لا تلعبوا مع السوريين

لا تلعبوا مع السوريين

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٣ يوليو ٢٠١٤

مهما قيل، ومهما كثرت و”شطحت” التحليلات في تشريحها للوضع الغزاوي، فإن سوريا معنية بشكل ما بما يجري بالقطاع، لأسباب ليس أهمها أن سوريا هي عصب والحلقة الأهم في ما يعرف بمحور المقاومة ونقطة ارتكازه المتقدمة، وليس آخرها أنها ما زالت في حالة حرب وعداء مع الدولة العبرية، وكانت هدفاً لعدة اعتداءات إسرائيلية غاشمة في ذروة احتدام المد الإرهابي (الثورة السورية) ضد سوريا، وذلك مؤازرة للجماعات الإرهابية المسلحة من مرتزقة الناتو (الثوّار)، وشكـّلت إسرائيل إحدى أهم حواضن “الثوّار” وملاجئهم، وحتى أماكن علاجهم، وفي ذهن الجميع لا زالت ترتسم صور الزيارة “التاريخية” التي قام بها بنيامين نتنياهو لتفقد جرحى “جنوده” من المجموعات الإرهابية المرتزقة (الثوّار)، في إحدى المستشفيات الإٍسرائيلية، وبكل ما يشكل ذلك من رمزية وارتباط ودعم لهم ومصلحة مباشرة معهم.
ولئن كان ما يجري في غزة يقلق السوريين جداً، لجهة الإصابات والخسائر المؤلمة في صفوف المدنيين والأطفال الفلسطينيين، فإنه قد لا يزعجهم في مقلب آخر لجهة كونه رسالة للقادة العسكريين الإسرائيليين وصقور الليكود الحاكم، بأن محور المقاومة، وبعد ثلاثة أعوام ونصف تقريباً من العدوان الأممي الشامل (الربيع) على سوريا، ما زال يحتفظ بأعلى درجات لياقته السياسية والعسكرية، وقادراً على تحريك والتحكم بخيوط اللعبة في الإقليم، ولم يتداع ويتفكك ويفقد زخمه كما يتراءى للبعض، وما زال يحتفظ بالكثير من الأوراق التي يمكن طرحها في أي وقت من زمن ومسارات ومنعطفات الصراع.
ولذا لم يكن من المستغرب البتة، ذاك التركيز الإعلامي الممجوج أحياناً، عن أن الصواريخ التي تطال إسرائيل من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية هي سورية الصنع، وبكل ما في ذلك من إيحاءات ورسائل وتضمينات لا تخفى على أبسط المحللين والمتابعين، وأن أكثر ما يـُقلق الإسرائيليين في هذا الصدد، هو في كيفية وصول بعض أجيال من الصواريخ المتطورة، إلى قلب قطاع غزة، في ظل ظروف حصار جائر وخانق ومضبوط ومحبوك بشكل محكم ومن جهات حدودية أربع، برّاً وبحراً وجوّاً.
استمرار الصراع وتنامي ارتفاع الخسائر الموجعة في صفوف الجيش الإسرائيلي، يـُبدّل كثيراً في المعطيات والنظرة التقليدية لتوازن الرعب والقوة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والصواريخ المقاومة باتت تصل، وعلى ما يبدو، لأية مدينة وقرية إسرائيلية، بعد أن كانت الصواريخ “البدائية”، ولوقت طويل مضى، لا تتعدى المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لغزة، في ظل أقوال وتكهنات، عن وجود مخزون استراتيجي من صواريخ أكثر تطوراً، لم تستخدم في المواجهات حتى اللحظة، والرد الإسرائيلي الدموي في “الشجاعية” يعكس حجم التوتر والهيستيريا التي أصابت الإسرائيليين، الأمر الذي حدا بالرئيس الأمريكي بارك أوباما للاتصال، وللمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للتعبير عن مخاوفه وقلقه بشأن ارتفاع الخسائر البشرية في صفوف الغزاويين و”الجيش” الإسرائيلي، كما جاء في النيويورك تايمز يوم أمس.
كل ما يجري من تطورات دراماتيكية بالقطاع، يلقي بظلاله على ما سمـّي بمشروع “الربيع العربي” التغييري، وجائزته الكبرى في سوريا، وفشله في زعزعة وإسقاط وتركيع هذا البلد وإيقاع الهزيمة في صفوف جيشها البطل الأسطوري، وهو ما يدعو لإعادة الحسابات من جديد، وبناء التصورات ورسم استراتيجيات جديدة أكثر تعقيداً وحصافة وعمقاً ومهنية مما ظهر حتى الآن، وقد يكون أداء القسم الرئاسي، في ذروة احتدام المواجهات العسكرية، أكثر من مجرد مصادفة وإجراء برتوكولي رسمي داخلي سوري.
هذه الوقائع والمستجدات تـُحتـّم علينا، نظراً لأهمية هذه الجزئية، العودة في كل مرة للتساؤل من جديد، إذا كانت ثمة فصائل فلسطينية مقاومة، تعتمد في ترساناتها الصاروخية على محور المقاومة، كما يـُسرّب، وطبقاً لما جاء في التحليلات والأقاويل، استطاعت أن تضرب إسرائيل في الصميم، وتوجعها وتجعلها تنظر في تهدئة مرة، وتبحث عن هدنة مرة أخرى، فماذا سيكون عليه الحال عند نشوب مواجهات أوسع وأشمل مع قوى إقليمية أكبر وتمتلك قدرات أوسع على المناورة والتحرك، وهنا قد لا تبدو، وفي ظل سيناريو الرعب المتخيل، ترسانات الصواريخ الفلسطينية أمامها إلا مجرد “لعب أطفال”، وعندها لن تكون الأمور والتطورات ضمن السياقات “المنضبطة” والبسيطة التي رأيناها حتى الآن، وهذا ما ينبغي أن يكون مدعاة لتحكيم العقل والحكمة والتبصر من قبل صقور الليكوديين الحالمين بإسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل