انفراجات في القدر والرحمة.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

انفراجات في القدر والرحمة.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٢ أغسطس ٢٠١٤

من علامات رضى الله تعالى عن عبده- إن كان هذا العبد أهلاً للرضى- أن يوفقه إلى وقفة مع نفسه كل يوم أو كل أسبوع أو شهر أو عام ليطمئن إلى فطرته وإلى نقاء إنسانيته، فإذا وجد فيها استغراباً عن الطبيعة الإنسانية الفطرية استنفر همته ليزيل كل دخيل عنها في المصح والمشفى الذي يصحح للمرء عبوديته لربه عز وجل حصراً، وليطمئن أيضاً إلى الموئل الذي يتحصن فيه ظاهراً وباطناً حتى لا تغتاله الأهواء والشهوات التي تحرفه عن تلك العبودية الأكرم والأعز والأطهر لتلوي به من ثم إلى عبوديات لا حصر لها في أهوائه ورعوناته وأنانياته, لن يحصد منها في آخر مطافاتها إلا الحسرات والشقاء والظلم، وإن أي ظلم في الحياة الخاصة والعامة، وأي اعتداء أو سرقات أو خيانات أو كذب أو تكبر أو قسوة أو نفاق أو حسد أو تكبر وغرور أو وضع للشيء في غير محله كأن يعلو الأدنى ويوضع في الأدنى الأعز والأفضل.. كل أولئك هي مفاصل مهمة تنبئ عن تدمير ساحق مقيت في نفوس أصحابها مهما تملقوا وتزخرفوا وسطعت على ظواهرهم بوارق أنوار وتجليات أو بكائيات مزيفة يتصنعون بها أمام الناس, وخصوصاً أمام الأَعلام المهمين منهم الذين يملكون الفعل والتأثير، ولن تشفع لهؤلاء الناس السيئين المتفحشين في بواطنهم أي مظاهر تقوى أو وطنية أو رحمة إنسانية أو غيرية كاذبة، فهؤلاء في الحقيقة أخطر مصدر للفتنة والبلاء والأذى بين الناس، لأنه يستحيل على من استودع في قلبه القسوة واستعبدته الأهواء وقال في نفسه (أنا ولا يهم من بعدي أحد) أن يكون مؤتمناً أو أن يقبل منه صدق لساني في أمانة رعاية وطنيات أو إنسانيات أو دنيويات أو آخرويات!
كما أنه يستحيل على من ملأ قلبه رحمة وهدى وصلاحاً أن يكون غاشاً أو ظالماً أو مؤذياً أو شريراً!.. (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، فإننا عند الله تعالى عندما نفتح قلوبنا لمعرفته، ولا نرى في ذاتنا عبودية لأحد أو لأي شيء غير الله تعالى، فإنه يفيض علينا بالرحمات والكرامات وأنواع البر والطمأنينة ثم يخصنا بما نحن مضطرون لهموم كثر فيها المضطرون (أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض..) ويمنحنا عندها النصر ويصرف عنا البلوى المقيتة التي أصابتنا وأصابت وطننا كما أصابت بألوان أخرى أمة العروبة والإسلام: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)، فلا قدر لأي مؤمن أو مسلم أو لأية أمة، ولا عيد ولا جدوى من أي فرحة مفتعلة بسبب ذلك إذا لم نكن جميعاً جميعاً جميعاً في أخوة وتراحم وتناصر وتعاون وتسامح وغفران بعضنا لبعض مع الستر ثم مع المحبة والتوادد والاهتمام الغيور على أمن الآخرين وأمن المصلحة العامة وخيرها، فإن أمة ليلة القدر وأمة شهر رمضان وأمة العيد، وأمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) الحقيقية هي مفصل رحمة وحب وسلام وعطاء، وهي قوة تتحرض في العلم والثقافة والمعرفة والانتفاع من كل مَعلَم معرفي وتعارفي في الإنسانية كلها لا فجوات فيها لأي خصومة أو منازعة أو كراهيات وبغضاء، فكيف لأمة القدر التي بدأ نزول قرآنها بـ(اقرأ) وتحصنت هذه العلمية القرآنية القرائية بتأسيسات (الرحمن الرحيم) التي تتكرر وتتأكد كل يوم في صلاة وغيرها، وتتحمل أمانتها وأعظم حاملة لها في مفهومات: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) لأمة غاية دعوتها في: (إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة..)، أقول كيف لأمة هذه برامجها وأخلاقياتها ومقاصدها أن تصبح اليوم من غير قدر ومن غير مهابة بل غثاء كغثاء السيل في نظر العالم؟! هل هذا كله إلا بما تعفنت فيها أنفاسها ونفوسها بالأهواء وبالعبودية لغير الله تعالى حتى ابتلاها الله تعالى بالذل والهوان وفقدان أهلية العزة التي ائتمنت عليها: (لله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون)، فما أعظم وما أجمل وما أحلى الرجوع إلى الله تعالى إلى الرحمة والكرامة والصفاء والنور والحب من منابع الرحمة والحب والنور لنتغير نحو الأصلح من نفوسنا إلى أنفاسنا في طمأنينة وسلام وحضارة عطاء وتعاون!! فهل من استغفار وهل من مغفرة؟
أحسن من قينة ومزمار        في غسق الليل نفحة القاري
يا حسنَه والإله يسمعه               بطيب صوت ودمعه جاري
يقول يا سيدي ويا سندي        شغلني عنك ثقل أوزاري
(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون).