ما هو سر قوة داعش؟

ما هو سر قوة داعش؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣٠ يوليو ٢٠١٤

حقق تنظيم داعش انتصارات عسكرية وميدانية سيطر خلالها على مساحات واسعة في سورية والعراق بشكل فاجأ الكثيرين. والسؤال عن سر قوة داعش بات ملحا، وهل هناك من يستطيع لجمه ووقف تقدمه؟
من خلال الانتصارات الميدانية الكبيرة التي يحققها تنظيم داعش في سوريا والعراق يتضح أن لديه خططا واستراتيجيات محددة ومدروسة وأنه لا يتحرك بشكل عشوائي، وإنما بدارية ومعرفة جيدة بالأوضاع الميدانية والسياسية. في هذا السياق يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي وليد الزبيدي إن لدى التنظيم قيادات في الجانب الاستراتيجي، وخاصة ما يتعلق بالخطط العسكرية والحرب الإعلامية، وحتى في مجال "الجغرافية والأماكن التي يمكن أن يتحرك فيها هذا التنظيم والأهداف المؤذية للخصم سواء في سورية أو العراق، "حيث لديه خطة للتمدد على الأرض أو الجغرافية الواحدة واتضح هذا بعد العاشر من حزيران/ يونيو وما أطلق عليه إستراتيجية هدم الحدود بين العراق وسوريا، وتحديدا في منطقة الموصل، والتمدد باتجاه الرقة وحلب ودير الزور". وما يعزز قوة داعش في هذا المجال العسكري والميداني هو سيطرته على المعدات والآليات والأسلحة الثقيلة والمتطورة التي خلفها الجيش العراقي بعد تركه لمواقعه وكذلك ما سيطر عليه التنظيم من مواقع الجيش السوري وخاصة الفرقة 17 التي فرض سيطرته عليها بالقرب من الرقة، حسب رأي الزبيدي.
ويضيف الزبيدي في حواره مع DWعربية، أن استخدام داعش لهذه الأسلحة بسرعة في عملياته ومعاركه اللاحقة يدل على أن "هناك تدريبا وتخطيطا وأن الأمر لا يقتصر على الجانب العفوي".
لكن قوة داعش لا تقتصر على الجانب العسكري والتخطيط الإستراتيجي فقط، وإنما تشمل الجانب التنظيمي والإعلامي أيضا بالإضافة إلى القوة العقائدية التي يحملها أعضاء التنظيم ومقاتلوه، وفي هذا السياق يقول الكاتب الأردني حسن أبو هنية الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية، إن تنظيم داعش هو "أكثر التنظيمات الراديكالية تماسكا على الصعيد الإيديولوجي والتنظيمي". ويضيف أبو هنية في حواره مع DWعربية بأن داعش "استثمر حالة الغضب والبيئة الحاضنة بعد ثورات الربيع العربي وبدء الاحتجاجات سواء في سورية أو العراق. وتمكن بحكم تماسكه وثوابته من استقطاب عدد كبير من المقاتلين"، سواء من أبناء العراق وسورية أو حتى من الدول العربية والأجنبية. وحسب رأي أبو هنية فإن قوة التنظيم الأساسية تكمن في "الايدولوجيا المتماسكة والهيكل التنظيمي الصلب والسيطرة الميدانية والمقاتلين الأجانب، فضلا عن التاريخ والخبرة الميدانية الواسعة للتنظيم".
الاستفادة من الخبرات
الصورة التي يظهر بها داعش والإستراتيجية التي ينفذها ويخطط وفقها، تشير إلى أن أعضاء التنظيم ليسوا مجرد مقاتلين متطوعين، وإنما هناك ضباط مدربون ومحترفون التحقوا بصفوفه. وهذا ما يؤكده أبو هنية بقوله "إن معظم القيادات الحالية للتنظيم قد تم تكوينها في السجون مثل أبو عبد الرحمن البيلاوي، مهندس عملية دخول الموصل والمسؤول العسكري الذي قتل مؤخرا، وكذلك أبو علي الأنباري المسؤول الشرعي والأمني وأبو مهند السويداوي أو أبو أمل العراقي مسؤول التنظيم في سورية. وغيرهم". ويرجع أبو هنية التحاق هؤلاء بصفوف داعش إلى العملية السياسية التي "بنيت على أساس اثني وطائفي ومذهبي، أدى إلى جملة تحولات أهمها على الصعيد السياسي، حيث كانت هناك قوانين عملت على ما يسمى اجتثاث البعث ومن ثم العدالة والنزاهة وكذلك قانون الإرهاب". وهذا كله أدى إلى استبعاد الكثيرين من المسؤولين العسكريين والضباط الكبار السابقين ووضعهم في السجون، حيث تم تكوين معظم القيادات الحالية لتنظيم داعش الذي استفاد من خبراتهم ومهاراتهم وتسخيرها في عملياته.
