سورية بين إرهاب القاعدة ...وأجندات القوى الإستعمارية

سورية بين إرهاب القاعدة ...وأجندات القوى الإستعمارية

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٣ يوليو ٢٠١٤

تكاد تكون سوريا مفتاح العالم وقفله وبوابته، وقليل مَن ينافسها في فضلها الحضاري والفكري على العالم كله، ولم تبق حضارة ولا دين ولا فكر إلا وتنفس فيها، كما أن موقعها الجغرافي جعلها قلباً حياً يتدفق منه العطاء والتواصل بين قارات العالم، وإذا أضفنا إلى ذلك إمكانياتها الذاتية ونسيجها السكاني وتنوعه اللامحدود أدركنا لماذا أصبحت محط أنظار أمم الأرض في كل زمان.
واليوم باتت سوريا عنواناً للجهاد وتصدير العنف، وأصبحت تمثل أهم تجمع للإرهابيين القادمين من كل أنحاء العالم الذين كفروا يالسلمية وإتخذوا من السلاح والتدمير لغة لفرض آرائهم، وهو خطر يتهدد إستقرار المنطقة وسيقف من الآن فصاعداً على أبواب القارة الأوروبية، فضلاً عن البلدان الغربية الأخرى، فتدفّق المقاتلين المتطرفين إلى سورية بات يمثل اليوم التهديد الأكبر في المنطقة، ويبقي السؤال الذي يؤرق الدول الغربية كافة، ماذا لو انتهت الحرب في سوريا وعاد هؤلاء إلى بلادهم؟
في عام 2007 و2008 نشر تقريرين على موقع مركز محاربة الإرهاب التابع للجيش الأميركي كشفا عن وجود شبكات عالمية من منظمات إرهابية تابعة للقاعدة، مهمتها إرسال مقاتليها إلى سورية والعراق، مما يعني أن وجود القاعدة في سوريا لم يكن أمراً غريباً على الغرب وتحديداً الولايات المتحدة، بل كانت على علم مسبق بهذه الشبكات ورغم هذا قامت بتوريد السلاح للمسلحين بالوساطة عن طريق دول عربية حليفة لها، وبالتالي لا شك أن الغرب إستخدم هذه الجماعات المتطرفة لضرب الإسلام من داخله، وهو اليوم ماض في خطته في سوريا والعراق و اليمن وليبيا لخلق نوع من الفوضى الخلاقة في إطار ما يسمى صراع الحضارات لتكون الغلبة في النهاية للإمبراطورية الأمريكية التي تحكم الكون في هذه الحقبة من التاريخ.
إن تصاعد وتيرة الحرب في سوريا، يشكل تهديداً متزايداً للولايات المتحدة الأمريكية، فقد أصبحت سورية أرضاً تدريبية مثالية للمقاتلين ، وخلال الفترة المنصرمة توجهت أعداد متزايدة من المقاتلين إلى سورية من مناطق أخرى، بما في ذلك من البلدان الغربية، للمشاركة في قتال النظام السوري، ويكتسب العديد من هؤلاء خبرة قيِّمة في القتال، وصناعة المتفجرات، وبث الدعايات، كما أن معظمهم يوسع علاقاته مع مقاتلين من مناطق أخرى من بلدان الخليج العربي وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، ما يجعلهم أكثر التزاماً بفكرهم، وستشكّل عودتهم إلى بلدانهم في ما بعد خطراً على أمن تلك البلدان واستقرارها .
