أكبر خطر تواجهه الأمم المتحدة هو التنكّر لميثاقها

أكبر خطر تواجهه الأمم المتحدة هو التنكّر لميثاقها

تحليل وآراء

السبت، ١٢ يوليو ٢٠١٤

أجزم القول إنّ أول ما يخطر على ذهن المواطن العربي عند ذكر «الأمم المتحدة»، هو فشل المنظمة الدولية في حل مشكلة «الشرق الاوسط» من جهة، واستخدام الولايات المتحدة المستمر للفيتو في مجلس الأمن ضد حقوق الشعب الفلسطيني والقضية العربية، من جهة أخرى. لقد أصبح الحديث بين أيّ اثنين في المنطقة وخارجها حول الأمم المتحدة مجالاً للتندّر ورمزاً للإحباط. وفي الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الغربية، أصبح مجرد ذكر الأمم المتحدة يعني لهم مزيداً من الأموال المهدورة التي يقدمها دافع الضرائب في هذه الدول لمنظمة لا جدوى من وجودها، كما يعتقدون. أما في الدول النامية بشكل عام، فالكثير من الرأي العام غير منشغل بهذه المنظمة وما تقوم به، لأنها لم تدخل إلى بيوت الفقراء ولم تحلّ المشاكل المرتبطة بالأمن والسلم الدوليين ولا ألزمت الدول، وخاصةً كبيرها، باحترام القانون الدولي والتعددية الثقافية والحضارية. قامت الأمم المتحدة بحملات كثيرة لتحسين صورتها في أنحاء العالم الأربع، إلاّ أن متابعتنا نتائج هذه الجهود تشير إلى أنها لم تصل إلى نتائج تذكر.

يطيب للديبلوماسيين الذين عملوا في الأمم المتحدة استخدام تعبير «الآباء المؤسسين» عند إشارتهم إلى تأسيس الأمم المتحدة وميثاقها. ويقول المؤرخون المتخصصون في كيفية صوغ ميثاق المنظمة الدولية آنذاك إنّ مناقشة وجدالاً طويلين بين الآباء المؤسسين دارا حول مقدمة الميثاق. واقترح البعض أن يصدر الميثاق باسم شعوب العالم، واقترح آخرون إصداره باسم حكومات الدول الأعضاء، فالحكومات هي التي تمثل العضوية في هذه المنظمة الدولية المبنيّة أساساً على الدول الأعضاء. إلاّ أن الرأي في نهاية ذلك كلّه استقر على أن يصدر الميثاق كالآتي:

نحن شعوب الأمم المتحدة

وقد آلينا على أنفسنا

أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي

في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين

أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد

إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها

من حقوق متساوية.

الأسئلة المطروحة أمامنا هي: أين تقف الأمم المتحدة الآن من القيم التي أكد عليها الآباء المؤسسون في الميثاق سواء في مجال ترسيخ الأمن والسلم الدوليين أو تأكيده على الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان والمساواة بين الأمم كبيرها وصغيرها في جميع المجالات؟

لا أريد في هذا المجال الغوص في المفهوم الشامل للمساواة التي طالب بها الميثاق، لأن وجود مجلس الأمن بعضويته وصلاحياته الحالية يعني ابتعاداً عن المساواة. فوجود دول استعمارية في عضويته الدائمة مثل فرنسا وبريطانيا، وهما دولتان في الاتحاد الأوروبي، ودولة إمبريالية مثل الولايات المتحدة يعني وجود خلل صارخ في عضوية مجلس الأمن لا بد من أن ينعكس على نحو مباشر وغير مباشر على وضع المنظمة والأمن والسلم في العالم.

