ما هي تداعيات انتصار سورية على الهيمنة الغربية ؟

ما هي تداعيات انتصار سورية على الهيمنة الغربية ؟

تحليل وآراء

الاثنين، ٢١ أبريل ٢٠١٤

منذ 2011، كانت سوريا هدفاً لمحاولة مدعومة من الخارج لتغيير النظام. حيث قام المحتجون بالنزول إلى الشوارع في أنحاء متفرقة من سوريا على إيقاع "الربيع العربي" الذي خططت له الولايات المتحدة، وتشكيل غطاء للمتشددين المسلحين الذين كانت تحضرهم الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة السعودية – تبعاً للوثائق المتوفرة الآن – منذ سنة 2007 على الأقل.
فقد تنبأت مقالة الصحفي الفائز بجائزة "بوليتزر" سيمور هيرش، التي تحمل عنوان "إعادة التوجيه: التحول الاستراتيجي في السياسة الأمريكية شرق الأوسطية":
" ومن أجل تدمير إيران، المكونة من غالبية شيعية، قررت إدارة بوش إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط. ففي لبنان، تعاونت الإدارة مع الحكومة السعودية، السنية، في عمليات سرية تهدف إلى إضعاف حزب الله، المنظمة الشيعية المدعومة من إيران. كما شاركت الولايات المتحدة في عمليات سرية تستهدف إيران وحليفتها سوريا. وقد تجلى أحد نتائج هذه النشاطات في تعزيز المجموعات السنية المتطرفة التي تتبنى رؤية متطرفة للإسلام، كما تعادي أمريكا وتساند القاعدة."
كانت عملية زعزعة استقرار سوريا تسير بالتزامن مع البلدان العربية الأخرى، بما في ذلك تونس وليبيا ومصر. ففي تونس ومصر كان السقوط سياسياً، حيث ترافق مع عنف محدود في الشارع. أما في ليبيا فقد كان السقوط مطلقاً – حيث تم تمزيق البلد بشكل كامل بين ما يسمى "المقاتلين من أجل الحرية" والذين تبينَ فيما بعد أنهم ليسوا سوى متشددين من القاعدة ينتمون إلى "المجموعة المقاتلة الإسلامية الليبية".
فاجأت الحربُ الغربية الخاطفة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط العديدَ من البلدان. فقد أدى عجزها عن الرد بشكل فعال على "الحرب اللونية" المنسقة خلال 3 سنوات من زعزعة الاستقرار الإقليمي إلى  تغيير الأنظمة، وحتى الحرب.
أما في سوريا، فقد صمدت الحكومة وصمد الشعب، ومن ثم قاما بالرد على الهجوم.
في كانون الثاني/يناير 2013، بدا واضحاً أن قوات الأمن السورية قد قلبت الطاولة على المسلحين المدعومين من الخارج الذين كانوا يتدفقون طيلة سنتين عبر الحدود ويزرعون الفوضى القاتلة في كافة أنحاء البلاد. وقد تم تحقيق المكاسب الراسخة في كل مكان، من الشمال بالقرب من المدينة السورية الأكبر، حلب، وعلى طول الحدود اللبنانية، وبشكل خاص في مدينة درعا الجنوبية، التي تسمى "مهد الانتفاضة".
استمر الإعلام الغربي في تصوير الوضع في سوريا على أنه متقلقل، حيث أن الحكومة السورية تتهاوى وأن مقاتليهم بالوكالة على وشك تحقيق خرق كبير. أما في الواقع فقد أطبق الياس على واشنطن ولندن وتل أبيب. فقد جرت محاولات لجر البلاد إلى حرب واسعة عبر الهجمات الإسرائيلية المباشرة على الأراضي السورية لكنها لم تنجح، ومع قدوم آب/أغسطس 2013 وصل اليأس بالغرب إلى درجة التخطيط لتدخل مباشر لإنقاذ قواته بالوكالة، حتى أن الغربيين قاموا بهجوم كيماوي على أطراف مدينة دمشق لتبرير تدخلهم. ولكن لخيبة أمل الغرب، لم يفشل هذا الهجوم في تزويده بالذريعة اللازمة للتدخل البماشر فقط، بل أدى إلى تدمير مصداقيته وموقفه الدولي أيضاً.
