الأرقام في الصحافة الاقتصادية.. صفر على اليسار.. بقلم: إيفلين المصطفى

الأرقام في الصحافة الاقتصادية.. صفر على اليسار.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٦ يوليو ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com
 مما لا ريب فيه أن علم الاقتصاد علم واسع يحتاج من المتابع والمهتم فيه أن يكون لديه إلمام واسع بأساسيات هذا العلم، خاصة وأن الاقتصاد متشعب في جميع مفاصل الحياة اليومية، من هنا نجد أن أهمية علم الاقتصاد لا تقل عن أهمية الصحافة الاقتصادية والتي تعدّ مرآة تعكس الواقع الاقتصادي لأي بلد، وبالتالي يتوجب على من يتخصص بالصحافة الاقتصادية أن يكون ملماً بعلم الاقتصاد وأساسياته الأولية ألا وهي الأرقام، حيث تشكل الأرقام في الصحافة الاقتصادية ألف باء الاقتصاد، وقبل أن يتمكن أيّ إعلامي من فهم علم الاقتصاد يجب أن يكون لديه معرفة بالأرقام، وهي ضرورية بالنسبة إلى الصحفي الاقتصادي بقدر ضرورة المطرقة للنجار.
وفي ظل الانتشار الواسع والسريع للمعلومة نجد أن عدداً من وسائل الإعلام التي تعمل بالشأن الاقتصادي لا تعير أي أهمية للأرقام التي تقوم بتداولها عبر تصريحات المسؤولين أو حتى الأكاديميين، وإنما يتم الاكتفاء بنسخ ولصق الخبر دون تمحيص أو تدقيق الأمر الذي يساهم في تقليل مستوى أداء الصحافة الاقتصادية، ولعل عدم اكتراث القائمين على وسائل الإعلام للأرقام في الصحافة الاقتصادية يعد سبباً في تأخر الصحافة الاقتصادية في سورية، حيث أن غالبية وسائل الإعلام المحلية والمتخصصة في الصحافة الاقتصادية تعتمد على نقل تصريحات المسؤولين الاقتصاديين والفعاليات الاقتصادية دون أي تدقيق، أو دحض لتلك الأرقام التي لا تنسجم مع الواقع الأمر الذي يسهل على المسؤولين وأصحاب الفعاليات الاقتصادية إطلاق التصريحات والإعلان عن بيانات ومعلومات بأرقام تارةً مبالغ فيها وتارةً أخرى لا تنسجم مع الحقائق، الأمر الذي يساهم في التشويش على صاحب القرار الذي ترفق إليه دراسات تستند إلى أرقام في غالب الأحيان تكون غير صحيحة وبالتالي ينعكس ذلك الأمر على القرارات والإجراءات التي يتم اتخاذها، ولعل المتابع لما ننشره عبر مجلة الأزمنة سواء من تحقيقات أو تحليلات نبيّن من خلالها زيف الأرقام التي يتم تداولها عبر وسائل الإعلام التي تكتفي بسياسة النسخ واللصق، دون أن تؤدي دورها المطلوب منها حقيقة وهو البحث والوقوف عند صحة تلك الأرقام المعلنة، وهذا ما كنا نلحظه من خلال تدقيقنا لعدد من التكاليف التي كان الفريق الاقتصادي يقوم بنشرها عبر وسائل الإعلام لنكشف للقارئ والمعنيين زيف تلك البيانات، نذكر من تلك القضايا التي تحاكي الأرقام مثلاً تسعير الذهب بالسعر الحقيقي للدولار، وما كان يتم التحدث به عن كلفة سعر كيلو الواط الساعي الكهربائي وحقيقة الدعم، ولا ننسى قضية الخبز وتكاليفه التي دفعت بعدد من المسؤولين للمبالغة في أسعار كلفته، وغير ذلك من القضايا التي يتم تداولها على لسان المسؤولين الاقتصاديين.
وإن كنا نعذر في بعض الأحيان ما يدلي به المسؤولون من بيانات تتضمن أرقاماً خاطئة، إلا أننا لا يمكن أن نبرر للأكاديميين من أهل الاختصاص نشر أرقام خاطئة، حيث نشرت وسائل الإعلام مؤخراً دراسة قام بها أحد الأكاديميين الاقتصاديين بيّن فيها أن إجمالي إيداعات المصارف العامة والخاصة بلغت 600 مليار ليرة سورية، وبالطبع تم تداول الدراسة عبر وسائل الإعلام دون أي تدقيق أو تمحيص، مع العلم أن الأرقام لا تعكس الواقع فكيف يمكن أن يكون إجمالي الإيداعات في المصارف الخاصة والعامة لا تتجاوز 600 مليار ليرة سورية؟؟ مع العلم أن المصرف التجاري السوري وحده ازدادت 25 مليار ليرة سورية خلال نصف عام تقريباً وفق ما صرح به مدير المصرف التجاري السوري حيث بلغ حجم الإيداعات مع نهاية شهر أيار الماضي 362 مليار ليرة سورية، علماً أن 25% من المبلغ مودع بالعملات الأجنبية، موزعة على ودائع بالليرة السورية بحوالي 269 مليار ليرة، وإجمالي الودائع بالعملات الأجنبية مقومة بالليرات السورية تقدر بـ93 مليار ليرة.، وبالتالي إن كان مصرف سورية التجاري وحده يشكل نصف نسبة إجمالي الإيداعات في المصارف السورية الخاصة والعامة فهل يعقل أن يكون الرقم الذي تم الإدلاء به وفق الدراسة التي قدّمها أحد الأكاديميين صحيحة؟؟ مع العلم أنه يتوجب أن يكون إجمالي الإيداعات يفوق هذا الرقم بكثير كما يُفترض أن يكون إجمالي إيداعات المصارف الخاصة متجاوزاً الـ 600 مليار ليرة، لكن للأسف كما جرت العادة فوسائل الإعلام التي تدّعي تخصصها بالصحافة الاقتصادية لا تلقي أهمية للأرقام حتى أنها لم تدحض تلك الدراسة وأن القائمين على المصارف لم يتبيّنوا حقيقة تلك الأرقام وكأن الأمر لا يهم..
من هنا نجد أن الاستمرار في سياسة الإعلام القائمة على النسخ واللصق دون التحقق من صحة ما يتم نشره يساهم في زيادة الفوضى في صحة المعلومة، الأمر الذي ينعكس على أصحاب القرار في تشكيل قرارهم الاقتصادي الذي يعتمد مرجعية واحدة في غالب الأحيان تكون أرقامها مخالِفة للواقع، وهو يبرهن على أن الصحافة الاقتصادية في سورية التي تعد حديثة تعاني من أزمة الأرقام وعمليات الحساب التي أكاد أجزم أن غالبية المسؤولين الاقتصاديين لا يعيرونها اهتماماً، كما يتحمل المسؤولية أيضاً القراء الذين لا ينتقدون وسائل الإعلام على أخطائها، الأمر الذي يساهم في تقويم الأداء الصحفي وهو أمر متبع في الصحافة الأجنبية.