عبقرية الهدم والفساد.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

عبقرية الهدم والفساد.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٥ يوليو ٢٠١٤

جاء في تفسير القرطبي الشهير الثبت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ربه عزّ وجلّ رحمة بأمته، وهو المرسل رحمة للعالمين أجمعين بثلاث دعوات يرجو فيهن أن يصرف عنها ما كان من عقوبات الأمم السابقة لما طغت وعتت عن أمر ربها، فالدعوة الأولى أن لا ينزل عليها عذاباً من السماء، والثانية أن لا يخسف بها الأرض، والثالثة أن لا يجعل بأسها بينها شديداً، فاستجاب الله عزّ وجلّ له دعوتين ولم يستجب له الثالثة!..، وكأن الإشارة في ذلك إلى أن الأمة التي تأهلت لحمل رسالة القرآن والإسلام العالمية لن تكون صالحة للوجود الخيري العالمي إلا بالأخلاق التي تفسر هويتها ووجود حقيقتها في الإقناع الإنساني عبر بوابات التراحم وصفاء النوايا وقضاء حوائج البشر ونفي الظلم عنهم، وعبر وقايتهم من الإثم والعدوان ومن كل دواعي الكراهية والتباغض، وعبر إحكام إغلاق أبواب الكذب والغدر والنفاق، ثم أن تعلم هذه الأمة التي استودع فيها أمانة هذا الإيمان المحقق بأن وجودها مرهون بهذا الإيمان وأنه لا إيمان لمن لا أمانة له، فإذا ظهرت فيها الخيانات فقد حكمت على حضورها في الإنسانية بالزوال، ولن تنفعها حينئذ أقدس النصوص الربانية كما لن تشفع لها أعظم شهادات الخيرية في تاريخها ولا تيجان العزة التي مسخت تحتها الرؤوس الجديدة التي تحملها، وستنقلب إلى أمة دعاوى تعوّض عن فراغاتها القلبية والنفسية بتملقات وتنميقات وزخارف مثَلها كمثل (عكاكيز) العَجزة والضعفاء، وعندئد- كما ورد في الأخبار الحديثية- يكثر فيها الخطباء وينزوي عنها الفقهاء، ولا يُرى منها إلا اللحن من الأقوال، وهي صياح وأغنيات وجعجعات تُسمع لا يُرى منها طَحنا!!
والدعاوى إن لم تقيموا عليـ.. ها بينات أصحابها أدعياء.
لقد انكشفت إذن العروبة والإسلام هذه الأيام في نفوس الأعراب والمتأسلمين كما عرف المطلعون فيما جرى لسورية الشام وما يجري في الجارة العراق وما سيجري لا محالة في تتابع دول عربية وإسلامية، ومن قبلها يوم أُكل الثور الأبيض في فلسطين المحتلة ثم في لبنان وفي أكبر إفك على العراق سنة 2003 م وفي تونس وليبيا ومصر ومن قبل في أفغانستان والصومال وفي السودان..! ثم ماذا بعد؟! وأين الصحوة الصادقة الجادة؟ ليس المهم أن نعرف عدونا في إسرائيل وأميركا ومن لفّ لفهما ولكن المهم أن نعرف عدونا الذي يعيش معنا وفينا فيزعم ويفتري ويطعن في الخلف والأمام ويغذي عصابات وفئات وأحزاباً وعصبيات هي صورة جديدة لمقتل هذه الأمة عبر تواريخها منذ العهد النبوي الشريف الأول.. ألا إنه مقتلها في النفاق الذي وقى الله تعالى منه هذه الأمة في تاريخها المجيد الأول بوجود المخلصين، وفي يقظتها الشديدة الحذرة إذ ذاك من أي خلل لوجود بيئته الحاضنة له، ومن ثم لنتحسّر اليوم لسيادة فصائل الغش والمداهنات والوصوليات والظلاميات حتى بلغت فيها حدود الجرأة على الله ورسوله أعلى مستويات الوقاحة في المجاهرة باسترضاء أميركا وإسرائيل ولو على حساب مكة والمدينة المنورة والقدس الشريف وغيرها من مثل تقزيم مفاعيل أي معلم تنويري علمي دينياً أم كونياً أم اقتصادياً وصولاً إلى إفساد طاقات الأمة كلها وخصوصاً فتح بوابات الفساد والأهواء والفشل وتثبيط العزائم في شبابها وشاباتها، وفي التواصي على ألا يتسلّم الأكفاء في قدراتهم وخبراتهم وأماناتهم وإخلاصهم لمواقع النمو والعمل في أي بلد لأي موقع قيادي مهم ينهض فيه أهله لتقويم أركانه نحو معابر الصراط المستقيم، وهذا هو سر نجاح إسرائيل قهراً علينا وسر العبث والعربدة لأميركا وغيرها في داخليات أوطاننا وبيوتنا، فلا عوائق حتى أمام إسرائيل أن تصل إلى أي موقع في أي بلد من أمتنا وخصوصاً بلدان الشرق الأوسط كما خططوا لذلك على نحو ما قال وزير الحرب الإسرائيلي الهالك (موشي ديان) عقب هزيمة العرب سنة 1967 يوم دخل إلى القدس والمسجد الأقصى فقال: ها قد استولينا على أورشليم ونحن في طريقنا إلى يثرب وبابل!!.
(للبحث صلة)