غزة تنتصر بالمقاومة.. لا بالمساومة!!

غزة تنتصر بالمقاومة.. لا بالمساومة!!

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣٠ يوليو ٢٠١٤

 تتسارع خطوات التسوية لوقف إطلاق النار في غزة بعد أن استنفذت "إسرائيل" المدة الزمنية الممنوحة لها من قبل المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية لإنهاء معضلة غزة، فتتالي المجازر بدأ يحرج المجتمع الدولي وحتى الولايات المتحدة ذاتها، التي بدأت تشهد كل يوم تحركات وتظاهرات أمام البيت الأبيض وبعض المدن الأميركية تنديدًا بالمجازر الإسرائيلية، وحيث أشلاء الأطفال المتناثرة على مدى مساحة غزة بدأت تحرج المجتمع الدولي إنسانيًا، لكنها لم تتمكن حتى الآن من أن تحرج الأنظمة العربية وجامعتها العربية الصامتة صمت القبور على خلاف تصرفها حيال سوريا وليبيا والعراق.
دخل نتنياهو النفق الفلسطيني المظلم أعمى استخباراتيًا ومعلوماتيًا، وما زال يتخبط، لم يهتدِ الى المخرج الذي يحفظ ماء وجهه، فجنوده يقتلون في مواجهات بطولية مباشرة، يهاجمون من قبل المقاتلين من "قبل ومن دبر" بدل أن يهاجموا هم، الصواريخ ما زالت تمطر المدن الفلسطينية المحتلة من أقصاها الى أقصاها، يسعى نتنياهو لحل مأزقه بالمزيد من الإيغال بالدم الفلسطيني المدني، ينتقم من كل ما يمكن أن تطاله يده في هذه البقعة الصغيرة المحاصرة، من حجرٍ، أو بشر، أطفال ونساء أو عجّز، أو مرافق عامة وخاصة، محاولًا بلوغ باب النفق للخروج من مأزقه بعد ثبوت عجزه عن كسر إرادة المقاومة، أراد الانتقام من كلّ شيء في غزة ردًا على فشله في مواجهة المقاومة وكسرها، في طليعة ذلك الأطفال لأنها الأشد إيلامًا، مكرّسًا بذلك قاعدة غير عسكرية وغير أخلاقية، ومتجاوزًا النازية الهتلرية، شعاره تقتلون جنودنا، نقتل أطفالكم، وكلما آذيتمونني في جنودي، وحصدتم المزيد منهم، أؤذيكم بالأطفال والنساء والشيوخ وهدم البيوت، إنه الانهيار الأخلاقي والتجاوز القانوني لكل قواعد الحروب، ولكل القوانين الدولية والإنسانية التي تقضي بتحييد المدنيين ولا سيما اتفاقيات جنيف، بل هو الإفلاس الأخلاقي المطلق لهذا الكيان وقادته السياسيين والعسكريين، إنها ورقة الضغط الخسيسة التي يلجأ اليها العاجز لتغطية عجزه. ويمكن تلخيص الوضعين الميداني والسياسي على النحو التالي:
1ـ ميدانيًا ما زالت المقاومة بكامل جهوزيتها تواجه العدو بالقصف الصاروخي من كافة العيارات، وتقوم بعمليات هجومية في مواقع المواجهة، وخلف خطوط العدو، وعبر الأنفاق، تلحق به الخسائر البشرية والمادية الكبيرة، وثمة معلومات عن قتل وجرح عدد كبير من الجنود الإسرائيليين، لم يعترف العدو بهم حتى الآن، لكي لا يتراجع موقعه الشعبي، الذي يعاني أصلًا من تراجع كبير، عبرت عنه الصحافة الإسرائيلية بالكثير من السخرية السوداء، وعبر عنه الإسرائيليون بالكثير من التعليقات المرة، على شبكات التواصل الإجتماعي، الفيسبوك والتويتر، وغيرها من وسائل التواصل، وثمة معلومات أيضًا عن سقوط أعداد من المستوطنين بين قتيل وجريح، تمنع الرقابة العسكرية الإفصاح عن أعدادهم.
2ـ "إسرائيل" تصعّد من عدوانها ردًا على الخسائر بقصف مركز تجمع أطفال في مخيم الشاطىء، وتوقع مجزرة بالأطفال، كأحد أدوات الضغط على المقاومة والمجتمع الفلسطيني.
سياسيًا: يحتدم الفرز السياسي على محاور ثلاث كما يلي:
1ء محورالمقاومة يرفض وقف القتال قبل تحقيق فك الحصار بأية صيغة حلّ، والبنود الستة التي وضعتها الفصائل المقاتلة في ورقة موحدة سلمتها لمحمود عباس.
