عباءة الخلافة بتصميم داعشي .. حرب المئة عام القادمة ..الروس يقدمون مشروعاً قد ينتهي بالاعتراف بالحكومة السورية دولياً

عباءة الخلافة بتصميم داعشي .. حرب المئة عام القادمة ..الروس يقدمون مشروعاً قد ينتهي بالاعتراف بالحكومة السورية دولياً

تحليل وآراء

السبت، ٥ يوليو ٢٠١٤

علي مخلوف
يرتفع أزيز رصاص الحركات الراديكالية بعضها ضد بعض، فيما الجيش العربي السوري ثابت ثبات السنديان على مرتفعات الجبال، المصالحات هي الحل بعد سنين من المعارك والقابون كانت محطتها الأخيرة، داعش تتمدد وتلقي عباءة الخلافة على البغدادي بالقهر والغلبة، فيما المعارضة تستجدي تسليحها معتمدة على وعود من جون كيري بذلك، أما النظام السعودي المتهم بإشعال الساحات العربية ودعم التطرف يلجأ إلى دفع التهم عنه بتقديم مساعدات مالية للشعب العراقي! الروس يقدمون مشروعاً ذكياً في الأمم المتحدة قد تكون نتيجته اعتراف المجتمع الدولي بالحكومة السورية بعد أن زعموا طيلة ثلاث سنوات أنها غير شرعية.

الميدان وقتال الخلافة
في الميدان يطغى رصاص الجماعات الراديكالية المحشو بفتاوى التخلص من الآخر على المشهد، داعش في مواجهة النصرة في البوكمال والأولى تسيطر، أما في الريف الدمشقي فما يُسمى بجيش "الإسلام" يسيطر على "ميدعا" بعد قتال ضد داعش سبق ذلك تفجير انتحاري وقع في دوما معقل ميليشيا "زهران علوش" حيث اتهم الأخير "الدولة الإسلامية" بالضلوع فيه.
الداعشيون يزيلون الحدود بين محافظتي الحسكة ونينوى، والخلافة المعلنة المدبّجة ببيعة خليفة "المسلمين" أُخذت على طريقة "الغلبة والقهر" فاعتبرت اجتهاداً فقهياً، ومن مات ولم يعرف إمام زمانه أو خليفته فقد مات ميتة جاهيلة! مناطق تسقط بأيدي داعش مثل (البوكمال)  تُزال بعض الحدود، تشتد المعارك بين كل التنظيمات المتطرفة بعضها ضد بعض (داعش وجبهة نصرة وجيش الإسلام وميليشيا الحر).
ويبقى الجيش العربي السوري على عقيدة الانتماء لهوية الأرض تاركاً علاقة الإنسان بربه لكل شخص، تلك الحرية الشخصية التي أرادت جميع الفصائل المتقاتلة من أجل التحدث باسم السماء أن تحوزها لنفسها وتفرضها على الكل تحت مسمى "إمارة المؤمنين" والقتال في سبيل الله يكون عندهم دوماً بسلاح يصنعه الكفار!
في الميدان السوري تحسّنٌ ملحوظ بات يشعر به أغلب المواطنين في مناطق عدة من البلاد، عمليات نوعية للجيش العربي السوري ، تدمير أنفاق في عدة من المناطق، رصد للمجموعات المسلحة واستهدافها، مصالحات في مناطق أخرى كان آخرها في القابون، ثم اقتتال جماعات التكفير مع بعضها التي كانت رحمةً على السوريين.

الروس ومنع النفط الحرام
مجدداً تقوم موسكو ومن البوابة النفطية بالتأكيد على شرعية الحكومة السورية التي جهد الغرب على ضربها خلال ثلاث سنوات مضت، موسكو عرفت كيف تسوِّق للفكرة من خلال إثارة مخاوف الغرب من تحول سرقة النفط السوري إلى عامل قوة لداعش التي تتمدد في العراق والجزيرة السورية، وسيؤدي ذلك إلى زيادة رقعة تمددها إلى بلدان مجاورة وتوفير إمكانية لها بتنفيذ عمليات إرهابية وتجنيد شبكات عابرة للقارات.
لقد قدّمت روسيا لمجلس الأمن الدولي مشروع بيان رئاسي يهدف إلى مواجهة استيراد النفط من الجماعات الإرهابية العاملة في سورية، حيث تعرب موسكو في مشروعها عن قلقها بشأن سيطرة مسلحي "داعش" و"جبهة النصرة" على حقول النفط في سورية ويؤكد أن أي تصدير أو استيراد للنفط دون رخصة الحكومة أمر غير شرعي، ويدين المشروع أية مشاركة في تجارة النفط السوري بواسطة الجماعات الإرهابية، مضيفاً أن ذلك سيؤدي لتمويل الجماعات التي يعتبرها مجلس الأمن إرهابية، كما يدعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل الحيلولة دون مشاركة مواطنيها أو شركاتها في أية صفقات تجارية أو مالية مرتبطة بالنفط الخام السوري خارج سيطرة الحكومة السورية.
المشروع الروسي هذا في منتهى الذكاء فهو سيحرج الغرب، وسيكشف لاحقاً مدى الدور الغربي في صناعة الدمية الداعشية إن لم يتم التجاوب مع المشروع الروسي، أما إن تم التجاوب فإن حلفاء دمشق سينتزعون اعترافاً من الأمم المتحدة والدول الغربية فيها بشرعية حكومة زعموا أنها غير شرعية!.