بغض النظر عن رأينا في الإصلاحات التي ناقشتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ مطلع التسعينات من القرن الفائت، والمستمرة حتى الآن لتحسين آليات عمل أجهزة الأمم المتحدة، إلا أن إحداث إصلاح في عضوية مجلس الأمن وأساليب عمله وعلاقته بالجمعية العامة بقيت عصية على إحراز أي تقدم رغم اتفاق الدول الأعضاء على تحسينات شكلية. فالدول التي فقدت أي صدقية في سياساتها وأي أثر لها ولدورها العالمي اقتصادياً وحضارياً، لم يعد هناك أي مبرر لعضويتها الدائمة في مجلس الأمن. فالوضع الذي مكّنها من نيل هذه العضوية لدى مناقشة الميثاق في سان فرانسيسكو لم يبق قائماً منذ سنين طويلة مضت، إذ برزت دول عديدة في آسيا وأميركا اللاتينية تمارس فاعلاً ومهمّاً في الحياة الدولية، والمثير للاستغراب أن قارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية ما زالتا غير ممثلتين بعضوية دائمة في المجلس. كما أن مخالفات دولة ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن للميثاق تحت أيّ ذريعة، مثل دعم الإرهاب وتشجيعه كالحاصل في حالة سورية، يرفع أي مبرر لوجود هذه الدولة كعضو دائم في مجلس الأمن، مثلما هي في وضع دول غربية باتت معروفة.

تعاقدت الدول المؤسسة للأمم المتحدة، وبينها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، على احترام مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها، وفي مقدمها حفظ السلم والأمن الدوليين ومنع الأسباب التي تهدد السلم وإزالتها وقمع أعمال العدوان، وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، فهل عالم اليوم أكثر أمناً وسلماً؟ والجواب عن ذلك كلا، لأن بعض المؤتمنين على دور مجلس الأمن في حفظ الأمن والسلم مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا يؤججون الحروب والإرهاب مثلما هي الحال في سورية وينتهجون سياسة المعايير المزدوجة التي تتناقض والميثاق.

كما ورد في الميثاق: «إن الأمم المتحدة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء». والأهم من ذلك كلّه أن الميثاق ينص في الفقرة السابعة منه على أن ليس فيه ما يسوّغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطات الداخلية لدولة ما.

إن إلقاء نظرة عابرة على سياسات الدول التي تمارس هيمنتها وتشويهها للميثاق ولدور الأمم المتحدة تُظهر إلى أيّ درجة توغّلت هذه الدول في ارتكاب مخالفات تتناقض مع مقاصد الميثاق ومبادئه، وتهدد الاستقرار والتنمية في كثير من البلدان. ويبرز في هذا المجال إصرار الدول على شطب وعدم احترام ما ينصّ عليه الميثاق من إصرار على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وخير مثال على ذلك اختراع آليات لتبرير تدخلها السافر في أنحاء كثيرة من العالم للحفاظ على مصالح شركاتها واستثماراتها على حساب الدول ذات السيادة. ولهذا الغرض ابتدعت ما يسمّى بـ«التدخل الإنساني» وغيره من صيغ العبث بمصير الشعوب، وحاولت فرضه على نحو تعسفي وبما يتناقض حتى مع العناصر الأولية التي اعتمدتها الجمعية العامة في هذا المجال. أما مبدأ المساواة في السيادة بين الدول فإن الدول الغربية تحاول تجاهله بالنسبة إلى الدول النامية وتطبيقه بقدر ما يحقق لها من مصالح ضيقة. والأدهى من ذلك أن هذه الدول عندما تفشل في العثور على ما يبرر انتهاكاتها، لكون الميثاق لا يقبل ذلك، فإنها تستخدم آلياتها من خارج الأمم المتحدة بما في ذلك العدوان على الدول، مثلما حدث لدى احتلال «تحالف الراغبين» للعراق عام 2003، أو إساءة استعمال بعض نصوص القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، مثلما حدث عندما غزت الدول الغربية ليبيا ودمّرتها كدولة وجعلتها غابة مستباحة للجماعات المتطرفة الإرهابية. أما الصومال الممزق والمتروك لرحمة الله، فإنه ضحية من ضحايا هذه الدول التي تزرع الدمار والخراب أينما حلّت. وأمّا العدوان على سورية الذي تقف خلفه الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية وتركيا فهو انتهاك فاضح للميثاق، ناهيك عن العدوان «الإسرائيلي» المستمر على الشعب الفلسطيني والذي تحميه الولايات المتحدة خلافاً للميثاق. وينطبق ذلك على العدوان الأخير على الشعب الفلسطيني وحرق الشهيد محمد ابن خضير وهو حي، ويطلع علينا الأمين العام للأمم المتحدة بدعوة الجانبين إلى ضبط النفس بدلاً من إدانة «إسرائيل» وإجبارها على إنهاء عدوانها.

