الإعلام الخليجي وغزة ودموع التماسيح

الإعلام الخليجي وغزة ودموع التماسيح

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣٠ يوليو ٢٠١٤

من المؤكد ان العدوان الصهيوني الوحشي على غزة ستكون له تداعيات في غاية الاهمية على الوضع السياسي القائم في منطقة الشرق الاوسط برمتها ، وخاصة على ما يجري في العراق وسوريا ولبنان ، بعد ان اسقطت الطفولة المذبوحة في غزة كل شرعية عن جحافل زمر التكفير والتنظيمات والاحزاب السياسية الممولة بدولارات النفط الخليجي والمدفوعة بفتاوى الوهابية.
الاعلام السعودي والقطري ، ومن اجل التقليل من وطأة تداعيات المجزرة التي ترتكبها الصهيونية في غزة بدعم امريكي غربي مكشوف وبتواطؤ عربي رسمي واضح ، على مجمل مخططات السعودية وقطر في المنطقة ، بدأت بالتباكي على الاطفال والنساء التي مزقت الوحشية الصهيونية اجسادهم في غزة ، واخذت تحمل هذه الجهة او تلك مسؤولية ما حدث ويحدث من انتكاسة اخلاقية كبرى تمثلت بتخلي العرب عن اهل غزة وتركهم فريسة للوحشية الصهيونية.
الملفت ان وسائل الاعلام هذه تحاول الايحاء بانها مذهولة ومصدومة لما وصل اليه حال العرب من ضعف وتشتت ومن خذلان للقضية الفلسطينية ، فنراها تتساءل بنبرة المفجوع : اين العروبة؟ اين الدين؟ اين الانسانية ؟ ، أي أمة عربية أو اسلامية هذه التي تتفرج على بعض ابنائها يذبحون في هذه «الأيام المباركة» التي من الواجب فيها على كل مسلم ان يهتم بالضعفاء والمظلومين والمحتاجين. اي «ليلة القدر» يحتفل بها بعض القادة العرب، فيما يصمون آذانهم عن المذبحة القريبة في غزة، بل وماذا بقي من الدين نفسه و«الجسد الواحد الذي اذا اشتكى منه عضو..» ؟ واذا لم يبق لدينا دين ولا عروبة، فهل جفت الانسانية والنخوة في العروق الى هذا الحد؟.
لم اتصور ان تبلغ وقاحة مرتزقة الاعلام السعودي والقطري الى هذا الحد ، وهم يحاولون القاء مسؤولية ما جرى ويجري في غزة على الاخرين ، بينما الجميع يعرف ان الجهة التي اوصلت الاوضاع في العالم العربي الى هذه الدرجة من الضعف والتشتت والانهيار والانقسام هي الانظمة الخليجية الرجعية ، وفي مقدمتها النظامين القبليين الطائفيين في السعودية وقطر ، بعد ان هيمنت دولارات النفط والغاز لهاتين الدولتين على القرار السياسي العربي ، إثر غياب الدول العربية الكبرى التي كانت لها القول الفصل في تحديد التوجه العام للجامعة العربية والقرار العربي.
الاعلام القطري والسعودي المتباكي على ضياع الدين والعروبة والانسانية وعلى ضياع فلسطين ، يعتبر من بين الجهات المتهمة بكل ما يحصل للقضية الفلسطينية من نكسات ونكبات ، بعد ان عمل على مدى سنين في خلق عدو وهمي جديد للعرب ، من داخل العرب انفسهم ، والعدو الجديد هو "الشيعة" ، واخرج (اسرائيل) من المعادلة تماما ، واخذ ينفخ في نار الفتنة الطائفية وبشكل مدروس وممنهج حتى اصبح المواطن العربي العادي يعتقد ، كما يطبل هذا الاعلام الفاسد ليل نهار ، ان ايران الدول المسلمة الجارة هي العدو وليس (اسرائيل) ، وان الشيعة المسلمين هم الاعداء وليس الصهاينة ، وان ارض الجهاد هي سوريا والعراق وليس فلسطين ، وان الثوار هم "داعش" و "النصرة" وباقي الزمر التكفيرية ، وان الطائفيين والمغامرين هم حزب الله وحماس والجهاد ، وان هناك الف وسيلة ووسيلة للالتقاء مع (اسرائيل) ، ولا وسيلة الا الحرب في التعامل مع الاخوة في الدين والوطن ، وان المقاومة مغامرة والرضوخ والانبطاح حكمة وتعقل ، وان الخلاف بين الشيعة والسنة هو خلاف ابدي ازلي لا يحله الا الدم ، وان الخلاف بين العرب والصهاينة ليس الا سوء فهم ، وان السُنة في العراق وسوريا يبادون على بكرة ابيهم على يد الشيعة والعلويين ، بينما السُنة في غزة يعتدون على الصهاينة الامنين ، الى اخر هذا الخطاب الطائفي المقيت الذي روجت وتروج له ليل نهار وسائل اعلام قطرية وسعودية ، الامر الذي اضعف قدرة المواطن العربي على التمييز تحت وطأة كل هذا الشحن الطائفي الكريه، وبالتالي فقد اهتمامه بالقضية الفلسطينية التي تراجعت الى آخر سلم اولويات الانسان العربي المنكوب بالاعلام القطري السعودي.
بعد كل هذه الجريمة التي ارتكبها السعودي والقطري بحق الانسان العربي ، نراه يتباكى اليوم على ما وصلت اليه القضية الفلسطينية ، بينما الجميع يعرف ان الهدف الاول والاخير للنظامين كان ومايزال ، ضرب محور المقاومة في ايران وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين ، وهو ما يؤكد ان دموع هذا الاعلام ليست الا دموع تماسيح ، فالعدوان الصهيوني على غزة كشف وبشكل لا لبس فيه كذب وخداع هذا الاعلام الذي صور للانسان العربي ان صراعه ليس مع الصهيونية بل مع المسلمين الشيعة ، وان عدوه ليس (اسرائيل) بل ايران وحزب الله وسوريا والعراق ، بينما الحرائق التي اكلت بيوت واطفال ونساء غزة ، اثبتت ان لا عدو له الا (اسرائيل)  ، وان ايران وحزب الله وسوريا والعراق هم في خندق واحد مع باقي المسلمين ، وان الاعلام السعودي والقطري كان يكذب عليه طوال هذه السنين.