المعارضة والدعم الجديد
عبارة واحدة تم تكرارها كثيراً على لسان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إبان التمدد الداعشي واقتتال الحركات المتطرفة فيما بينها على الأرض السورية، "سندعم المعارضة المعتدلة فقط" أما ما يُسمى بالائتلاف فقد عبّر في عدة مناسبات على ضرورة تسليحه بما يلزم من أجل مواجهة "داعش" والمد المتطرف! البعض قد يرى في داعش شماعةً لتحقيق مآرب أمريكية لم تستطع أن تحققها في فترات سابقة، كتسليح المعارضة بأسلحة نوعية على سبيل المثال فالذريعة موجودة الآن وهي مواجهة تنظيم داعش! وقد تكون تلك محاولة جديدة من أجل قلب الموازين في الميدان، لكن من تبقى في ميليشيا الحر كي يُدعم؟ لاسيما وأن أغلب عناصره توزعوا ما بين داعش والنصرة! اللهم إلا إن كان "جيش الإسلام" بقيادة طفل السعودية المدلل "زهران علوش" هو البديل المعتدل لجون كيري.

الفتنة المذهبية والعرقية
حربُ المئة عام تسميةٌ يعرفها كل من تابع طريقة عمل الغرب ومراكز القرار فيها لخلق حروب تُشغل العالمين العربي والإسلامي لتدميره واستنزافه، يقوم هذا المصطلح على خلق فتنة على أساسٍ ما بحيث تتوارثها الأجيال عن بعضها لتستمر العداوة بينها.
مع مجريات الأحداث المخيفة التي تجري في منطقتنا، كثُرت الفتن والملاحم، وتنوّعت الفتن مابين طائفية ومذهبية وعرقية وعشائرية قبلية.
ومع ظهور كل تلك الحركات المتطرفة ومع كل ذلك الكم الكبير من تسييس الدين، بات إشعال الفتنة أسهل من شرب كوب ماء! أحدث فتن الغرب والتي ستزيد مدة العداء والحروب للسنوات إن لم نقل العقود القادمة هي أمران، الأول فتنة داعش لاسيما تمددها وما يُحكى من نيّتها استهداف أهم المدن المقدسة في العراق ككربلاء والنجف! تخيّلوا مهاجمة داعش لهاتين المدينتين وتدنيس المقدسات فيهما؟ أليس كفيلاً بإثارة بركان في العالم الإسلامي لن يخمد إلا ببحور من الدماء؟! في هذا السياق أشارت مجلة (تايم) الأمريكية إلى أن داعش تعتزم مهاجمة المدينتين المقدستين في العراق، ما سيعزز فكرة حرب مذهبية تلوح في الأفق لسنين طويلة، كما سلّطت المجلة الضوء على مدى خطورة داعش كونها تعزف على الوتر المذهبي وتستقطب الكثيرين سواء من المتطرفين أو غيرهم ممن ينتمون للمذهب (مذهب العامة) الأمر الذي ينعكس على المزاج الإسلامي العام بين مذهبين كبيرين هما جناحان للإسلام.
والثاني فتنة عرقية فجّرتها داعش أيضاً بعد استهدافها لمدينة كركوك الهامة ثم سيطرة البيشمركة عليها، وعزم رئيس إقليم كردستان بعد ضم كركوك إلى إقليمه أن يجري استفتاءً لاستقلال أكراد العراق في إقليمهم عن العراق!