إن الأمم المتحدة تتكوّن من أجهزتها والأمانة العامة والدول الأعضاء والوكالات المختصة. وبموجب الميثاق فإن الدول الأعضاء هي التي تصنع السياسة وتحدّد توجهات المنظمة الدولية في مختلف المجالات. أما الأمانة العامة فتشمل أميناً عاماً ومن تحتاج إليهم المنظمة من الموظفين. والأمين العام هو، على ما ينص الميثاق: «الموظف الإداري الأكبر في الهيئة»، بموجب المادة 97 منه. وجاء في المادة 100 من الميثاق: «ليس للأمين العام ولا للموظفين أن يطلبوا أو ان يتلقوا في أداء واجبهم تعليمات من أيّ حكومة أو من أي سلطة خارجة عن الهيئة، وعليهم أن يمتنعوا عن القيام بأي عمل قد يسيء إلى مراكزهم بوصفهم موظفين دوليين مسؤولين أمام الهيئة وحدها».

السؤال المطروح هو: أين الميثاق الذي اعتمدته الدول المؤسسة للأمم المتحدة مما يحصل من مخالفات صارخة لنصه وروحه؟ وأين هي الأمانة العامة التي يجب ألاّ تخضع إلا لأحكام الميثاق في ممارستها لوظيفتها؟ إن خروج المنظمة الدولية على ميثاقها أمر خطير جداً يهدد وجودها في حال استمرار التوغل في مواقف لا تشكل احتراماً للتوافقات التي بنيت المنظمة على أساسها.

ما يجب النظر إليه بعين الجد هو أن عملية الإصلاح المستمرة لأجهزة الأمم المتحدة والتي أشرنا إلى أنها بدأت منذ مطلع التسعينات من القرن الفائت، كانت سارت عبر آليات التفاوض الحكومية وحققت بعض التقدم المتواضع. كما أن عملية الإصلاح لم تنجز ما كان يشكل هدفاً لتحالفات سياسية وإقليمية تتفق في ما بينها حول طبيعة بعض الإصلاحات وتختلف بعمق حول آراء طرحتها بشكل أساسي الدول الغربية ولم يتحقق توافق حولها. هنا تكمن المشكلة، الدول الغربية اعتقدت أنها انتصرت بعد انتهاء الحرب الباردة وأرادت قطف نتائج هذا «الانتصار» عن طريق إدارة الأمم المتحدة والعمل الدولي لمصلحة أهداف الغرب و»قيمه» وفرض هيمنته على «الأجندة» الدولية. ولا بد من القول إن وحدة عمل الدول النامية سواء في إطار حركة عدم الانحياز أو مجموعة الـ 77 والصين حالت دون إمرار الكثير من «الإصلاحات» التي كان الهدف الوحيد من طرحها من قبل الدول الغربية ومن يجاريها القفز على الميثاق وتجاهل مصالح أغلبية الدول النامية.

تظهر معظم عيوب إدارة العمل الدولي في طبيعته اللاديمقراطية، فالولايات المتحدة ترفض ما تطرحه مجموعة من الدول النامية حول أهمية الاعتراف بضرورة وجود علاقات ديمقراطية على الصعيد العالمي وما بين الدول، لأن سياسات الولايات المتحدة اعتمدت على فرض آرائها وهيمنتها على الدول النامية بمختلف أشكال الابتزاز والضغوط اللاأخلاقية في كثير من الأحيان، ناهيك عن الضغوط الاقتصادية والتهديدات والعقوبات! وهكذا، لم يعد مستغرباً أن نرى الإدارات الأميركية تعلن هي وتابعاتها في الغرب وأدواتها في المنطقة أنها ستقدم الدعم المالي والسلاح الفتاك وغير الفتاك إلى المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية، لأن سورية لا تقبل الخنوع لسياسات الغرب وإملاءاته.

