السقوط الأخلاقي والقانوني لمنظمة الأمم المتحدة .. بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

السقوط الأخلاقي والقانوني لمنظمة الأمم المتحدة .. بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٢ أبريل ٢٠١٤

لقد مضى زمن التساؤلات والاستفسارات حول من تمثل منظمة الأمم المتحدة التي أنشأت عقب الحرب العالمية الثانية وأولى مقاصدها حفظ السلم والأمن الدوليين والمساواة بين الدول ,لنلج في زمن التأكيدات حول دورها المنحاز والمعادي لشعوب العالم الذي تلعبه هذه المنظمة ومؤسساتها والهيئات التابعة التي شكلت رأس حربة وغطاءً قانونياً للسياسة العدوانية الأمريكية والغربية ونظام استخباراتي متقدم.
في الحرب الأطلسية على يوغسلافيا السابقة كانت الأمم المتحدة عرّاب الهجوم وخرقت الميثاق باستخدام القوة في العلاقات الدولية، وأثارت العمليات العسكرية للناتو في كوسوفو التساؤلات حول مشروعية هذه العمليات وحتى بمشروعية القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن، تدحرج الأمر في العدوان الأطلسي على أفغانستان والعراق وليبيا وفي تنفيذ السياسات الأمريكية لتفتيت الدول من خلال التقارير التي تصوغها الهيئات التابعة للمنظمة على مقاس الولايات المتحدة ما يعيد إلى الأذهان خطبة الوداع لرئيس الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة "ميغيل د. اسكوتو" حين قال: إن بعض الدول الأعضاء تعتقد بأن في إمكانها العمل وفق شريعة الغاب والدفاع عن حق الأقوى في أن يفعلوا ما يحلو لهم بإفلات كامل ومطلق من العقاب, من غير أن يقدّموا حسابات لأحد. وهم يعدّون صحيحاً تخريفهم ضد التعدّدية ويعلنون محاسن الأحادية في الوقت نفسه الذي يلقون فيه العظات من غير أن يصابوا بأي عسر هضم".
لكن هذه المنظمة لم تشهد في تاريخها الحافل بخدمة مصالح الدول الاستعمارية مرحلة انحطاط أخلاقي وقانوني كالتي بدأت مع وصول الكوري الجنوبي بان كي مون إلى أمانتها العامة، كي مون لم يكن جنرالاً عسكرياً في بلاده ولا موفداً عسكرياً، لكنه كان وزيراً للخارجية وبالتالي من المستغرب أن يتصرف بقضايا عسكرية حسّاسة تؤثر على الوجود القانوني للمنظمة، ولعل الاتفاق السري الذي وقّعه بوصفه أميناً عاماً للمنظمة في العام 2008 والذي أشار إليه الدكتور بشار الجعفري في كلمته الأخيرة أمام الأمم المتحدة، يعتبر بداية الارتباط العضوي العلني بين الأمم المتحدة وحلف الناتو الذي لم يُنشر نصه في موقع الأمم المتحدة حتى الآن، لكن نتائجه وتطبيقاته باتت واضحة، الاتفاق يعني التنسيق التام بين الأمم المتحدة المنظمة الأممية وبين حلف الناتو المنظمة التي يفترض أن تكون إقليمية بإطار جغرافي أوروبي محدد وبأسلحتها النووية بما يخالف نصوص الميثاق، لكن حيّز التطبيق هو الجغرافيا العالمية بدمج زائف بين الاستراتيجية الأطلسية - الأمريكية وبين القواعد القانونية الجديدة المحدثة للتدخل الدولي في شؤون الدول وانتهاك السيادة وشرعنة التدخل العسكري من جهة أخرى. التوقيع في غياب روسيا والصين وباقي أعضاء مجلس الأمن جرى في أوجّ الأزمة التي مرت بها جورجيا. أي عندما كانت روسيا على خلاف شديد مع الأمم المتحدة والدول الغربية في دعمها ومساندتها المباشرة لكل من إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وفي وقت كانت فيه روسيا والصين تستخدمان الفيتو لأول مرة معاً دعماً لزمبابوي في تموز 2008 في خصومة مفتوحة مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. وكان من تطبيقاته أن سمحت الأمم المتحدة للناتو بتطبيق فرض حظر جوي على ليبيا في العام 2011 انقلب إلى عدوان عسكري بعيداً عن فحوى القرار 1973. اليوم يسافر بان كي مون ليجتمع في البنتاغون مع وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمسي في ظروف مشابهة وربما أشد خطورة، الأزمة الأوكرانية والحرب على سورية بعد قرب إعلان انهيار المشروع الأطلسي والعربي العدواني على سورية وبعد اعتراف الدوائر الاستخباراتية بهزيمة الإرهابيين الذين يشكلون الجناح العسكري في الحرب غير المتماثلة التي تشن على سورية. جيفري وايت من معهد واشنطن للدراسات يعلن أن الرئيس بشار الأسد نجح في استعادة السيطرة على غالبية المناطق التي كان تحتلها المعارضة "على حد وصفه" في حين ينعي معهد بروكينغز لدراسات السلام المشروع العدواني ويلقي باللائمة على الأغبياء في المعارضة، ويصرح بأنه كان في الإمكان القيام بالكثير ضد الرئيس بشار الأسد لو أن الولايات المتحدة كانت تملك زعماء أكفاء في المعارضة السورية. فما الذي يخطط له بان كي مون الموظف الأمريكي في اجتماعه مع رؤسائه في نيويورك؟.
