سهرة حلبية..بقلم: د.اسكندر لوقا

سهرة حلبية..بقلم: د.اسكندر لوقا

تحليل وآراء

الأحد، ١٣ يوليو ٢٠١٤

في كثير من الأحيان، قد نُصدر حكماً على مسلسل أو برنامج يُعرض على شاشة التلفزيون، بأنه دون المستوى الذي يرضي ذوقنا أو أذواق غيرنا من متتبعي برامج السهرات على نحو خاص. وفي هذه الحالة لا بد من أن تكون لدينا أو لدى آخرين مبرراتنا في الحكم عليه سلباً أم إيجاباً.
بيد أن ما لا يستطيع أحد أن يتنكر لجدوى هذا البرنامج أو ذاك، حين يُحمّل أحدها وظيفة اجتماعية أو وطنية أو ثقافية وسوى ذلك من الوظائف التي ينتظرها المشاهد من البرنامج المعدة للسهرات العائلية. وبطبيعة الحال لا بد من أن تثير مثل هذه المسألة وجهات نظر بين مؤيد ومعارض من منطلق أن لكل منّا قناعته أو رؤيته بحكم تداعيات عمله الذي يزاوله أو عمره أو جنسه وما شابه ذلك.
ولكن الذي لا يمكن إنكاره هو أن أي برنامج لا بد من أن تكون له غاية، وحين تكون هذه الغاية لجهة تنوير عقل المشاهد وحفزه على الفعل بما يخدم قضيّة ما يعاني منها وطنه تحديداً، من الطبيعي أن يُشهد لها بأنها، بالفعل لا بالقول، تخدم القضية التي تشكل الغاية المنشودة منها محورها.
على هذا النحو لا بد من أن يكون حكم المشاهد إيجابياً للبرنامج الأسبوعي المعروف "بعدنا مع رابعة" وذلك في سياق الأمسية التي أعيد عرضها مساء الخميس الفائت، وكانت مخصصة حصراً لحلب، حلب التي أعطت فن الطرب ما لم تعطه مدينة أخرى من مدن العالم العربي لهذا الفن الأصيل وكانت، في الوقت ذاته، أمسية حافلة بالمشاهد المتتابعة التي يعبّر كل منها على وجه التقريب عن رسالة موجهة إلى المواطن داخل الوطن وخارجه، وبما يحفّزه على التفاعل مع ما يعانيه سكان المدينة من ناحية ومع من غادرها إلى البلاد المجاورة أو إلى بلاد الاغتراب من ناحية ثانية.
لقد كانت السهرة، سهرة حلبية خالصة. كانت، بحق، بادرة وطنية جعلت المشاهد في سورية وخارجها، يدرك كم هو حجم الجريمة التي ارتُكبت بحق حلب مدينة الطرب الأصيل في سياق الهجمة الوحشية التي شُنت عليها من قبل من لا يمكن أن يملك إحساساً بقيمة الكلمة أو اللحن أو اللون، فجاءت الجريمة بحجم الحقد الذي في قلبه وفي قلوب من أرسلوه للعدوان لا على المدينة فحسب بل على سورية بكامل أراضيها، البلد الذي أعطى دول العالم، كل العالم، معالم حضارتها الراهنة.
بهذا المعنى كان برنامج "بعدنا مع رابعة" الخميس الفائت سهرة حلبية بكل ما تعنيه الكلمة. وبهذا المعنى أيضاً يمكن أن تكون للبرامج الجادة مكانتها في تقدير من ينظر إليها بوصفها رسالة لا مجرد مناسبة لتمضية وقت ما بعد تناول طعام العشاء أو قبل أن تحين ساعة الذهاب إلى الفراش.