الغوطة بين جحيم المسلحين، والمصالحات..

الغوطة بين جحيم المسلحين، والمصالحات..

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١ يوليو ٢٠١٤

لا يختلف وضع الغوطة الشرقية عن حال أية منطقة في سورية، من حيث تنوّع الجماعات المسلحّة ونزاعاتها.
فها هو جيش الإسلام بقيادة زهران علوش يعلن الحرب على "داعش" لاقتلاعها نهائياً من الغوطة، كما صرّح علوش.
وفي موازاة المعارك المستمرّة التي يخوضها الجيش العربي السوري بمواجهة هذه الجماعات، انضمّ حي القابون الى قائمة الأحياء التي تمّت فيها المصالحات الوطنية.
وللقابون أهميةٌ تختلف عن باقي أحياء الغوطة لوقوعه في منطقة هامّة، حيث يبعد عن مركز المدينة 4 كم في منطقة مهمة بين الغوطة شرقاً (بلدتي عربين وحرستا)، والمدينة غرباً (أراضي الصالحية)، ويجاور أحياء برزة من الشمال وجوبر من الجنوب. ويخترقه الأوتستراد الدولي السريع (طريق دمشق-حمص) وعقدة طرقات مهمة (عقدة القابون). وفي الحي أيضاً محطة انطلاق ووصول باصات البولمان، فلذلك يعتبر القابون بوابة دمشق، وأول ما يراه القادمون إلى دمشق من المناطق السورية الوسطى والشمالية.
كما أنّ حي القابون قريبٌ من حرستا التي تعمل لجان المصالحة على إتمام مصالحة فيها، كون المصالحة في حرستا ستجعل الجيش العربي السوري على تماسٍ مباشر مع  دوما، المعقل الأكبر للمسلحين في الغوطة الشرقية، لذلك فإنّ إتمام المصالحة في القابون سيعقّد على مسلحي جوبر إمكانية صمودهم لفترةٍ أطول.
المعلومات الواردة من حي القابون تؤكّد أنّ وحدات الهندسة في الجيش السوري دخلت الى الحي وبدأت بإزالة الألغام والدشم والمتاريس، تمهيداً لإتمام باقي بنود المصالحة التي يتم تنفيذها عادةً، وأهم هذه البنود تقضي بتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للجيش السوري، وإدخال المواد الضرورية لسكان الحي واستلام المراكز الحكومية وتفعيل عملها، وبالتأكيد رفع العلم السوري على أعلى نقطة في الحي.
وللإطلالة على ما يجري في الغوطة، سنقسّم بحثنا الى قسمين:
1- المعارك بين داعش وجيش الإسلام.
2- انعكاس المصالحة على سير معارك الجيش السوري.
في معارك داعش وجيش الإسلام، التي تدور في حوش الأشعري القريبة من دوما، وفي ميدعة شرق دوما والقريبة من عدرا، وفي مسرابا جنوب دوما، تتمركز القوة الرئيسية لداعش في مسرابا التي تدور فيها أعنف المعارك بالموازاة، مع دفع قوات من جيش الاسلام شرقاً باتجاه ميدعة لتحقيق نصرٍ ميداني وإعلامي على داعش، التي لا يعتبر وجودها هناك ذات أهمية. وتشير المعلومات الواردة من الغوطة أنّ زهران علوش ينوي حسم المعركة بسرعة، حيث عمل على سحب مجموعات كبيرة من قواته وقوات الجيش الحر لدفعها على محاور مسرابا، التي يشهد شمالها وجنوبها الصدامات الأعنف.
وعلى ما يبدو، فإنّ مسلحي داعش أدركوا نية زهران علوش لإحداث صدمةٍ في صفوفهم في ميدعة، فعمدوا الى اعتماد أسلوب التفجير الانتحاري، حيث عمد انتحاريٌّ من داعش الى تفجير نفسه في تجمّع لجيش الإسلام على مشارف بلدة ميدعة.
رغبة زهران علوش في حسم المعركة بشكلٍ سريعٍ قد تتعارض مع تكتيكات داعش، التي من الممكن أن تذهب في المواجهة لجعلها معركة طويلة باعتمادها على الانتحاريين والمجموعات الصغيرة.
في كل الأحوال، فإنّ هذا النوع من المعارك بين الجماعات المسلحة يُفقدها الكثير من عوامل القوة ويُضعفها في مواجهاتها مع الجيش العربي السوري، خصوصاً أنّ معركة المليحة المستمرة منذ ثلاثة أشهر، ويحقق فيها الجيش السوري إنجازاتٍ كبيرة رغم تقدمه البطيء بنتيجة العدد الكبير من الأنفاق والعبوات الناسفة والدشم والسدود الترابية.
ما يجري هو جزءٌ من معركة الصراع على القيادة والغنائم، التي لم ولن يحسمها إلاّ سقوط هذه الجماعات وهزيمتها النهائية.
أما ماذا تؤثر المصالحات التي تجريها الدولة السورية مع المسلحين على تسارع نتائج المعارك، فممّا لا شك فيه أنّ لهذه المصالحات فوائد عديدة أهمها:
1- تقليص نفوذ المسلحين على مساحات جغرافية، وبعضها يقع في مناطق حساسة واستراتيجية كما حصل في مصالحة القابون.
2- انعكاس الأمر إيجاباً على معنويات الجيش العربي السوري، وسلباً على عناصر الجماعات المسلّحة في كل سورية، هذه الجماعات التي بدأ اليأس يتسلل الى صفوفها من إمكانية تحقيق النصر الذي كانت تأمله.
3-  تشجيع باقي مناطق الاشتباكات على انتهاج آلية المصالحة للخلاص من الأزمة.
يبدو أنّ قادة الجماعات المسلّحة لم يدركوا بعد طبيعة المتغيرات الجوهرية الميدانية التي يحققها الجيش السوري، كما لم يدركوا تغيّر سياسات الدول الداعمة لهم، وعليه فإنّ أقصى ما يمكنهم فعله هو إطالة زمن الحرب على حساب سورية وشعبها ومقدراتها.