تمثيلية آل سعود
عندما تكثر التّهم بدعم الإرهاب يلجأ النظام السعودي إلى أمرين: الأول، التسويق للرأي العام العربي والدولي بأنه مستهدف من قبل الإرهاب والحركات الراديكالية المتطرفة! والأمر الثاني: هو لجوءه إلى لعبة التبرعات والمساعدات الإنسانية في المناطق التي يتورط هو أساساً بتخريبها وإشعال الفتن فيها، وكمثال على ذلك فقد أمر الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بتقديم نصف مليار دولار كمساعدة إنسانية للعراق ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية قوله إن الملك عبد الله أمر "بتقديم مبلغ وقدره 500 مليون دولار كمساعدة إنسانية للشعب العراقي الشقيق المتضرر من الأحداث المؤلمة، بمن فيهم النازحون بغضِّ النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية" وأضاف المصدر إنه تم إبلاغ أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بهذه المساعدة، وإن تقديم المساعدة سيتم عبر مؤسسات الأمم المتحدة "للشعب العراقي فقط".
الغريب في الأمر أن النظام السعودي كما قلنا متهم بخلْق وتربية ودعم جميع التنظيمات الراديكالية المتوالدة من الرحم الوهابي التكفيري، كيف يمكن لداعش أن يكون بهذا الثراء مثلاً؟ وكيف يمكن أن تكون النسبة الأكبر من مقاتليه هم من السعوديين؟ الأموال ستوزع عبر الأمم المتحدة على اعتبار أن هناك خصومةً حادة ما بين نظام آل سعود وحكومة نوري المالكي؟! فكيف ستكون ردة فعل الحكومة العراقية على تلك الخطوة السعودية؟ هل ستعتبرها استفزازية خصوصاً وأن المالكي قد اتهم الرياض صراحةً بدعم الإرهاب وإشعال العراق؟ هل سيكون جزء من تلك الأموال لتقوية بعض الأطراف على البعض الآخر؟ الخارجية السعودية حاولت أن تقطع الطريق على وسائل الإعلام عن هذا التساؤل من خلال زعمها بأن تلك الأموال ستوزع للجميع بغض النظر عن الانتماء الديني والمذهبي والعرقي! وهنا كما قلنا سابقاً فإن العملية في أحسن أحوالها لا تعدو كونها عملية تلميع صورة وإبعاد تهمة، فالشعب العراقي ومثله الشعب السوري وبقية شعوب المنطقة بحاجة لوأد الفتن وتعزيز فكرة التسامح والتحرر الفكري لا تغذية جميع الساحات العربية بحركات راديكالية تحمل يافطات الوهابية وفتاوى ابن تيمية لفرضها على خلق الله تحت مسمى الخلافة والحرية وغيرها.. السعودية لا تفعل شيئاً في هذا الصدد بل هي متهمة أساساً بدور سلبي حيال إشعال الفتن ودعم المسلحين وتوتير الساحات.
...

المجهر السياسي
من موسكو اعتبر نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن ما يجري في العراق هو نتيجة لتخطيط ولتدخّل الولايات المتحدة، قائلاً إن الأمريكيين يستخدمون المجموعات الإرهابية في إطار تجسيد مصالحهم في المنطقة، وعدم محاربة الإرهاب في سورية والعراق يدل على ذلك، مؤكداً أن الأمريكيين يريدون خلق أوكرانيا جديدة في العراق، وما يعرف بـ"الدولة الإسلامية" أداة بأيديهم للقيام بحرب نفسية وبالترهيب، موضحاً أن العراق لم يطلب من طهران توريد السلاح ، لكن في حال ظهور هذا الطلب فنحن مستعدون لتوريد السلاح ضمن أطر القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية بيننا.
أهمية التصريح بالدرجة الأولى تأتي أنها من عاصمة القوة العالمية الجديدة روسيا، والأهمية الثانية هي ربط إرهاب داعش في المنطقة بواشنطن وسياستها وأهدافها، وثالثاً الإعلان عن استعداد طهران لإرسال السلاح عندما يُطلب منها وبشكل قانوني، عبد اللهيان حاول مداعبة العقل الروسي عندما قارب الفتنة الداعشية في سورية والعراق بما يجري في أوكرانيا، ووجود الوزير الإيراني في موسكو ثم خروجه بهكذا تصريح بعد لقائه بمسؤولين روس يعني أن هناك تطابقاً وتوافقاً في الكثير من الملفات بين طهران وموسكو لاسيما فيما يتعلق باتهام أمريكا بالتسبب بكل هذه الفوضى الإقليمية في الشرق الأوسط.
...
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن صداقة بلاده مع الصين ليست موجّهة ضد أحد ولن نقطع علاقاتنا مع الولايات المتحدة، مضيفاً أنه يجب العمل لمنع تكرار السيناريو العراقي أو الليبي في أوكرانيا.
بوتين هنا لم يأت على ذكر سورية فهذا الملف قد بلغ حد التواتر والمسلمات لكل من يتابع مواقف بوتين ومسؤوليه حيال الحليف الدمشقي ووجوب دعمه، وآخر خطوات الدعم الروسي هو مشروع مقدم إلى الأمم المتحدة لمنع داعش من بيع النفط السوري، أما فيما يتعلق باحتفاظ روسيا على علاقتها بأمريكا فإن ذلك من باب المهادنة الذي لن يخفي ذلك الكم الكبير من التوتر والخلاف ما بين الأمريكي والروسي لاسيما وأن ملفات خلافاتهما تتكاثر بدءاً من الملف الليبي مروراً بالسوري ثم الأوكراني وأخيراً العراقي، بوتين يريد تطمين واشنطن أن علاقة موسكو مع بكين لن تكون ضدها، ما يدل على وجود هواجس أمريكية من هاتين القوتين المتقاربتين روسيا والصين، ولعل لدى الروسي معطيات تؤكد أن الأمريكي يتصرف بطريفة فعل دفاعية لذلك يقوم بإشعال العديد من الساحات.