غزة …..لماذا الآن؟

غزة …..لماذا الآن؟

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٨ يوليو ٢٠١٤

كل المقدمات ذات الصيغة الواحدة القائمة على افتعال الأزمات وإشعال الحروب في المنطقة العربية تفضي إلى نتيجة مفادها محاولة تصفية القضية الفلسطينية والإجهاز على ما بقي من تراب فلسطين بغية تحقيق حلم إسرائيل في إقامة ما يسمى (إسرائيل الكبرى). وما يجري في غزة اليوم لم يكن مفاجئاً وسط حالة الفوضى والحروب التي تم تأجيجها في المنطقة في المرحلة الراهنة. وواضحة الغاية من كل الاعتداءات التي تعرض لها القطاع منذ عدوان عام 2006 والتي تذرع الإسرائيليون حينها باقتحام خلية من كتائب القسام الأراضي المحتلة عبر نفق ومهاجمتها قوة للمدرعات الإسرائيلية كانت تراقب الحدود وأسرها أحد جنودها المدعو جلعاد شاليط الذي تم أسره ليتم مبادلته مقابل أسرى فلسطينيين، ثم عدوان عام 2008 الذي استهدف مقرات الشرطة الفلسطينية والمنازل والمساجد والمستشفيات، والذي عرف بمحرقة غزة بحسب ما وصفه وزير الحرب الصهيوني آنذاك إيهود باراك، والعدوان المسمى “عملية عمود السحاب” التي شنت فيها إسرائيل هجوما نازيا ضد البشر والحجر عام 2012 مستخدمة كل أدوات الموت في ترسانتها الضخمة، بما فيها الأسلحة المحرمة دوليا كالقنابل الفوسفورية والدايم وغيرها.
كانت غاية تلك الاعتداءات القضاء على حركة المقاومة  بعد محاولة إسباغ تهم الإرهاب على فصائلها، ولاسيما حركة “حماس” بعد سيطرتها على القطاع، ما يطرح سؤالا كيف سمحت “حماس” لإسرائيل أن تحقق بالمكر والخديعة ما فشلت في تحقيقه بالعدوان العسكري المباشر عليها من خلال نجاحها عبر عملائها من مقاولي الفوضى والحروب في المنطقة والإقليم بإخراجها من حضن المقاومة؟
هذه الصفة التي أكسبت حماس احتضان سورية ودعمها ورعايتها لها، بحسب حديث الرئيس الأسد لصحيفة الأخبار اللبنانية بتاريخ 14 تشرين الأول عام 2013، ورغم ذهاب  بعض قادة “حماس” خلف حسهم الإخواني، إلا أن سورية لم تتوان عن دعم المقاومة في مواجهة العدو المشترك والخطر الذي يتهدد الأمة كافة. ورغم موقف “حماس” المنحاز ضد الدولة السورية في المؤامرة التي تعرضت لها سورية، وتدخلها بالشأن الداخلي السوري، إلا أن  سورية، ومن منطلق دورها القومي الذي تنهض به، اعتبرت أن المقاومة الفلسطينية لا تختزل  بحماس، وفلسطين وطن أكبر من كل الفصائل والأفراد، ولأن دمشق تدرك هذه الحقيقة جيدا لم ولن تضل طريقها يوماً إلى بوابتها الجنوبية، فقد حضرت فلسطين في خطاب القسم للسيد الرئيس بشار الأسد بتاريخ 16 /7/2014 رغم الجرح السوري النازف، والذي أكد (على بقائها القضية المركزية).
