النفاق.. بقلم: د.خلود أديب

النفاق.. بقلم: د.خلود أديب

تحليل وآراء

الاثنين، ٢١ يوليو ٢٠١٤

النفاق في اللغة العربية هو إظهار الإنسان غير ما يبطن. فالمنافق يلجأ إلى لباسٍ فكريٍّ وحالةٍ ظاهريةٍ يقدم فيها نفسه على نحوٍ يغاير فكره الذي يؤمن به ويتبعه في الحقيقة. وفي حين إن النفاق حالةٌ فكريةٌ مرفوضةٌ أخلاقياً وإنسانياً، وآفةٌ اجتماعيةٌ خطيرةٌ، قبل أن تكون مرفوضةً دينياً، إلا أنها تشكل ظاهرةً اجتماعيةً متفشيةً في مجتمعاتنا. هنا الإنسان يملك فكراً معيناً يؤمن به ولكنه، بدافع الخوف أو مجاراةً للبيئة الحاضنة له يتبنى أفكاراً تتماشى مع تلك البيئة تجعله يشعر "ظاهرياً" بالانتماء إلى هذه الجماعة أو تلك، فيظن، مخطئاً، أنه في مأمنٍ من مهاجمته بالاختلاف أو اتهامه بالتخلي عن الجماعة التي ينتمي إليها، افتراضياً، وقد تصل إلى حد تكفيره ضمن بيئته الدينية الحاضنة.
وعليه، نقول إنه هناك أنواعٌ مختلفةٌ من النفاق. فهناك النفاق الاجتماعي والنفاق الديني والنفاق السياسي. وقد يؤدي أحد أنواع النفاق إلى الآخر، وقد تجتمع الأنواع في شخصٍ واحدٍ. وهنا يكمن الخطر الأكبر في النفاق.
والنفاق بأنواعه هو ظاهرةٌ عالميةٌ ولا تقتصر علينا محلياً. وقد يقترب النفاق من المجاملة، إذ هناك خيطٌ رفيعٌ يفصل بينهما، حين تتجاوز المجاملة حد التودد واللطف إلى درجة التملق بغرض الوصول إلى منافع شخصية والصعود السريع إلى المناصب الرفيعة في الدولة والمجتمع؛ ليصل إلى حد الرياء الذي هو أخطر أنواع النفاق على سلوك الإنسان، إذ هو نقصٌ معيبٌ في النزاهة يقترب من الغش والكذب.
ولعل أخطر أنواع النفاق هو النفاق السياسي الذي يحتضن كل أشكال النفاق وتجلياته. وخاصةً حين يتخذ النفاق السياسي ثقافةً متدنيةً من الانتهازية السياسية، والتي أصبحت ظاهرةً سياسيةً خطيرةً في مجتمعاتنا العربية غداة الاستقلال نتيجة جملة عوامل اجتماعيةٍ من رسوخ لرواسب الانتماءات القبليّة والطبقية والإثنية؛ عوامل تغلبت على القيم الأخلاقية وقيم الحرية والعدل والتكافل الاجتماعي ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في ظل دولةٍ جامعةٍ لكل أطيافها السياسية والاجتماعية والدينية.
كما يشكل الغدر السياسي سمةً من سمات النفاق السياسي في ظل غياب النضج السياسي واكتمال الفكر والوعي الوطني. ولا ننسى السمات الأخرى المرافقة من الانتهازية والاستبداد السياسي، الذي تمارسه الدول في علاقاتها كما الأفراد المشكلة للمجتمعات والأحزاب السياسية وحتى الدينية، حين تسييس الدين وتديّن السياسة.
وينطبق هذا الوصف هنا على الأحزاب سواء الحاكمة منها أم الموالية أم المعارضة، حيث يؤدي النفاق السياسي إلى الاستبداد السياسي، والعكس بالعكس؛ بينما يداري ممارسو النفاق السياسي نفاقهم وتلوّنهم بمصطلح المناورات السياسية.
والتخلّص من هذا الداء يتطلب نشر الوعي الفكري والوطني والسياسي والعمل على تعزيز القيم الأخلاقية من نزاهةٍ وإخلاصٍ فكري وصدق في المشاعر والفكر، كما يتطلب تغليب مصالح الجماعة والمصالح الوطنية على المطالب النفعية والمصالح الشخصية.