2ـ المحور السعودي ـ المصري ـ الإماراتي ـ الأميركي الذي يطمح لنزع سلاح المقاومة تحت عنوان نزع سلاح حماس (الإخوان المسلمين) وتلك رغبة سعودية ـ مصرية ـ اميركية ـ إماراتية بدعم إسرائيلي.
3ـ المحور التركي القطري الذي يطمح للإمساك بحصة من المقاومة عبر حماس، وهي محاولة لاستعادة الدور القطري الذي تقلّص بعد فشله في سوريا، ومحاولة لأن يستعيد رجب طيب إردوغان شعبيته ودوره في المنطقة، والذي تقلّص بعد أن تآكلت شعبيته نتيجة انكشاف الدور التركي المزيف سواء فيما يتعلق بالموقف من "إسرائيل" أو بالصراع الدائر في المنطقة، ولكي لا تتحول المقاومة في غزة بالكامل الى ورقة في يد محور المقاومة، فيبقى إردوغان وقطر ممسكين بجزء من ورقة المقاومة عبر حماس، وهذا ما يعمّق مأزق الانقسام الحاصل داخل حماس بين السلطة السياسية وقوات القسام التي ترفض أن تتحوّل الى ورقة مساومة بيد إردوغان وقطر، والتي رفضت ما جاء في الورقة التي عرضت في مؤتمر باريس المقدمة من قطر.
رفضت "إسرائيل" المشروع الذي تقدّم به الشيخ تميم بن حمد حاكم قطر في مؤتمر باريس، واعتبرت محاولة قطر وتركيا تعويم لحماس بهدف قطف نتائج سياسية لا تصب في مصلحة "إسرائيل".
امتنعت الحكومة المصرية ومن خلفها السعودية والإمارات عن المشاركة في مؤتمر باريس بسبب وجود المحور التركي القطري الداعم للإخوان المسلمين، تنطلق مصر في موقفها من أنّ كلّ الطرق ينبغي في النهاية أن تمرّ عبرها، استنادًا الى الجغرافيا، واستنادًا الى مستويات التفاهم والتنسيق مع أحد طرفي الصراع وهو الإسرائيلي، الذي يعبّر صراحةً عن أنه لا يوجد على الطاولة سوى المبادرة المصرية. هذا التأييد الإسرائيلي لدور مصر ينطلق من معيارين رئيسيين أولهما أنّ مصر أثبتت عبر الميدان والواقع التزامها التفاهمات التاريخية مع "إسرائيل"، وأنها رفعت معدلات التفاهم الاستراتيجي مع "إسرائيل" طيلة مدة المعركة، فرفضت فتح المعابر واستقبال الجرحى، كما أعاقت دخول المساعدات الطبية والإنسانية وحتى الغذائية، والسماح للأطقم الطبية التي جاءت لمساعدة المصابين بالعبور أيضًا، رغم الضغوط المعنوية التي تلقتها من المجتمع العربي، وبعض الضغوط الداخلية أيضًا، فأصرّت الحكومة المصرية يساندها الإعلام المصري على عدم فتح معبر رفح رغم مرارة المأساة الفلسطينية.
وثانيهما الانتقام من حماس ومحاولة إضعاف دورها إذا ما تعذّر تهميشها وإلغاؤها، استنادًا الى الموروث الصراعي معها بصفتها جزءًا من الإخوان المسلمين، وتحميلها المسؤولية عن بعض ما يجري في سيناء من صدامات واعتداأت على القوات المسلحة المصرية، ويلقى الموقف المصري دعمًا سعوديًا إماراتيًا وإسرائيليا مطلقًا، في حين تمسك الولايات المتحدة العصى من منتصفها بين المحورين.
أخيرًا قبلت مصر إجراء بعض التعديلات على مبادرتها التي صاغتها بالتعاون مع الإستخبارات الإسرائيلية وطوني بلير، ووافقت على استقبال وفد فلسطيني موحّد برعاية محمود عباس ومنظمة التحرير لإدخال بعض التعديلات على المبادرة بما لا يخل بأمن "إسرائيل" ولا يحصّن أمن غزة، بالتأكيد ستشهد المفاوضات في مصر كباشًا  شديدًا بين المحورين أعتقد أنها ستحسم استنادًا الى الميدان، لذا أتوقع مفاجآت فلسطينية من النوع القوي خلال سير المفاوضات..
تبقى المقولة الختام أنّ المقاومة والصمود والعضّ على الجراح هي التي ستحمي غزة وأمنها، وليس الخنوع والتنازل والحقد الذي لا يليق بالأفراد.. فما بالك بالدول.