة في الدولة” يتدرّبون في معسكرات التنظيم في سورية والعراق.فظهور شريط فيديو تزامن مع الاعتداءعلى “كنيسة ديراللاتين” في مدينة غزة، وكذلك حادثة اختطاف الشيخالسلفي مجدي المغربي في رفح.
ونشرالتنظيم على حساب منسوب إليه في موقع “توتير، صور تظهر مقاتلين يتدرّبون على السلاح، كتب أسفل كل منها: “مجاهدو غزة في الدولة”،و”قادمون يا يهود” وقال التنظيم إن المقاتلين يشكلون”سرية الشيخ أبو النور المقدسي”،ويتدربون في معسكرات”الدولة الإسلامية في العراق والشام” وأبو النور المقدسي هو عبد اللطيف موسى، أميراًلتنظيم “جند أنصار الله”، قتل عام 2009 بنسف منزله، وذلك بعدإعلانه في أوغست 2009، في مسجد ابن تيمية، قيام “الإمارة الإسلاميةفي أكناف بيت المقدس”.
هذا الاعلان جاء وسط معلومات عن توسع التنظيم في غزة ـ فلسطين، وهي محاولة من التنظيم ان يجد حاضن جديد هناك. الحقائق حول التنظيمات “الجهادية” في غزة تشير مايلي: إن قياداتها موجودة في غزة، لكن يتم تصدير المقاتليين الى الخارج، اي هنالك نشاط الى مقاتليي التنظيمات خار القطاع. ابرز هذه المجموعات هي التوحيد والجهاد في اكناف بيت المقدس، ابرز قيادتها هشام السعيدني والذي كان له دورا كبيرا في تدريب مجموعات جهادية في سيناء. إن جماعة التوحيد والجهاد كانت ومازالت متأثرة في ابو مصعب الزرقاوي، وقاتلت معه في العراق بعد عام 2003، وتعتبر ابو مصعب الزرقاوي الاب الروحي ونموذج لها اكثر من بقية القيادات والزعامات القاعدية.
تبقى غزة ليست بعيدة عن مايجري حولها من فوضى “جهادية” في المنطقة، وهذا يعني بأن جماعة “الدولة لاسلامية” سوف لا تستثني قطاع غزة من خارطتها التنظيمية، رغم ان المجتمع الغزاوي يعتبر مجتمع مسلم محافظ ملتزم بتعاليم الاسلام بطبعه ولا يرغب بأن تفرض عليه التعاليم الاسلامية مثلما يقوم به التنظيم، وهذه علامة لا تخدم سياسة التنظيم بالتوسع والانتشار. لقد انكشفت حقائق تنظسم “الدولة الاسلامية” كثيرا بعد اعلانها “الخلافة الاسلامية”، هذا الظهور والصعود السريع، من شانه ان يعمل على تراجع التنظيم بسرعة ايضا.

*باحث في قضايا الارهاب والاستخبار