التعاطف الإنساني.. بقلم: عبد اللطيف البني

التعاطف الإنساني.. بقلم: عبد اللطيف البني

تحليل وآراء

السبت، ٢٦ يوليو ٢٠١٤

يعرف علماء الأعصاب والأخصائيون النفسيون التعاطف على انه أكثر المبادئ جوهرية في الأخلاق ,لا بل هو القاعدة الأخلاقية الذهبية التي تقوم على وضع نفسك في مكان الآخر , أو بحسب المبدأ البسيط عامل الناس كما تحب أن يعاملوك , والسؤال دائما كيف كنت لتشعر لو عاملك أحدهم بهذه الطريقة ؟. عندما نرى حيوانا أو إنسانا يعاني فإنك نعاني بالنيابة عنه ,إنها عاطفة شديدة جدا وكلما كان الأخر قريبا منا إزداد إحساسنا بالألم لقاء معاناته . لسنا بحاجة لكتاب أو علماء أو رجال دين ليعلمونا كيف نتعاطف, فالعلم يبين على أننا نحن البشر مجبولون بحيث نكون متعاطفين . وأصبح بمقدور العلماء اليوم مسح أجزاء من الدماغ والتي تسجل الألم والمتعة التعاطفيين ويستطيعون تتبع كيف أن الهرمونات التي تحفز على الرحمة والرعاية مثل الأوكستريسين تعمل على أنظمة المشاعر في الدماغ . وعلم الدماغ يساعدناعلى معرفة لماذا تعتبر السرقة فكرة سيئة ,لماذا نكره رؤية شخص يعذب أو يهان من قبل شخص أخر , يمكن للعلم تتبع المواد الكيماوية في الدماغ والتي تكافئ المواد الطيبة ,ويمكننا أن نرى مايجري في الدماغ عندما نشعر بالآخرين , لندرك أن الخير في طبيعتنا نحن البشر وأن الطيبة تكمن في فيسيولوجيتنا , والسؤال المهم هنا هو : إذا كانت لدى البشر هذه القدرة الغريزية لفعل الخير فكيف يأتيها الخلل ؟ لماذا لا نزال نقوم بكل هذه الافعال الشريرة ؟ كيف يمكن لإنسان أن يكون طيبا متعاطفا مع حيوان أو إنسان يخصه أو صديق أو قريب وفي الوقت نفسه بقتل إنسانا آخر لابل ينزع قلبه من صدره ويأكله تشفيا !!. كيف يمكن لنا أن نحزن ونغضب بشدة حين نرى قريبا لنا يعذب أو يهان أو يقتل وفي الوقت نفسه نستمتع برؤية جثث لقبلى وأشلاء متناثرة أو نشعر بالفخر والنشوة لرؤية أشخاص يعذبون أو يهانون وربما يقتلون شر قتلة , كيف يمكن لمن تعلم الموسيقى وغناها بلهفة وإحساس شديدين أن يتحول إلى قاتل وداعية لإفناء الأخر ,,, ماهو الجواب العلمي لكل هذه الأسئلة كيف إستطاعوا بالعلم أستغلال الدين والعرق والإيديولوجيا وتحويلنا إلى وحوش؟ يقول علماء الأعصاب : كما لدينا التعاطف والطيبة الكامنة فيسيولوجيا , لدينا أيضا بالمقابل التقزز والقسوة والخوف وجميعها تطورت لتحمينا ولتحمي أقاربنا . وعندما يقرر مجموعة من البشر أن الآخرين لايمكن إدراجهم تحت قبيلتهم ,, تبدأ هنا كارثة شيطنة الأخر . تقول عالمة الاعصاب كاثلين تايلور: إنه في حالة اقتناعك بأنه لا يمكنك إدراك الآخرين أو اشخاص معينين فأنت تقوم بما يسمى (شيطنة الآخر) ، فتنظر إليهم على أنهم دون البشر، ليس شرطاً كعدو إنما أقل قيمة منك، وعلى هذا ترفض اعطاءه القيمة الأخلاقية التي تعطيها لأفراد دائرتك. وكل من مارس عمليات الإبادة والتهجير والإستعباد الجماعي عبر التاريخ قام بها من خلال فكرة شيطنة الأخر عن طريق قمع التعاطف ,وحين يقمع التعاطف مع الأخر تنسى الأخلاق جميعها ويبدأ الإنخراط في الوحشية وهذه الوحشية توجه دائما إلى الأخر الخارج عن قبيلتنا أو عن المجموعة المستثناة من وحشيتنا وينصب التوحش على الهدف وهو الأخر الخارج عن نطاق تعاطفنا . وقمع التعاطف وشيطنة الأخر تأتي أيضا من خلال عدم قدرتنا على إستيعاب الأخر أو تبني موقفه وهنا تلعب الإيديولوجيا وضغط المجموعة والجهل الدور الأكبر في هذا القمع والذي يؤدي غالبا إلى إنهيار كامل للتعاطف والذي يقود إلى العنصرية والقتل والإبادة وأيضا إلى إنهيار كل المبادئ الأخلاقية . والسؤال الأهم هنا ؟ ماهو الحل ؟ كيف يمكننا مساعدة مجتمعاتنا من الإنهيار والصراع الدائم ؟ إن فهمنا العلمي للتعاطف والذاكرة التي نمتلكها عن أخطائنا الماضية يمكن لهما أن يقودانا للعمل الحقيقي والجاد لأن نصل إلى مجتمع يبيح التعبير الحر الكامل وتقبل الأخر عن طريق البحث العلمي والمناظرات العقلانية التي تعمل على تراكم الأدلة البحثية والتي تدفعنا باتجاه أخلاقي للإرتقاء السامي فوق كل مايمكن أن يفرقنا من دين أو عرق أو إيديولوجيا , والعمل على توسيع دائرة أولئك الأشخاص الذين نشعر بالتعاطف تجاههم بمد جسور التواصل لكسر تلك الحواجز المصنعة والتي دائما ماتعمل على تفرقتنا . والعلم يكشف لنا أننا محكومون بقوانين خفية فيها شيء من المنطق , وبأعراف وأحاسيس متطورة جدا لدينا كبشر حيال العقلانية والتعاطف ,, والعقلانية تقول بأننا يجب أن نتعلم من اخطائنا في التاريخ ونطورها لاأن نستجلبها بكل كوارثها وأخطائها لتتحكم بحاضرنا . وأن نتجنب القبلية أيا كان نوعها والتي تقسمنا وتفرقنا وتضر بحاضرنا ومستقبلنا , نعم لدينا الفرصة دائما في أن نطور اخلاقا جديدة , وهذا هو الجزء المنير في معنى أن تكون إنسان