بين التكليف والتشريف.. بقلم: سامر يحيى

بين التكليف والتشريف.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٧ يوليو ٢٠١٤

في خضّم ما تمرّ به الجمهورية العربية السورية من تحديّات، وبعد سنواتٍ معاناة مع أعداء سورية، وتجار الحرب عليها، بهدف استنزاف خيراتها ومحاولة إعاقة بل تدمير استثمار مواردها وإمكاناتها، واللعب على العواطف وتضليل بعض أبنائها لتستخدمهم جسوراً لثغرات يحقّقون من خلالها أحلامهم، وبما أنّنا مقبلون على تشكيلةٍ حكومية جديدة، بعد الاستحقاق الدستوري، بغضّ النظر عن تغيير الأشخاص، لأن الأهم تغيير السياسات والنهج الإداري والمؤسساتي بما يصب في مصلحة المواطن والوطن، فالمبادئ والأسس التي تؤمن بها الجمهورية العربية السورية، لا يمكن ولا يحق لأحدٍ التخلّي عنها أياً كان هذا الأحد.. فالحفاظ على الوطن هو الثروة الكبرى لدى الجميع، ودور كلٍ منا هو حماية الوطن وأمنه واستقراره، ولا يمكن تحميل المسؤولية لفردٍ وتجاهلها عن الآخر فكل في مكانه يستطيع القيام بدورٍ ما، وكل حسب موقعه، وإن كان موقع الوزير، كما هو في كل دول العالم، يتحمّل المسؤولية الكاملة عن أي تقصير أو سوء إدارة لأي مرفقٍ عامٍ يتبع لوزارته، فهذا صحيح لأن الحكومة تتحمّل المسؤولية كونها تقود مؤسسات وتوجّهها وتتابع عملها للوصول إلى الهدف المنشود المتمثّل بالبيان الوزاري، وكون الوزير هو المخوّل مباشرة، باعتبار كلمة وزير مشتقّة من "وزر" أي الثقل، فالوزير يتحمل عن الحاكم أثقاله وأعباءه، وذهب رأي آخر إلى أن كلمة وزير بمعنى الملجأ أو المعتصم، فالحاكم يلجأ إلى رأي الوزير وتدبيره، ويستعين بمشورته في أمور الحكم، كما تلجأ إليه الرعية في قضاء أمورها. وذهب رأي ثالث إلى أن لفظ وزير مشتق من الإزر أي الظهر، فالحاكم يقوى بوزيره كقوة البدن بالظهر، كما ورد في معاجم اللغة العربية أن الوزير: "رجل الدولة يختاره رئيس الحكومة للمشاركة في إدارة شؤون الدولة مختصاً بجانب"، وجاء في التنزيل العزيز: (واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري...) طه: 29. كما يعرّف الوزير بأنّه راسم اتجاهات وزارته ويشرف على تنفيذها ضمن السياسة العامة للحكومة، وبرنامجها الحكومي، فالوزير هو مواطن يتولّى سدّة المسؤولية ليقدّم المساعدة لقائد البلاد في تسيير أمورها، وتنفيذ التوجيهات وتطبيقها في إطار السيادة الوطنية المستندة إلى الدستور والقانون، لتحقيق مصلحة الدولة والحفاظ على هيبتها وحماية حقوق جميع أبنائها، وتسيير المؤسسات التي يشرف عليها، وتفعيل دورها، بما يصب في خدمة الوطن والمواطن بآن معاً.
 ولكن التساؤل المطروح، هل وزراؤنا سيعتبرون المنصب تكليفاً لهم للقيام بمهامّ محدّدة مطلوبة من كلّ منهم، أم أنّهم سيعتبرونه تشريفاً ووسيلة لتحقيق مصالح ذاتية على حساب مصلحة الوطن وأبنائه، وهل سيرون الشارع أم أنهم سيحكمون على المواطن من خلف "الزجاج المعتم"..