إن مايجري في  المنطقة يتم في إطار سيناريو واحد،  ولايمكن قراءة المشهد إلا كحالة مترابطة فما يدور في سورية مرتبط بفلسطين والعكس صحيح، وإذا كان المتآمرون على الدولة السورية هدفوا إلى محاولة استنزافها، اجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً، بغية إشغالها بمشاكلها الداخلية شأنها شأن الدول العربية الأخرى، وبالتالي فرض تسوية مذلة، لكونها دولة محورية في الصراع العربي الصهيوني، ولأن إضعافها يؤثر سلباً على المقاومة في لبنان وفلسطين، بيد أن سورية تعرف ما لها وما عليها جيداً، ولذلك أسقطت رهانات من توهموا سقوط  الدولة السورية، واستمرت، رغم قساوة ما تواجه، في التصدي لمحاولات تمرير التسويات الهادفة إلى أخذ كل شئ من الفلسطيني دون إعطائه أي شيء، الأمر الذي تمثل بمبادرة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري للتوصل إلى تسوية خلال عمر الأزمة السورية دونما نتيجة، ولذلك، وعلى عادة الكيان الإسرائيلي عندما يفشل في تحقيق أهدافه، يلجأ إلى العدوان العسكري المباشر كما فعل في سورية وجنوب لبنان، وكان قدر قطاع غزة المعروف بمساحته الجغرافية الصغيرة مقارنة مع تعداد سكانه الكبير والذي يقترب من مليوني نسمة حسب إحصائية عام 2011 والذي يعاني الحصار القاسي منذ العام 2007، ويواجه أعتى ترسانة أسلحة أن يدفع ثمن فشل المفاوضات العبثية الرامية لتصفية القضية، وبخاصة أن “إسرائيل” استغلت اصطفافاً خاطئاً لحماس، من خلال عدوان همجي يستهدف البنية التحتية ومساكن المدنيين العزل وجل ضحاياه من النساء والأطفال وكبار السن وسط غياب الإدانة الدولية وصمت أغلب الأنظمة العربية، ما يعلن موت الضمير لدى كثير ممن  ينسبون أنفسهم زوراً وبهتاناً لغسان وعدنان، والذين ذهبت الصفاقة ببعضهم إلى دعم العدوان الصهيوني علناً.
ومهما يكن من أمر فإن هؤلاء لا قيمة لهم في بنك الكرامة العربية  التي لم يعرفوا منها شيئاً، فانتصارات المقاومة على الأرض من دمشق إلى لبنان وفلسطين ستفرض عليهم وعلى من يقف وراءهم التعاطي مع الوقائع، و ما من شك في أن هذا العدوان، وخلافاً للحسابات الصهيونية، أسهم بشكل أو بآخر في إعادة تعويم قضية فلسطين على الساحتين الدولية والعربية، وهي التي سعى الكيان الإسرائيلي إلى إبعادها وتغييبها عن الأذهان بمحاولة اختلاق  قضايا عربية أخرى سواء في سورية أو العراق وغيرهما، بهدف إضعاف وإلغاء الخصوصية التي تتمتع بها قضية فلسطين لدى العرب والمسلمين، وسرعان ما سيكتشف هذا العدو خطأه من حيث أنه أعاد تصويب الرؤية نحو العدو الوحيد للعرب، وأعاد الألق للمقاومة كخيار للخلاص من الاحتلال والتصدي للمشاريع الرامية إلى تفتيت المنطقة العربية والهيمنة عليها، بعدما باءت محاولة الانفراد بمكونات محور المقاومة بالفشل من خلال تنبه هذا المحور ومنذ البداية إلى الأخطار التي تتهدد المنطقة عموماً، وجاء العدوان الإسرائيلي ليعري حقيقة نواياه المبيته التي تستهدف إلغاء شعب بكامله وليرسخ فكرة أن إسرائيل كيان عنصري قائم على العدوان والإرهاب المنظم، الذي قد لا تكون مجازر الشجاعية وخزاعة وغيرها آخر فصوله، مكذباً مزاعمه التي روجت لمسألة اختطاف المستوطنين الصهاينة لتبرير العدوان، وليجد “إسرائيل” ومن يدعم عدوانها أنفسهم بحاجة لمخرج من مأزق غزة، رغم كل الدماء الذكية التي تراق والتي تخط ملامح فجر جديد بدأت معالمه بالبروز على وقع بطولات أهل غزة،  التي تمنى رئيس الحكومة الصهيونة الأسبق اسحاق رابين لو أن البحر يبتلعها، لكن صمود سورية غزة والمقاومة يثبت أن البحر سيبتلع أوهام المعتدين.