عرسال والغرب وسورية

عرسال والغرب وسورية

تحليل وآراء

الأربعاء، ٦ أغسطس ٢٠١٤

- يحاول الكثيرون تهوين معركة عرسال وتصويرها مجرّد مصادفة ناتجة، إما من اعتقال الجيش اللبناني لقائد لواء فجر الإسلام في جبهة النصرة الذي بايع قائد داعش، أبي بكر البغدادي، ما استدعى ردّ فعل بخطف جنود ومهاجمة مواقع للجيش في عرسال وحولها، أو بحاجة تكتيكية موقتة لمجموعات المسلحين الذين دخلوا عرسال للمفاوضة على تأمين ممرّ آمن لهم إلى حدود تركيا، بعدما صار وجودهم في القلمون مستحيلاً مع المنحى التصاعدي لنجاحات الجيش السوري بتضييق الخناق عليهم.
- الأكيد من المعلومات الاستخبارية والمتابعة التحليلية لخط عمل داعش، كما هما على طاولة كلّ صنّاع القرار السياسي والحكومي والأمني في لبنان، هو أن احتلال عرسال وتفجير وضع مخيم عين الحلوة والسعي إلى قطع طريق الجنوب بمهاجمة حارة صيدا، كما السعي إلى إعلان طرابلس وعكار إمارة تابعة لخلافة أبي بكر البغدادي، ووصولاً إلى قطع طريق البقاع الجنوب بيروت من منطقتي عرمون والشويفات، خطوات وبرامج ليست من صنع الخيال، وأنّ ما فعله توقيف أبي أحمد جمعة قائد داعش في القلمون من قبل الجيش، أو تصاعد خطوات الجيش السوري بنجاح لتضييق الخناق على الجماعات المسلحة في القملون، قد كانت عوامل تحكم بتغيير توقيت تنفيذ جزء من الخطة، وربما تسريع السعي إلى ترجمة أجزائها اللاحقة، تماماً كما كان أسر الجنديّين الإسرائيليّين شرارة لحرب تموز قبل موعدها بشهور.
 - وقعت الحرب، وهي من أقسى الحروب مهما حاول مفتي البقاع وزحلة الشيخ خليل الميس تزيينها، كسوء فهم وتشاطر في تصوير المسلحين كحالة قابلة للتفاهم، ومهما تناغم مع كلام النائب جمال الجراح وكلام نواب طرابلس وعكار الضاهر والمرعبي وكبارة عن المشروع الإيراني، أو خرجت أصوات نشاز تعتبر أنّ الجيش يفتعل معركة لفتح الباب لوصول قائده إلى رئاسة الجمهورية، وهي موقع سيستحقه إن تمكن من الفوز بالنصر في هذه الحرب الضروس.
- المعنيون الحقيقيون بالقراءة الهادئة، هم صنّاع القرار في الغرب، وقد قرأوا أنه في لعبة الشطرنج الكبيرة على رقعة المنطقة، ثمة نقلة نحو لبنان كان مقرّراً ترك داعش يقوم بها بعد استكمال توسّعه في العراق وسورية، وبعد أن يكون حلف المقاومة في حال ضعف واستنزاف، فتصير شروط الشراكة في الحرب وهي شرط ضروري للفوز بها، مكلفة على هذا الحلف، حيث لا يمكن إزالة شبهة الفتنة عنها بلا حصرها بالجيش اللبناني، ولا كذلك بتوفير التغطيتين السعودية والحريرية، وبالتالي إقامة شركة غير معلنة لدعم الجيش اللبناني يشترك فيها كلّ من سورية وإيران وحزب الله من جانب، وأميركا وفرنسا والسعودية وسعد الحريري من جانب مقابل، لأنّ ترك داعش نحو التجذر في لبنان يمسّ واحداً من الخطوط الحمراء الغربية، خصوصاً الأميركية، لاتصاله بأمن الغرب مباشرة، والذي جرى أنّ الحلف المقاوم قام بنقلة غير منتظرة في القلمون، تشبه استخدام الحصان على رقعة الشطرنج، سرّعت بالنقلات المستأخرة لداعش نحو عرسال، وبالتالي الشروع بتأسيس الشركة المغفلة لدعم الجيش اللبناني.