لم يعد انتصار سوريا خافياً على أحد
برزت انتصارات سوريا الأخيرة ضد الغزاة من مقاتلي الغرب بالوكالة بشكل ناصع في يبرود هذا الشهر، هذه المدينة الواقعة على بعد 80 كم شمال غرب العاصمة دمشق والتي كانت معقلاً استراتيجياً لحملات المسلحين ضد السوريين واللبنانيين عبر الحدود المجاورة. كانت يبرود تعتبر في قبضة المسلحين طيلة فترة النزاع. ولكن مع استعادة النظام والأمن في يبرود، ومع فرار الفصائل المسلحة بأعداد كبيرة، يبدو أن العمليات العسكرية الضخمة ضد سوريا قد شارفت على نهايتها وتحولت، بدلاً من ذلك، إلى حملة إرهابية محدودة.
ليس بمقدور الغرب أن يصورَ مقاتليه بالوكالة كقوة معارضة فعالة سياسياً واجتماعياً, والآن استراتيجياً. فقد تمكنت القوات السورية من دحر المسلحين إلى الحدود السورية.
في هذا اليوم، لجأت تركيا إلى الهجوم، حيث زعمت أنها أسقطت طائرة سورية أثناء اشتباك القوات السورية مع المسلحين على الحدود. وفي مدينة درعا الجنوبية المحاذية للحدود السورية-الأردنية، فإن "الجبهة الجنوبية" المزعومة المشكلة من 49 فصيلاً مسلحاً والتي تضم، تبعاً للمزاعم السائدة، حوالي 30,000 مقاتلاً في صفوفها قد تعرضت للتشكيك حتى من قبل المصادر الغربية التي وصفت هذه القوة بأنها "مجرد تحالف على الورق".
قدمت "منحة كارنيغي للسلام العالمي" تقريراً مقلقاً حول الدعم العسكري المستمر للإرهابيين المتدفقين إلى سوريا من الأردن، والمسلحين والمموَلين من الولايات المتحدة والسعودية – على الرغم من ادعاءات البلدين باستيائهما من قطر لقيامها بالشيء نفسه. ففي تقريرها المعنوَن "هل ’الجبهة الغربية‘ موجودة؟"، زعمت هذه المؤسسة:
"تبعاً لمصادرَ عديدة، كان الدعم لا يزال مستمراً للمتمردين في الجنوب منذ نهاية شهر شباط/فبراير، حيث تم إنفاق مبالغ كبيرة من المال على رواتب المتمردين والشاحنات السعودية المتوجهة نحو الحدود الأردنية-السورية. ولكن دون زيادة كبيرة في الدعم، وربما إضافة الأسلحة النوعية مثل الصواريخ المضادة للطائرات، من الصعب على المرء أن يتخيلَ أي تقدم فعلي للمتمردين – أو أنهم سيتمكنون من التوحد حول قيادة واحدة."
يبدو أنها الدفعة الأخيرة اليائسة التي تقدمها قوة استنفذت كافة قواها ضد الجيش السوري القوي المتمسك بمواقعه. وبينما لا يزال الغرب يحاول إذكاء العنف في سوريا، يبدو أن الانتصارات التي يحققها الجيش السوري قد وصلت إلى مرحلة لا يمكن لأي قدر من الدعم غير المباشر أن يغيرها. فحرب الوكالة، التي افتقدت إلى التدخل العسكري على نطاق واسع من قبل القوى الغربية، قد باءت بالفشل.
ماذا يعني الانتصار السوري بالنسبة للهيمنة الغربية
يعود البحث الحديث عن الهيمنة الغربية إلى نهاية "الحرب الباردة" عندما كان هناك اعتقاد راسخ لدى "وول ستريت" و لندن بإمكانية إعادة ترتيب الكوكب تحت سيطرتهما في غياب أي قوة عظمى تقف في وجههما. فقد بدا من الثورات الملونة في أوروبا الشرقية، وتدمير روسيا في التسعينيات من القرن الماضي، وحرب العراق الأولى، وتقسيم البلقان، أن إعادة الترتيب هذه تسير على قدم وساق. لكن روسيا والصين والهند وبلدان نامية أخرى نهضت بسرعة فائقة أدت غلى تحجيم تدريجي لطموحات الغرب.