اليوم هناك عودة في التقارير الأممية إلى مسألة حماية المدنيين كذريعة متجددة لعمل ما يخطط له يسبق إعلان انتصار سورية الذي بات وشيكاً. بان كي مون سيّئ الصيت يستغل حادثة اغتيال القس الأب فرانس فان دير لوت في حمص يوم الاثنين الماضي ليقول بأن ما جرى مأساة أخرى تسلط الضوء على الحاجة الملحة لحماية المدنيين. واستغل المناسبة كالعادة للإشارة إلى ما اعتبره مجازر في كسب دون تسمية الفاعلين أو الإشارة إلى العدوان التركي غير المبرر وموقفه من تدفق عشرات آلاف الإرهابيين من تركيا إلا من باب القلق، مجرد القلق. لكنه تفاصح في تدوير أسطوانته حول مسؤولية القوات الحكومية عن تدمير أحياء بأكملها لتدفـَن أسر تحت الركام "على حد قوله". أما المرأة الآتية لنا من كوكب آخر نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان كما هي العادة قالت في مشاورات في مجلس الأمن بأن لجنة التحقيق المستقلة و"مكتبها" أشارتا إلى انتهاكات لحقوق الإنسان في سورية من الجانبين "لكن" الحكومة السورية مسؤولة بشكل كبير عن وقوع الانتهاكات وأنه يجب إحالة الموضوع إلى المحكمة الجنائية الدولية وأن السلام لا يمكن أن يتحقق بدون عدالة، وبمناسبة التغني الأخرق بالعدالة فإن الأمم المتحدة لم تنطق بكلمة واحدة منذ بداية الحرب على سورية تدين فيها المجموعات الإرهابية في سورية والدول التي تدعمها وتساندها، وهي إن فعلت فإنها تتبع مبدأ ما عليكم هو عليكم وما عليهم ضعفه عليكم، أي إنها وفي عموم تقاريرها كانت تلقي بالمسؤولية على الدولة السورية متجاهلة عن عمد العدوان على سورية وطبيعته وأدواته ومخططاته وتكتفي بتناول الجانب الإنساني من المعاناة دون الأسباب، وعندما تصاب بالإحراج فإنها توزع المسؤولية بين جهات تعتبرها أطرافاً محصورة بين الدولة السورية والمعارضة المسلحة كما تسميها.
إلى الآن لم يقدم لنا أحد شرحاً ما عن تجاهل مجلس الأمن التقارير التي تتحدث عن استخدام الإرهابيين الأسلحة الكيماوية في سورية أو التقارير عن إيواء الدول المجاورة للمجموعات المسلحة والمرتزقة وإرسالهم إلى سورية أو عن التورط التركي والقطري والسعودي والبريطاني والأمريكي في دعم الإرهاب أو أي تعليق عما قاله سيمور هيرش في مقاله حول تورط حكومة أردوغان في الهجوم الكيماوي أو عن العدوان التركي المباشر على سورية في منطقة كسب أو عن العدوان الإسرائيلي المتكرر على السيادة السورية أو عن موقفها من رفض وفد الائتلاف إدانة الإرهاب في محادثات جنيف، ولم تتحدث الشمطاء بيلاي عن إمكانية اقتياد آل سعود أو آل حمد أو رجب طيب أردوغان أو أحمد داود أوغلو إلى المحكمة الجنائية الدولية. هل للأمر علاقة اليوم بالعودة إلى الأمم المتحدة لشرعنة عمل عسكري ضد سورية ؟. من حق سورية أن تتساءل ما الذي يلزمها اليوم بالخضوع لقرارات لم تعد أممية بل أمريكية؟ من حقها أن تسأل ما الذي يميّز هذه المنظمة بنشاطها العدواني المنحاز عن الدوائر الاستخباراتية الأمريكية ومراكز صنع القرار الصهيونية، من حق الجعفري أن يسمي ما يحدث في الأمم المتحدة ضد سورية بالأوركسترا العدوانية، ومن حق سورية لطالما سقطت عن تلك المنظمة آخر أوراق التوت أن تعلن التزامها بالقانون الدولي والدفاع عن أمنها وسيادتها واستقلالها، من حقها ألّا تميّز بعد اليوم مابين أطلسي وأممي وإرهابي طالما كان يريد شراً بسورية.