- بدأت بوادر تأسيس الشركة بزيارة السفير الأميركي إلى اليرزة، والتأكيد على دعم إدارته الكامل للجيش في معركته، وما تسرّب عن إبلاغ قائد الجيش النية بتزويده ما يحتاج سلاحاً وذخيرة، وتتالت عملية الاكتتاب في الشركة بموقف الحكومة اللبنانية الجامع ومشاركة كلّ وزراء الرابع عشر من آذار بالوقوف وراء رئيس الحكومة وهو يتلو بيانه القوي الداعم للجيش، بعدما سحب الوزراء الذي نظّروا لنشر «اليونيفيل» تنظيراتهم، وبعدما قال رئيس تيار المستقبل كلاماً داعماً ومسانداً وقال وزراؤه مثله، وجرى التخفيف من قيمة الكلام المعادي للجيش الذي قاله ثلاثي الشمال المستقبلي، وخلال ساعات صدر موقف فرنسي بإعلان النية بالبدء بتجهيز الجيش بما يلزم من ضمن الهبة السعودية، وصدر موقف سعودي داعم للجيش على رغم الإخراج البدوي له عبر اتصال بالمنتهية ولايته ميشال سليمان، بدلاً من التحدث مع رئيس الحكومة أو نائبه وزير الدفاع أو قائد الجيش مباشرة، أو جميعهم بعدة اتصالات كما يوم السنيورة المشهود في السراي، لكن المهم أنه صدر كإكتتاب مبدئي في الشركة.
- بالمقابل بدأ الطيران السوري والمدفعية السورية بتخديم معركة الجيش اللبناني بتلبية طلباته بالتصويب على الأهداف التي يحددها، كما وضع حزب الله بنيته الشعبية والمسلحة في المنطقة وراء الجيش اللبناني ضمن ضوابط فتح البلدات المؤيدة للحزب أمام النازحين من عرسال، وتنفيس كلّ احتقان مذهبي يريد أنصار الدواعش افتعاله بالتصويب على حزب الله واستفزاز جمهوره، وكذلك وضع كلّ خبراته وقدراته ومعلوماته الأمنية في خدمة معركة الجيش، وانكفأ عن واجهة المعركة تفادياً لأي إحراج للجيش ومنعاً لأي محاولات للنيل من هيبته والعزف على وتر مشاركة حزب الله.
- هذه الشركة المغفلة لا تستطيع تحقيق النصر إنْ بقيت على مستوى يشبه حاملي الأسهم لحامله في الشركات، أيّ التي لا يُعرَف أصحابها الحقيقيون، فحرب عرسال باتت المقدمة التي لا يمكن فصلها والتحكم بمسارها عن مسار الحرب الإجمالية ضدّ القاعدة في المنطقة، من لبنان وسورية والعراق وصولاً إلى السعودية ومصر وليبيا وتونس والجزائر، وما يعنيه ذلك من تحويل الشركة المغفلة المؤسسة باسم عرسال، إلى شركة تستوعب شركة تشبهها تأسّست لتحرير الموصل تضمّ البشمركة الكردية بقيادة مسعود البرزاني والحكومة العراقية بقيادة رئيسها نوري المالكي.
- التعاون الإقليمي الدولي أو إنشاء جبهة عالمية للحرب على الإرهاب كانا محور دعوة أطلقها الرئيس السوري قبل أشهر، وكان ردّ الفعل الغربي على الدعوة بالاعتراف بضرورتها، لكن الرهان على التحكم بتحديد هوية الشريك السوري فيها، وبعد كلّ ما جرى في سورية وخصوصاً انتصارات الجيش السوري والمشهد الانتخابي الرئاسي ونتائجه، صار الشريك موضع تسليم واعتراف ضمني بكون وجوده حجر أساس في الحرب على الإرهاب.
- كيف سيكون الانفتاح الغربي على سورية بشار الأسد ومتى، هذه هي القطبة المخفية التي ستقرّر مصير نصر الجيش اللبناني في حرب عرسال؟