من تمُّوز لبنان الى تمُّوز فلسطين، رغم الغمام الإقليمي!

من تمُّوز لبنان الى تمُّوز فلسطين، رغم الغمام الإقليمي!

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٢ يوليو ٢٠١٤

قد يكون آن أوان الشعب الفلسطيني المقهور، على وقع شجاعة "حي الشجاعية" في غزَّة، أن يُمزِّق كُتب تاريخ الإنحطاط العربي مع ما تحمله من ذلٍّ وارتهانٍ ومهانة، وأن يتغاضى عن كل ما يمتُّ بصلة الى مقررات أممية وقِمَم عربية، وعن اجتماعات تحصل حالياً في الإقليم لمناقشة الأوراق المقدَّمة سواء كانت مصرية أم قطرية – تركية، وأن يقرأ مقتطفاتٍ من تجارب المقاومة في لبنان، عساه يسترشد أكثر بأن نقاط الضعف لدى العدو الإسرائيلي هي بحدِّ ذاتها بعضٌ من نقاط القوَّة لدى أية مقاومة شريفة عزيزة كريمة.
لغة الصواريخ لمخاطبة العقر الداخلي الإسرائيلي والمواجهات البريَّة بكافة تكتيكاتها، وإيقاع ما أمكن من خسائر بين صفوف الجيش الإسرائيلي، هي السُبُل الوحيدة لتحقيق نصرٍ، لا تكون الغاية منه وقف إطلاق نارٍ غير مشروط، بل على الأقل إعادة فتح المعابر التي تخنق قطاع غزة مع ضمانة عدم إقفالها مجدداً، ولو أن فتح معبر رفح يبدو مقفلاً بوجه القطاع أكثر من المعابر الإسرائيلية، لأن المتابع للإعلام المصري والشارع الشعبي في مصر، يلمس عتباً يُلامس الحقد في بعض التصريحات على شعبٍ غزَّاويٍ مظلوم نتيجة أخطاء مُتَّهمة بها تنظيمات محسوبة على غزَّة بارتكابات أمنية في  سيناء وفي الداخل المصري منذ تنحية الرئيس محمد مرسي.
ولأن المواجهات ستتكرَّر طالما الإحتلال رابضٌ على الصدور، فمن واجب المقاومة الفلسطينية وهي وسط ملاحم المواجهات الصاروخية والبرية، أن تدرك، بأن أقوى نقاط القوة في أدبيات المقاومة في لبنان هي في تحييد المدنيين ما أمكن، والإلتفاف الشعبي حولها كثقافة تحمل أخلاقية الفُرسان، لأنه رغم أن الخسارة في صفوف الفرسان موجعة، لكنها تبقى أقلُّ إيلاماً من المشاهد المروِّعة التي رأيناها في حيِّ الشجاعية بغزَّة حيث المنازل انهارت على رؤوس النساء والشيوخ والأطفال وهي سياسة ترويع يعتمدها الإسرائيلي لفصل وحدة الحال بين المقاومة وحاضنتها الشعبية.
إمكانية إبعاد المدنيين عن جبهات المعارك كانت في لبنان متوفِّرة أكثر من غزَّة، لكن ليس لمساحة الإيواء أي اعتبارٍ يُذكر أمام "الإحتضان الميداني" لهؤلاء المدنيين، للتخفيف من معاناتهم وشدِّ عزيمتهم على الصمود، إنما للأسف، لا يكفي الشعب الفلسطيني غياب البوصلة الواحدة عن التوجُّه الوطني السياسي لدى القيادات والفصائل، وبالتالي عدم توفُّر وحدة قيادة البندقية في الميدان رغم تناغم الإرادة القتالية، برزت في بداية العدوان المواقف الفلسطينية المتناقضة حتى في النشاط الديبلوماسي الخارجي، بحيث انقسم القادة الفلسطينيون بين مؤيِّدٍ للورقة المصرية كالرئيس محمود عباس وبين منحازٍ بالكامل لإملاءات قطرية – تركية كبعض الفصائل المقاوِمَة.
