«أنا ملك الموت».. بلا حياء وخجل

«أنا ملك الموت».. بلا حياء وخجل

تحليل وآراء

السبت، ٢ أغسطس ٢٠١٤

 بعد 26 يوماً على بدء العدوان، استفاق الملك السعودي. هو الذي ينام في فصل الشتاء، ويستفيق أحياناً في فصل الصيف، ليعود ويدخل بسباته الصحراوي العميق.
خرج الملك البارحة مخاطباً العالم، مبشّراً الجماهير المليونية الغفيرة المتعطّشة لسماع أرائه العظيمة حول شؤون وشجون الأمّة. قرأ الملك خطابه، خطابه الذي عادةً ما يتشارك بكتابته فريق من المستشارين يتجاوز العشرة، ليعود ويتعاون فريق مختلط من أخصائيي النطق وخبراء اللغة العربية، كي يدرّبوه على قراءته بشكلٍ سليم، ولو لم يكن ليتجاوز المئتي كلمة.
كلمة الملك لم تأتِ على ذكر كلمة "إسرائيل" رغم مقتها ولو مرّة واحدة، كما لم تدرج في سياقها ولو عن طريق الخطأ غير المقصود طبعاً كلمة "عدو"، عداك عن مصطلحات كـ"الكيان الغاصب" و"جيش الإحتلال" التي لم يكن أحد ليتقبّلها من ملك كالملك السعودي.
قال العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز إنّ دماء الفلسطينيين تسفك في مجازر جماعية، لم تستثن أحداً، وترتكب جرائم حرب ضد الإنسانية دون وازعٍ إنساني أو أخلاقي. هذا كلام جيّد وجميل ويعبّر عن شعور بالمسؤولية الوطنية والإنسانية إن خرج من سائر شخصٍ يشاهد ما يحصل في فلسطين على التلفاز. أمّا هذا، الملك، الذي يملك أسطول من الطائرات الحربيّة يفوق عدد الطائرات التي يملكها العدو الصهيوني، دون التدقيق إن كان لدى هذا الملك من يُحسن تشغيل تلك الطائرات أو قيادتها.. هذا الملك، تبنّى في السياسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يغلق اليوم معبر رفح أمام القافلات الإنسانية وسيّارات الإسعاف والجرحى. أليس من المعيب على هذا أن يأتي بسيرة الإنسانية على لسانه، أليس من المجدي أكثر أن تمسك يده بسماعة الهاتف الذهبية، ويتّصل بخليله عبد الفتاح السيسي و"يتمنّى" عليه فتح المعبر لأجل الإنسانية؟ كل هذا يأتي بعد تسليم اللاوعي لدى شعوب بلادنا أنّ هذا الملك ومعه السيسي وباقي الحاشية لا يجرأون على إدخال السلاح إلى غزة، لا بل يعتبرون السلاح خرقاً للقوانين، لا بل أكثر، فالسلاح يشكّل خطراً على "إسرائيل".
وأضاف العاهل السعودي في كلمته أنّ الإرهاب أصبح يظهر بأشكال مختلفة، سواء كان من جماعات أو منظمات أو دول وهي الأخطر بإمكانياتها ونواياها ومكائدها، كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر المجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان. وأكّد أنّ "من المعيب والعار أنّ هؤلاء الإرهابيين يفعلون ذلك باسم الدين فيقتلون النفس التي حرّم الله، ويمثّلون بها، ويتباهون بنشرها، كل ذلك باسم الدين، والدين منهم براء، فشوهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته، وألصقوا به كل أنواع الصفات السيئة بأفعالهم، وطغيانهم، وإجرامهم، فأصبح كل من لا يعرف الإسلام على حقيقته يظنّ أن ما يصدر من هؤلاء الخونة يعبّر عن رسالة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم".
نعم عزيزي القارئ فهذا الكلام خرج على لسان "ملك الموت"، موتٌ أرسلته المملكة على حصان أسود، دعمت المجموعات الإرهابية في سوريا، موّلتها بالسلاح، موّلتها بالمال، موّلتها بالعناصر، ودعمتها بالإعلام وأمام الرأي العام وجمّلت صورتها وأسمتها "ثورة". إعلام هذا الملك كان يهلّل لهؤلاء، مع كل رأس يقطعونه يضيف لهم لقب، ومع كلّ بيتٍ يحرقونه يزيد من تضليله لمصلحتهم. هذا الملك، ومعه فريق متجانس ومتفاهم حتى الموت، لأجل الموت، دافع عن الإسلام معتبراً أنّ دين محمّد لا يعبّر عنه هؤلاء. كان هنا الملك على حق، ولكنه تناسى أنّه هو بنفسه، خادم الحرمين الشريفين، خدم في الأعوام الثلاثة الأخيرة الإرهاب، غطّى القتل، ساهم بخراب دول وتهجير آلاف العائلات وتشرّدها وبقائها دون مأوى، بينما يريح هو جسده المهترء على فراشٍ من حرير، تحيطه الجاريات والخدم بكل ما اشتهت نفسه، ولو عجز الجسد.
تناسى هذا الملك أنّ في يده النفط، تناسى أنّه ملك دولة عربيّة ثريّة ومؤثّرة في هذا العالم وخصوصاً في المنطقة الإقليمية!!
هذه الدولة الكبيرة التي تمتلك النفط وتمتلك النفوذ لم تستعمله لصالح فلسطين، لا بدّ أنه استعمل في مكان آخر. مكان من المؤكد أنه ليس لصالح الشعوب، لا حتى رأفة بمن تقصفه الطائرات، ولا حتى لجهة تقريب وجهات النظر ومحاولة التوصّل إلى تهدئة بين القاتل والجلّاد، ليقف شلّال الدم.
هذه الدولة التي تملكها عائلةٌ جعلتها هذه العائلة خارج إطار محيطها، باتت دولة غربية بكل ما للكلمة من معنى، تهاجم المقاومات، تعتبر عملها إجراماً، تصف تحصيلها لحقوقها بالمغامرة، تماماً لما يزعم العدو، الكذبة والتوصيف نفسه.
حلم بعض العرب بإعادة هذه المملكة وهذه العائلة إلى خندق العروبة ومعاداة الصهاينة بعد أن كانت وقفت في ميدان "البين بين" في أواسط التسعينيات، ولكن أحلام العرب تحقّقت بشكلٍ عكسي، لتصبح المملكة العربية السعودية مملكة تدعم الصهاينة ولو تحت الهواء، تغطّي المجازر ولو بالسرّ، تلتقي العدو وتطبّع معه بالخفاء، وتعادي المقاومات والشعوب بالعلن وبكل اعتزازٍ وافتخار. ملك المملكة يدعم الإرهاب، جهاز استخباراتها يغذّيه ليقتلنا في لبنان، ليذبحنا في سوريا والعراق، وليقصفنا في فلسطين.
شعبنا يناشد ملك الموت: "كفّ عن قتلنا يا هذا، فنحن نحب الحياة ونكره الموت، ولكنّنا نعشق هذا الموت متى يُضحي سبيلاً إلى الحياة في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين وأينما دعت الحاجة إلى الاستشهاد".