ثمة خيط رفيع بين القاع والقمة.. بقلم: د. فائز الصايغ

ثمة خيط رفيع بين القاع والقمة.. بقلم: د. فائز الصايغ

تحليل وآراء

السبت، ١٢ يوليو ٢٠١٤

بلا مؤشرات.. بلا مقدمات.. بلا حسابات ندخل المجهول فجأة.. نتلمس الضوء المفقود.. تتلاطم التأثيرات الداخلية والخارجية، والطارئة معاً.. نتأقلم مع الذوات ونتنافر مع الآخر دمى تتلاطم وقد ارتجفت أصابع ما وراء الستار واختلط المشهد كله.. وماذا بعد..؟
أفسد الإنسان إنسانيته.. ومن ضعف أو جهل ساقته غيوم الدخان إلى فضاء هلامي بلا ملامح ولا ضوء.. ولا دليل.. تُهنا في السراديب وفقدنا من دواخلنا ومضات البوصلة.. واختلطت الجهات لا بل تنافرت وشنّت على بعضها الكراهية وأصاب الزهايمر مغناطيسية الأرض التي نقف عليها..
قست القلوب.. وتبدلت النفوس وتاه الدليل الوجداني في ضبابية الإنسان، فالأزمة ظلّت وظلّلت.. وفقد الكثيرون أسلحتهم وحصانة النفوس.. واهتزت مفاهيم.. سيطرت مفاهيم تبددت ثوابت أخلاقية كنت تظنها راسخة وتبدلت.. وجد المُفتون والفتنويون.. المعلن عن نفسه.. والمتلطي خلف ذاته في ثقوب النفوس وفي سراديب العتمة ضالتهم.. وشهرتهم.. ودعواتهم.. بتنا غرباء في غربتنا، لا نستوعب ما يجري أو لا نفهم.. أو لا نرغب الاستيعاب ولا الفهم..!!
نلتقي.. ونغادر بعضنا وفي قلوبنا أحاديث نخفيها.. زادت معدلات التخزين في النفوس وقلّّ لا بل ندر البوح وغاب التصافي.. والتسامح.. والعفوية والطيبة كما غابت المراجعات الذاتية التي كانت صنوَ النوم الهادئ وسادت المكابرة بلا إدراك.. والإملاءات بلا فهم ولا استيعاب.. وبلا قناعة..
تُرى، هذا الذي أخذ أغلب الناس إن لم أقل كل الناس إلى الملاعب والفرق والتعصب والانحياز.. أهو الفراغ.. وغيوم الدخان والفضاءات الهلامية البلا ملامح البلا ضوء.. ولا دليل..؟ أهو التوهان في السراديب النفسية وتعويض الفاقد الوطني مثلاً أم هو حصيلة لابد منها جرّاء صراع الجهات الأربع التي فقدت مغناطيسية المؤشر فيها وكان الخلط البشع والمدان بين مباراة ساخنة في ملعب.. وبين عدوان إسرائيلي مدمر على غزة، مع أن قادة غزة هم الأشهر في فقدان البوصلة يوم ضلّوا طريق الشعب ويوم ترجموا المواقف الوطنية الفلسطينية على نحو مذهبي قذر.
تهدمت النفوس قبل الأبنية.. ودمرت القيم قبل الانهيارات وبتنا في أمس الحاجة إلى وقفة مع الذات.. نستنهض الرماديات ونبحث عن جمر الحقيقة بين الرماد.. ننفخ في البقايا علّنا نضيء شمعة في أتون الغيم الأسود غيم دخان الحرائق البشرية.. والطبيعية.. فضلاً عن رماد الدواعش، أينما كانوا وحيثما حلّوا وهم ليسوا عند الخرائط المرسومة على الورق فحسب وإنما هم بين ظهرانينا فكراً.. وسلوكاً وممارسات أحياناً..
أي كأس مريرة تلك التي تجرّعتها سورية في زمن الزهو، وكيف تلاشت أو كادت خيوط الضوء عنها في وقت كانت فيه سورية تتمايل.. وتزهو مع النسيمات وهي تتكئ على كتف الزمن الجميل..
أي خلل هذا الذي بدّل المسارات والحيوات وقلب القوانين والمفاهيم، وعليك أن تنتظم فيها وتعيد ترتيب الإيقاع وفق الذي حصل ويحصل.. وأن تعيد استشراق الشمس من جديد على الرغم من هذا الليل المدلهم.. الدامس..
ثمة خيط رفيع من اللهفة والحنين ينظم الحياة وننتظم فيها.. نمتشقه للصعود من الهاوية.. أو للهبوط فوق القمة..