نص ميثاق الأمم المتحدة في مادته التاسعة والثلاثين حول ما يجب اتخاذه من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان على الآتي: «يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به … ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير وفقاً للمادتين 41 و42 لحفظ الأمن والسلم الدوليين أو إعادته إلى نصابه». وهذا يعني بوضوح تام أن مجلس الأمن هو الذي يقرر وقوع حالات تهدد الأمن والسلم، وليس الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأدوات هذه الدول، وأنه لا يجوز استخدام القوة، مثلما حدث في ليبيا والعراق، من دون قرار من مجلس الأمن. وليس من قبيل المجاملة العودة إلى موقف سورية، وغيرها كثير من الدول، للإشادة بالدور البنّاء الذي تقوم به روسيا الاتحادية والصين الشعبية ودول لا تقبل أن تكون تابعاً لأيّ كان، في الدفاع عن نص الميثاق وروحه، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الشرعية الدولية. ولا أبالغ إذا قلت إنه لولا مواقف هذه الدول لتحوّل عالم اليوم إلى عالم الغاب الذي يأكل فيه الكبير الصغير والقويّ الضعيف.

إن المجتمع الدولي الحقيقي يزداد وعياً لخطورة السياسات الغربية، بما في ذلك فئات لم تعد قليلة داخل المجتمعات الغربية نفسها. وتقوم تنظيمات إقليمية بدور مقاوم للسياسات العدوانية الغربية كما هي الحال في الاتحاد الأفريقي والعديد من التنظيمات الإقليمية في أميركا اللاتينية مثل يونيسور وألبا وسيلاك. أما الجامعة العربية التي تقودها وتهيمن عليها قوى التخلف والتبعية العربية، فإنها فقدت صدقيتها أمام شعبنا العربي. أليس من مهازل هذا الزمن الرديء أن تدعو هذه الجامعة الغرب إلى قتل دولة عربية مثل ليبيا وشعبها بناء على طلب من الجامعة؟ أليس من السخرية أن تنتهك الجامعة العربية ميثاقها وعروبتها وتتجاهل الرأي العام العربي ويذهب أمينها العام صاغراً ذليلاً إلى مجلس الأمن ليستجدي تدخلاً عسكرياً ضدّ سورية، أحد مؤسسي الجامعة والمدافع عن الشرف والكرامة العربية؟

لا أريد فتق جروح عميقة في ممارسات وأداء الأمانة العامة للأمم المتحدة وبعض كبار موظفيها. إن موظفي الأمانة العامة، بما في ذلك الأمين العام، يتطاولون علناً على الميثاق الذي يحدد مهمّاتهم ويشوّهون الحقائق وينفذون السياسات المعادية لسورية وفلسطين نيابة عن آخرين نعرفهم جيداً. فعندما يعلن الأمين العام وقوفه ضد إرادة الشعب السوري بممارسة حقه في انتخاب قيادته في عملية نزيهة وشفافة فإنه يتطاول على الميثاق وعلى الثقة التي وضعتها فيه الدول الأعضاء وعلى دولة عضو في المنظمة. ألا يصبح الأمين العام ودائرته معاديين للأمن والسلم الدوليين عندما يطالبون باتخاذ إجراءات يعرفون أنها تقود إلى الحروب والويلات، وخاصةً عندما يتجاهلون عمداً وعن سابق إصرار وجود الإرهاب في سورية؟ وعندما تقوم الأمانة العامة بتزوير تقارير ممثليها على الأرض في سورية وتنكر العمل الإيجابي لمكاتبها في سورية فإنها تساهم عملياً في إخفاء حقيقة إنجازاتها هي تحديداً في سورية وتظهر تواطؤاً لا مثيل له في آليات التآمر على سورية. منعت الحكومة التركية الأمم المتحدة من إمرار المساعدات الإنسانية عبر معبر نصيبين الشرعي، وسمحت بمرور جميع القتلة والإرهابيين إلى سورية، فهل قالت الأمانة العامة كلمة واحدة حول هذه الجرائم؟