واليوم، مع خروج الغرب من العراق، وغرقه في مستنقع أفغانستان، وانكشاف مخططاته العدوانية في ليبيا، وحصاره في سوريا وأوكرانيا، لا يبدو فقط أن الطموحات الغربية قد تعرضت للتحجيم ولكن يمكن، في الحقيقة، أنها تواجه خطراً عكسياً.
إن فشل الغرب في سوريا يبعث برسالة إلى الأهداف الأخرى للتدخل الغربي. ليس هناك أي حاجة للتهاون أو التفاوض، وليس هناك أي حاجة لتملق الأعراف التي لفقها الغرب لتقييد البلدان المستهدفة. وفي حقيقة الأمر، فإن كل ما تفعله هذه البلدان من خلال مراعاتها لهذه الأعراف هو إضعاف نفسها عبر التزامها بالقواعد التي يطالب الغرب الآخرين الالتزام بها بينما يقوم هو بانتهاكها بشكل متعمد.
بينما يضاعف الغرب من عجزه المتنامي على الصعيد الكوني من خلال إصراره على البحث المستمر عن نموذج القطب الواحد الفاشل المتأسس على تحقيق الهيمنة الكونية، تصر بلدان مثل روسيا والصين على الشراكة مع الأمم الأخرى في عالم متعدد الأقطاب – دون فرض الإملاءات على الدول الأخرى ودون انتهاك سيادتها.
إن فشل الغرب في سوريا مؤشر على أن قوته ونفوذه في تراجع، كما أنه يقدم مثالاً حديثاً على المخاطر التاريخية التي تواجهها الإمبراطورية من خلال توسعها وتمددها. فحتى لو تمكن الغرب من عكس فشله في سوريا، فإن سمعته وشرعيته قد تمرغتا بالوحل بحيث أن أية محاولة من هذا النوع يقوم بها بعد سوريا ستكون ضرباً من المستحيل.
يتباكى الصحفيون وصناع السياسة الغربيون حول "تراجع" الدبلوماسية الغربية – لكن هذه السياسة لا تواجه سوى "التراجع" لأنها اختارت العنجهية في المقام الأول. فبمقدور أمة تلعب دوراً إيجابياً وبناءً على المستوى العالمي أن تكون مؤثرة إن هي احترمت من تتفاعل معه وأن تقود إلى التغيير عبر تقديم مثال ينال إعجاب الآخرين. فبالنسبة إلى الغرب وإخضاعه الآخرين لقرون طويلة، لا يبدو هذا المفهوم غريباً فقط بل أقلَ إغراءً من النظام المتهاوي الذي يتربع على عرشه الآن.
إن انتصار سوريا يعني أنه على الرغم من إمكانية نهب الغرب لبلدان أخرى في المستقبل القريب والمتوسط، فإن قوته ونفوذه سيواجهان تراجعاً مستمراً.
بالنسبة إلى سوريا والبلدان الأخرى التي تواجه إمكانية محاولة زعزعة استقرارها داخل حدودها نفسها، فقد تعلمت درساً مكلفاً للغاية حول محاولة استيعاب ومجاملة الطموحات الغربية. إذ إن التمسك بالموقف الأخلاقي منذ البداية، وامتلاك وسائل الإعلام المحلية التي تخاطب الجمهور العالمي مثل قناة "تلفزيون بريس" الإيرانية و "روسيا اليوم" الروسية لتقديم وجهات نظر هذه البلدان للعالم، يمكن البلد المستهدَف من الصمود والقتال، إن دعت الحاجة إلى ذلك. أما محاولة اللجوء إلى النظام الذي شكله الغرب نفسه لتحقيق الهيمنة الكونية – بما في ذلك "الأمم المتحدة"، ومنظمات حقوق الإنسان التابعة لها، والإعلام العالمي – يعني الدخول في اللعبة الغربية، واللعب تبعاً لقوانينها، وبشروطها هي، مما يعني الخسارة المحتمة.