فسوريا تواجه خطراً كبيراً عنوانه الإرهاب، ويطمح هذا الأخير ليس إلى التدمير فحسب، بل إلى تغيير الأوضاع القائمة في المنطقة، تحت شعار الإسلام المتطرّف ضد الإعتدال، وإن ما يحدث في سوريا كارثة كبيرة، ليس من مصلحة المنطقة بكاملها، فالجماعات الإسلامية باتت تسيطر على منطقة ضخمة في شرق سورية، وتتحكم في بعض الآبار النفطية وتقيم معملاً بدائياً لتكرير كميات معقولة منه، وتوظف عوائد بيعها في السوق الداخلي والخارجي لتمويل أنشطتها مما يحقق لها الإكتفاء الذاتي، وهذا ما يفسر إتساع نطاق نفوذها وقوتها معاً رغم الحروب الشرسة التي تشن ضدها من قبل الجيش السوري، وبموازاة ذلك لا يخفى على أحد أن هناك أطرافاً دولية وإقليمية ودول جوار لا يسرها وصول سوريا إلى حالة من الأمن والإستقرار، حيث ترعى هذه الأطراف الإرهاب والتطرف وتمده بالمال وبكل أدوات القتل والدمار لنشر الإرهاب والفوضى في ربوع سوريا، وهي تعلم جيداً أنه إذا وقعت سوريا ضحية للعنف والفوضى فإن بقية حبات مسبحة العالم العربي حتماً ستكّر واحدة تلوه الأخرى.
فسياسة الإدارة الأميركية تثبت يوماً بعد يوم أنها لا تقوم سوى على النفاق، والأيام ستشهد أن هذه السياسة الفاشلة ستدفع أميركا إلى إعادة النظر في مواقفها ورؤيتها في الشرق الأوسط، لأن السياسة الأميركية باتت مكشوفة ومفضوحة فهي تدعي مناهضة الإرهاب ومحاربته وفي الوقت نفسه تقوم بدعم المجموعات الإرهابية وتستخدمها كسلاح في سورية من أجل فرض هيمنتها على المنطقة، فداعش التي صنعتها أمريكا مثلما صنعت قبلها عدداً من التنظيمات الإرهابية ليست مجرد ميليشيات مسلحة جاءت من الفراغ ولكنها مجموعة من الذقون الجديدة التي تتلاعب بها الولايات المتحدة لإعادة حلمها في نشر الفوضى في الشرق الأوسط وتأجيج النيران ، والمقصود من تحريك هؤلاء الإرهابيين الجدد هو تعطيل سوريا وإنشغالها بحدودها التي تشتعل كل يوم، والبعض يسعى لنقل الصراع إلى دول الجوار حتى يجعل المنطقة ساخنة ومتوترة.
وفي إطار ذلك فإن الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب، خلقوا وحشاً إسطورياً "داعش" سرعان ما سينقلب عليهم في ما هو قادم من الأيام، إن لم يكن قد إنقلب فعلاً، وإذا كانوا يعتقدون أن طائراتهم والجماعات المعارضة المسلحة والمعتدلة ستنجح في القضاء عليه، فإنهم مخطئون ودليلنا فشل هذه الطائرات على مدى 11 عاماً في أفغانستان رغم قتلها أعداد كبيرة من الناس.
فالحرب لم تعد حرباً على سوريا الوطن فقط، بل تحولت الى حرباً للنيل من تاريخها وعراقتها وسلب إرثها الحضاري والثقافي وهو أغلى ما تملك، فضلاً عن وجود حملات مسعورة تشوه تاريخها العظيم ومن ثم إزكاء روح الطائفية التي تشجع على ضرب كل طرف للآخر وكأننا أمام تقسيم جغرافي يعقب التقسيم الثقافي الذي نعيشه.
وأختم مقالتي بالقول إن الغرب سيستمر في دعم الأطراف من قاعدة وجهاديين ومسلحين ، ولكن في النهاية سيصل الناس إلى قناعة بأن كل هؤلاء لا يصلحون للحكم وأن الحل يكمن في إستبدالهم بفكر أكثر تحرراً وإنفتاحاً، فكر إنساني متحضر يقبل التعايش مع الآخر ويعمل من أجل نفع نفسه وبناء بلده وتطوير مجتمعه، فالإرهاب من قتل وترويع لن يغير حلم السوريين وتطلعاتهم إلى وطن مستقر آمن خال من التطرف، وبالتالي فإن الشعب السوري قادر على مواجهة مخططات الإرهاب والمؤامرات المشبوهة وإفشالها بوحدته الداخلية وبإرادته وجيشه العربي التي لن تستطيع أي قوة أو إرهاب أن تكسرها، بل سوف تزيده توحداً وعزماً وإصراراً على مواجهة هذا الإرهاب الأسود والقضاء عليه وإقتلاعه من جذوره الخبيثة من أرض سوريا، التي تعتبر أرض الإسلام والحضارة، وأرض المحبة والسلام.