كانت سورية طوال تاريخ سجلها في الأمم المتحدة مدافعة عن الميثاق وعن القيم التي يجسدها. ورغم جميع السلبيات التي تحدثنا عنها في عمل أجهزة الأمم المتحدة وأمانتها العامة، إلاّ أن سورية تعي أنه في غياب الأمم المتحدة فإن عالم اليوم سيغدو أكثر وحشية وسيكون مفتوحاً على مختلف الاحتمالات التي تتناقض ومصالح الشعوب والدول. وعمل ممثلو سورية في المنظمة الدولية وما زالوا حتى هذه اللحظة، ورغم الصعوبات التي يواجهها بلدهم، لإعلاء شأن الميثاق والقانون الدولي وترسيخ أسس السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، خاصة أنها لم تقبل بإبعاد الأمم المتحدة عن دورها في تحقيق هذا السلام، مثلما فعل آخرون في تجاهل فاضح لدورها وأهميتها.

رغم ملاحظات سورية كلّها على أداء الأمم المتحدة، وبخاصة على دور بعض الدول المهيمنة فيها وكذلك على أداء الأمانة العامة، فإننا ننظر بارتياح إلى ما تقوم به الأمم المتحدة في مواجهة عدد من التحديات الكونية وحفظ السلام في بعض المناطق وحقوق المرأة والطفل والبيئة والمياه والتربية والتعليم والصناعة والعمل وحفظ التراث العالمي، ونؤكد أن سورية حققت حديثاً إنجازاً يجب أن تعتز به الأمم المتحدة أيضاً في إطار تعاونها مع الحكومة السورية، هو تحقيق هدف المنظمة في إزالة المواد الكيميائية من سورية كخطوة مهمة على طريق إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل كافة وأهمية، بل واجب المنظمة الدولية، إلزام «إسرائيل» بتصفية أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيميائية وبيولوجية في الترسانة «الإسرائيلية» المدمرة.

تعاونت سورية بإيجابية مع الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص للتوصل إلى حل سلمي للأوضاع التي تمر بها، لكن الأخطاء التي وقعت فيها الأمم المتحدة ومبعوثيها في هذا المجال هي التي حالت دون التوصل إلى النتيجة المتوخاة بالقضاء على الإرهاب ووقف دعمه من دول الجوار وخارجها.

لكنني أود التأكيد على أن سورية ستتعاون مع الأمم المتحدة في المجالات الإنسانية، شرط ألاّ يمس ذلك سيادة سورية ووحدة شعبها وسلامتها الإقليمية، وضمان عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى المجموعات الإرهابية، والتعاون مع الحكومة السورية لإيصال هذه المساعدات إلى السوريين الأبرياء أينما كانوا، وفي إطار احترام قرار الجمعية الخاصة بإنشاء مكتب المساعدات الإنسانية في الأمانة العامة «أوتشا» رقم 46/182، ناهيك عن أهمية دور الأمم المتحدة في إدانة العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على سورية في مخالفة للميثاق وهي لا تؤذي سوى أطفال سورية ومواطنيها الأبرياء. إن احترام إرادة الشعب السوري التي عُبّر عنها بلغة لا تقبل التأويل خلال الانتخابات الرئاسية وتدفّق ملايين السوريين من الداخل والخارج إلى صناديق الاقتراع عنصر أساسي لنجاح عمل الأمم المتحدة في سورية. إن سورية التي تحترم الشرعية الدولية والتزاماتها التعاقدية، تتطلع دائماً إلى دورٍ فاعل ونزيه للأمم المتحدة ينسجم مع ميثاقها ودورها، وبخاصة مع ما ورد في مقدمة ميثاقها:

«نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب…»