بعد الهدنة، حرب غزة الى أين؟

بعد الهدنة، حرب غزة الى أين؟

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٨ يوليو ٢٠١٤

 هل تريد "إسرائيل" هدنة؟ هل ستوقع "إسرائيل" على وقف إطلاق نارٍ "متكافئ"؟
لعلّ نتنياهو لا يخشى الهدنة لأنها ستُحسب نصراً لحماس فحسب، بل سيتعداه الى فك الخناق المزمن عن غزة وعن حماس وهو ما لن تقبل به حكومة نتنياهو. هذا ما أُبلغ به جون كيري يوم الجمعة، ليليها هجمة هيستيرية على الأنفاق حتى خلال هدنة الاثنتي عشرة ساعة التي تلت الزيارة.
بالرغم من شعور "الانكسار القومي" الصهيوني، والذي ستحفل الصحف الصهيونية بالحديث عنه وتحليله في القادم من الأيام والذي قد يترجم عشرات "فينوغراد" قادمة، الا أنّ حسابات الكيان ستذهب أعمق من ذلك في تقديراتها المستقبلية لتداعيات الحرب، فالخشية الصهيونية تتعدى مفهوم الانتصار والخسارة الى الخوف من أنّ أي اتفاق ينهي الحرب سيجعل حماس وباقي الفصائل المقاومة أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة ليس فقط في غزة، بل تتعداه الى الضفة سيما وأنّ أداء أبو مازن المشبوه والمتواطئ والفاقع أسقط الشرعية الشعبية عن حكومة رام الله بالضربة القاضية، ولعلّ أشلاء الأطفال كانت تلعن أبو مازن أضعاف ما لعنت "مشغّله" الصهيوني في هذه الحرب.
السلطة الفلسطينية بعد هذه الحرب "العالية السقوف والعالية الأثمان" ستنهار دون شك، والانتفاضة التي بدأت في الضفة ستستهدف في عمق صرختها "نظام رام الله" بقدر استهداف غطرسة الصهيوني، لتبدأ معها معركة تحرير الضفة الغربية، التي ستشكّل كابوساً لحكومة نتنياهو ودوائر القرار الإسرائيلي، وهذا بالظبط ما يبحث عن أجوبته من جون كيري وبان كيمون قبل الذهاب الى توقيع الاتفاق النهائي لوقف النار والخروج من عنق الزجاجة.
إنها المرة الأولى التي يكون فيها عنوان الحرب هو إنهاء الهيمنة على غزة، وفتح البحر والسماء وحرية التنقل والاتصال والتواصل مع العالم الخارجي، فحرب الرصاص المصبوب كانت مجرد "جولة عنف" عقبتها حرب "عامود السماء"، وقد اعتقد "الإسرائيلي" في هذه الحرب أنّ ما يجري في العراق وخصوصًا دعوة البارازاني الى إعلان الدولة الكردية، فرصةً مؤاتية لافتعال حرب يجتمع العالم بعدها ويبرّر للكيان إعلان يهودية الدولة، وحتى في حساباته أنّ الظرف الإقليمي مناسب في ظل انشغال العالم العربي والإسلامي في الحروب والتناحر، ليتفاجأ أنّ خصمه أيضًا ينتظر الفرصة لجرّه الى مواجهة تكرّس معادلة: "اشتعال في العراق يقابله اشتعال في فلسطين"، فخلطت الأوراق في المنطقة، وأصبح الجميع، من اليمن الى الرياض الى بغداد الى سوريا الى لبنان ففلسطين، يشدّ الخناق على رقبة عدوّه، ويتألم.
وتجدر الإشارة الى أنّ أيّ انتصار لحماس وباقي الفصائل في هذه الحرب"الاستثنائية"، سيعني خسارة للمملكة ولمصر، وستنسحب مفاعيله على الصراع الدائر من العراق الى اليمن وسوريا وصولًا حتى الى داخل مصر. إلا أنّ الملفت أيضًا هو الجملة الأخيرة في خطاب السيد نصرالله الأخير، والذي ألمح الى حجم المأزق الذي أوقع نفسه فيه رئيس حكومة العدو والذي كما وصفه، يدور في حلقة مفرغة، "ليحذّره" من أية خطوة متهوّرة يقوم بها للخروج من المأزق مما يعني شيئًا واحداً، أنّ المقاومة اللبنانية لن تسمح بهزيمة المقاومة الفلسطينية مهما كان الثمن.
لذلك، وأمام تلك المعضلة الصهيونية، لا يرى نتنياهو من خيار سوى الهروب الى الأمام عبر المزيد من المجازر والدمار ليسير كدبّ أعمى بغير هدى، وهو ما يفسّر هذا العدد الهائل من الضحايا وذاك الكمّ من الدمار، لاعتقاده أنّ هذه الوحشية ستساعد على إنضاج التسوية التي توقف النار، و"تنزله عن الشجرة التي صعد اليها"، ليصتدم بشعبٍ بأكامله يقول: نموت جميعاً، أو نعيش أحرارًا.
كم يحتاج نتنياهو من وقت وقدرات، بعد قتله الف شهيد، ليقتل الملايين الخمسة الباقية؟
إنها ببساطة، معادلة النصر الأكيد، المنبثق من إرادة شعبٍ، لا يُقهر.