الزبيدي أيضا في حواره مع DWعربية لا يستبعد انضمام ضباط سابقين في الجيش العراق إبان حكم صدام حسين، إلى تنظيم داعش نتيجة ما تعرضوا له من "إقصاء واعتقال وتعذيب شديد في السجون وفي المنطقة الخضراء". ولكنه لا يتفق مع من يقول بأن هناك قوى أخرى قد انضمت إلى داعش وتقاتل في صفوفه قوات الحكومة العراقية أو قوات سورية مستخدمة التنظيم ستارا لها، والسبب في ذلك حسب رأيه هو الاختلاف العقائدي، حيث أن "عقيدة داعش لا تلتقي مع عقيدة الأطراف الأخرى" ويعيد تطور وتوسع التنظيم بهذه السرعة إلى "سلوكيات الحكومة العراقية وممارساتها الخاطئة، وهو ما استفاد منه التنظيم بشكل دقيق وذكي". ويضيف الزبيدي بأن التنظيم استطاع بناء قوة استخبارية تتفوق في مهارتها استخبارات الحكومة العراقية في المدن والمناطق التي يسيطر عليها. وفي هذا السياق يشير إلى كشف داعش لمخطط حكومي يهدف إلى تشكيل صحوات جديدة يمكن أن تتصدى لداعش كما تصدت سابقا لتنظيم القاعدة وأبو مصعب الزرقاوي، حيث "استطاع التنظيم خلال أيام أن يكشف المخطط ويرصد من يقف ورائه وكان رده قاسيا جدا، حيث فجر 258 منزلا لضباط ومواطنين انخرطوا في هذه الصحوات الجديدة، وأصدر تصريحا حذر فيه كل من يحاول أن يتصدى للتنظيم".
داعش والأكراد
مع تنامي قوة تنظيم داعش العسكرية والتنظيمية والاجتماعية وتوسيع نفوذه والمناطق التي يسيطر عليها سواء في العراق أو سوريا، بات يشكل تهديدا للقوى المحلية والإقليمية والدولية، حيث التحق آلاف المقاتلين الأجانب بصفوفه الذين يعود بعضهم إلى بلاده وقد اكتسب تدريبا وخبرة عملية واستعدادا نفسيا وعقائديا لاستخدام العنف في بلاده. وهذا ما دفع إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من خطر داعش الذي لم يعد يقتصر على سورية والعراق، حيث يقاتل الآن، وإنما يمتد خطره إلى أمريكا والدول الأوروبية أيضا والتي تدعو إلى التصدي للتنظيم. ولكن هل هناك فعلا قوى داخلية أو إقليمية أو إرادة وإستراتيجية دولية للتصدى للتنظيم وخطره الداهم؟ عن ذلك يجيب الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية حسن أبو هنية، بأنه في ظل استمرار الأزمة السورية والتدهور في العراق وعدم وجود "إستراتيجية واضحة لإعادة بناء العملية السياسية، سواء في سوريا أو العراق، يبدو أنه ليس هناك جهة إقليمية أو دولية راغبة في التورط في المستنقع السوري والعراقي". ويضيف بأنه في ظل غياب إستراتيجية دولية وإقليمية واضحة للتصدي للتنظيم، فإنه سيستمر في التنامي. ويشير أبو هنية إلى أن الأخطر من ذلك هو انتشار نموذج داعش الذي "لا يتوسع جغرافيا فقط في المنطقة الممتدة من العراق إلى سوريا ولبنان، وإنما يتوسع وينتشر في أماكن عديدة أخرى".
أما بالنسبة للأكراد الذين يتصدون لتنظيم داعش ويمنعونه من التقدم باتجاه مناطقهم سواء في سوريا أو العراق، فيقول المحلل السياسي العراقي وليد الزبيدي إنهم لا يريدون الدخول في صراع ومعارك مع داعش وإن "قوات البيشمركة مدربة على أساس الدفاع عن مناطقها. والقيادات الكردية تريد المحافظة على ما حققته من بناء وأمن. وبالتالي فإن الإستراتيجية الكردية تقوم على عدم التصادم (مع داعش)".
من جانبه يشير أبو هنية إلى براغماتية التنظيم ومحاولته "السيطرة على المناطق الرخوة التي لا تسيطر عليها قوى أخرى ويثبت نفسه على الأقل مرحليا في ما يسمى "بالمحافظات السنية" وبالتالي فسيتجنب التنظيم الدخول في صراع ومعارك مع الأكراد.