ولأن الإنقسام بات سِمَة ملازمة للأداء الفلسطيني منذ "أوسلو"، ولم يجلب سوى الهوان على شعبٍ قضيته لا حلَّ لها سوى بالمقاومة الواحدة الموحَّدة، فلا بدَّ من تسجيل إنجازٍ كبير لحركة الجهاد الإسلامي في مساعيها الصادقة لتقريب وجهات النظر بين ركائز محور المقاومة الإقليمية وحركة حماس، إنطلاقاً من قناعات الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله، بأن  ما يجري في فلسطين يُشكل فرصة لإعادة تصويب الاولويات وتوسيع رقعة القواسم المشتركة وتعزيزها على قاعدة أولوية مقاومة اسرائيل، بمعزل عن اية خلافات جانبية.
وإننا إذ نقدِّر عاطفة رجلٍ بسنٍّ متقدمة كالرئيس محمود عبَّاس حين قال منذ يومين:
"أنا بصفتي المسؤول عن الشعب الفلسطيني، فلا أريد أن يُراق دمُ شعبي، وأرفض أن يحدث له كما يحدث في دول عربية أخرى"، فإن من حقِّنا أن نتساءل عن البدائل لدى الرئيس عبَّاس وعن جدوى رهاناته على القرارات العربية والأممية التي باتت أكواماً من حبرٍ وورق، وهنا نجد أنفسنا توَّاقين لأن نعيش ثقافة حزب الله والمقاومة في لبنان، من منطلق الإعتماد على الذات الوطنية دون انتظار من يَحقِنُنَا بالإرادة لا من أمم متَّحدة ولا من قِمَم عربية لإستعادة الحقِّ السليب وردع العدوان.
وإننا إذ نحترم ظروف القيادات الفلسطينية أمام الصمت الدولي المُريب عن المجازر، والصمت العربي الأكثر ريبةً، فليس كل من تقدَّم بورقة لوقف إطلاق النار بات بإمكانه امتلاك مصير شعبٍ فلسطيني مجهول المصير، إلا إذا امتلكت القيادات الفلسطينية قرارها، وتمالكت نفسها عن الإرتماء في الأحضان الإقليمية غير الآمنة، وقد آن الأوان لتمييز العدو من المتواطىء من الصديق، وأن تتوقَّف عن تلقِّي الإملاءات وهنا بيت القصيد.
لا أحد أملى على حزب الله تحرير الوطن عام 2000، ولا ردع عدوان تموز عام 2006، ولا كيفية احتضان الداخل بما كان يحتويه الداخل من حلفاء أو خصوم، ورغم ذلك انتصرت المقاومة على جبهاتٍ أربع: على أعتى عدوٍ عنصريٍ في العالم، وعلى شراذم داخلية طعنت في الظهر وما زالت، وعلى إقليمٍ خائب متواطىء إما بالصمت أو بالتعاون مع العدو، وعلى عالمٍ واسعٍ من دولٍ عظمى تصنِّف المقاومة الشريفة إرهاباً.
ختاماً، إذا كان اختطاف المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم في الضفة الغربية، عملاً مخابراتياً متقناً لإستدراج إسرائيل الى حربٍ بهذه الهمجية على غزَّة، فإن الجندي الإسرائيلي الأسير هو بحدِّ ذاته صفقة العمر من أجل الأسرى المظلومين في سجون الإحتلال، على أمل أن تتمكن المقاومة الفلسطينية من المزيد من الأسرى للتبادل، وهنيئاً لفلسطين بزوغ خيوط شمسها التي لن تُشرق بالكامل سوى بثقافة تمُّوزية لبنانية، تبدأ بوحدة القيادة ضمن حدود المُمكن على المستويين السياسي والعسكري، وبالقرار الفلسطيني الحرّ، وبلغة الصواريخ الرادعة في عقر الداخل الإسرائيلي رغماً عن "القبَّة الحديدية" وقِبب الغطرسة، والتجربة اللبنانية خير الشواهد على هجرة غير مسبوقة من إسرائيل منذ العام 2000، بعد أن باتت المقاومة مدينة مقابل مدينة، ومرفق عام يقابله مرفق، وتتوقَّف الحياة العامة في المجتمع المدني الإسرائيلي، ويسكن الإسرائيليون الملاجىء كما سكنَّاها عقوداً، ويتحقّق النصر على الأرض بلا طاولاتٍ ولا مفاوضات....