الصحوة الإسلامية في تركيا.. بقلم: فادي برهان

الصحوة الإسلامية في تركيا.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٣ أغسطس ٢٠١٤

اجتاحت موجات الربيع العربي المزعوم الكثير من البلدان العربية والإسلامية، كتونس ومصر وليبيا وسورية وغيرها ممن ابتلي بهذا الداء العضال، فشرعت الإيديولوجيات حينها بالنفخ في النار مدعية أن الحراك الشعبي المدعى استظل بمنطلقاتها الفكرية أو السياسية أو الثقافية ، فادّعى الشيوعيون أن هذه الثورات تنشد النظام الشيوعي وتسعى لتطبيقه على أرضها باعتبارها رأت فيه أنه النظام الأصلح، وأنّ هذا الحدث من مفرزات الثورة الشيوعية, وادّعت شريحة أخرى أن ما يحدث يعتبر ثورة شعبية تَنشُد الحق والعدالة الاجتماعية والمبادئ والمثل الإنسانية على غرار الثورة الفرنسية، وادّعى آخرون أن ما يحدث هو صحوة إسلامية وأن لا حلّ إلا بالإسلام، على الرغم من أنّ المتظاهرين الذين كانوا يتجمهرون في ساحات الربيع العربي لم يرفعوا أي شعار إسلامي, ولم يطرحوا البديل عن إسقاط الأنظمة, بل كانوا في أحسن الأحوال يُشكّلون طوابير من الفوضى العارمة التي لا تُدرِك ما تصنع ولا تعي أمرها إلى أي مصير سيؤول.
وعلى الرغم من وضوح الرؤية عند الكثير من المرجعيات والشخصيات الدينية الإسلامية, ومعرفتها اليقينية أن حقيقة الموقف إنما هو مؤامرة محبوكة بدقة متناهية من قبل القوى الاستعمارية والاستكبارية التي لطالما تربصت بنا الدوائر, وكادت لنا المكائد,  فإن البعض يصرّ على رفع شعار الصحوة الإسلامية, والتأكيد على أن ما يحدث صحوة تَنشُد تطبيق الشريعة الإسلامية، متجاهلاً أن الشريعة أصبحت شرائع, فعلى أي مذهب نُطبِق الإسلام ؟ وأي إسلام نسعى إليه ؟ إسلام القاعدة المتطرف ؟ أم الإسلام المعتدل ؟ وهل الصحوة الإسلامية المدعاة هي صحوة الإسلام السني أم صحوة الإسلام الشيعي أم صحوة الإسلام السلفي الوهابي؟ وهل نكتفي بانتشار المظاهر الإسلامية القشرية في مجتمعاتنا, أم نسعى للإسلام الأصيل الحقيقي الذي يقوم على الجوهر لا العَرَض؟.
يؤكد أحد الكتّاب الباحثين والمهتمين بشؤون الصحوة الإسلامية, وهو وزير خارجية سابق لإحدى الدول الإسلامية، أن تركيا تعيش أجواء صحوة إسلامية شاملة لها جذورها العريقة, وأن أحد أسباب تلك الصحوة هو رجب طيب أردوغان, الذي اُنتِخب في آذار 1994م رئيساً لبلدية اسطنبول, الذي رشّحه إليها حزب الرفاه ثم قادته الانتخابات البرلمانية عام 2002م إلى منصب رئاسة وزراء تركيا, وأن أحد أهم أسباب اتهام حزب الرفاه بممارسة نشاطات مغايرة للعلمانية هو قراءة مقطوعة شعرية في عام 1977م تقول : ( المنائر رماحنا والقباب قبعاتنا والمساجد قواعدنا), ووجهت التهمة لأردوغان وخضع للملاحقة القانونية من قبل محكمة الدستور التي كان يترأسها أحمد نجدت سيزر حينها, وحُكِم على أردوغان بحظر نشاطه السياسي, وظل محروماً من تسلم منصب رئاسة الوزراء لفترة من الزمن بالرغم من فوز حزبه الساحق في انتخابات عام 2002م إلى أن انتهت فترة حرمانه بحماية البرلمان.
ويتابع ذلك الباحث حديثه حرفياً في أحد أهم مؤلفاته: (تحدثت وسائل الإعلام خلال الفترة 2003 _ 2004م عن اتساع المظاهر والرموز الإسلامية، كالزيّ الإسلامي والحجاب وإقامة دورات تعليم القرآن بالخط العربي في المدارس, وإجراء البرامج الدينية في القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية, وانتشار الكتب والأشرطة الصوتية والتصويرية والمطبوعات الإسلامية, وإقامة مخيمات الإفطار في شهر رمضان في المحلات الفقيرة, واشتراك رئيس الوزراء وأعضاء حكومته فيها وتحجب نسوة الوزراء واشتراكهن في مأدبات الضيافة الرسمية بالحجاب الإسلامي.) وهكذا وبكل بساطة حُكم على مجرد تلك المظاهر الشكلية الباهتة بأنها صحوة إسلامية, ولم يؤخذ بعين الاعتبار موقف تركيا من القضية الفلسطينية والحق العربي بالمطلق، بل اكتفى الكاتب ببعض المظاهر التي لا تُقدم ولا تؤخر ليؤكد على إسلامية تركيا في عهد أردوغان, ولم يلتفت _ عن سوء نية أو عن حُسنها _ إلى موقف أردوغان الآنف الذكر من دول محور الممانعة والمقاومة, وعلى رأسها سورية المؤسِّسة لهذا المحور والتي تبنت المقاومة منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين ، فهل نكتفي بالمظهر دون الجوهر لنحكم على المخربين والإرهابيين والسلفيين التكفيريين بأنهم قادة الصحوة الإسلامية, على الرغم من عمالتهم لإسرائيل ودول التآمر العالمي ؟؟