 لا أحد يستطيع النفي أننا سنرى الوزراء يتجوّلون أمام الكاميرات والتصريحات والأحاديث، ولكن يا ترى هل ستكون خلّبية لمجرّد كسب الرأي العام، أم أنهم سيتعلمون من الدروس السابقة ويعملون للتغيير بعيداً عن الأرقام الوهمية الخلّبية والتنظير البعيد عن الواقع.. سوف نفاجأ بأجوبةٍ كثيرة، لتبرير الكثير من الأخطاء مثل: "المواطن نقّاق ولا يحتمل" لا أنفي هذه المقولة، ولكن من حقّ المواطن أن يكون "نقاقاً ومستعجلاً، ويرغب بأن تقدّم له الحكومة كل شيء بدون تردد" فالأب والأم يقدّمان لأبنائهما كل ما يريدون، لكنهما ينصحانهم ويرشدانهم إلى الطريق القويم، لمساعدتهم على تحقيق طموحاتهم ومصالحهم، وهنا يكمن دور هذا الوزير أو ذاك بالعمل على مساعدة المواطن، وتفعيل دوره، ليكون معطاءً وطنياً بعيداً عن النق والطلب غير المبرر، وإيجاد الآلية الأفضل لتلبية متطلبّاته، ولاسيّما أن إحياء الروح الوطنية لدى المواطن العربي السوري التي هي متجّذرة به أصلاً، تحتاج للقليل من العمل عليها لاستثمارها بما يصب بمصلحة الوطن، فكما من حق المواطن أن يتحقق كل ما يطلبه بسرعة، من واجبه مساعدة حكومته، ومن واجب مؤسسات الدولة أن تعمل بحكمة وحنكة وهدوء وفق القوانين بعيداً عن الروتين والبيروقراطية والسماح بتغلغل أعداء الوطن من ثغرات هنا وهناك..
 إن وطننا بحاجة لكلٍ منا، ولكن لا يمكن أن يعيش الأبناء بشكلٍ سليم إيجابي، إن لم يحصلوا على التوجيه الكافي، وقد يصبح من الصعب قليلاً توجيه التأمين الكافي لهم، نتيجة الحرب الشعواء وخاصّة التضليل الإعلامي وضعف الإعلام والتسويق الحكومي الحقيقي لكنّه ليس من المستحيل في حال تواجدت الإرادة الحقيقية، والإدارة الصحيحة، والعمل الوطني الجاد بعيداً عن مصالح شخصية تتناقض مع مصالح الوطن، بل على حسابه في أحيانٍ كثيرة، وقد تساهم بعض الأفكار كإطار عريض يمكن الاستفادة منها، وتطويرها كل حسب دوره وجهده:
- عدم الاستجابة للدائرة الضيقة فيما يخص عمل المؤسسة بل توسيع الدائرة، لأن توسيع المشاركة في اتخاذ القرار هي التي تؤدي لاتخاذ القرار السليم بعيداً عن المزاجيات الشخصية لبعض الأفراد أو الأحقاد الدفينة.
- تفعيل دور دائرة العلاقات العامة في المؤسسة لكي تقوم بدورها الفاعل المنقسم إلى شقين:
الأول: تحسين وجه المؤسسة أمام الجمهور وشرح إجراءاتها، ومعرفة رأي الجمهور بالمؤسسة ونقله بدقة لتفادي الأخطاء وتعظيم الايجابيات.
الثاني: العمل على متابعة أوضاع العاملين ضمن المؤسسة، والاطلاع على آرائهم للاستفادة منها، وتوضيح قرارات الإدارة التي قد تزعج بعض العاملين فيها، بما يساهم في الخروج بقرارات أكثر دقّة وإيجابية ويدافع الموظف عن قرارات مؤسسته..
- أن يتيقّن الوزير أنه كان مواطناً، ويبقى مواطناً، وما هذا المنصب إلا تكليفاً له لتفادي التحديّات التي كان يمرّ بها كمواطن، هو أو أحد من أقاربه، والاستفادة من الملاحظات التي كان يلقيها على سابقيه.
- الاستفادة من الآراء وتشجيع الابتكار والمقترحات، فربّ مقترح يساهم بإيجاد مقترحات أكثر قابلية للتطبيق.
- الابتعاد عن تغليف الأمور بشعارات وطنية، تنعكس سلباً على الوطن..
 سوريتنا تنادينا جميعاً، فلنعمل جميعاً يداً بيد لاستكمال بناء سوريتنا، فكلّ منا له دوره، وكلّ منا له مكانته، وكل منا يستطيع من المكان الذي هو فيه أن يحمل وزر الوطن وهموم ومشكلات أبنائه، وأن يساهم بحلها ما استطاع لذلك سبيلاً.